الحق في التعلم بين بريق النص وإكراه الممارسة / بقلم ذة.فاطمة الزهراء عبدون

الحق في التعلم بين بريق النص وإكراه الممارسة / بقلم ذة.فاطمة الزهراء عبدون

شغلت قضية التعليم اهتمام كل الفاعلين في منظومة التربية والتكوين، وباتت تؤرق المتتبعين للشأن التربوي ببلادنا لما تطرحه من إشكالات كبيرة على مستويات عدة من ضمنها المكانةالمتأخرة التي يتبوؤها المغرب على الصعيد العالمي، مما فتح الباب على مصراعيه لتشخيص أزمة التعليم والبحث عن الأسباب واستشراف آفاق الإصلاح.

وفي مقالي هذا سأتطرق لإشكالية الحق في التعليم ومبدأ تكافؤ الفرص، فإذا كان الحق في التعليم بالمغرب قد ضمنتهالوثائق المرجعية للسياسة التعليمية، والخطابات الرسمية من خلال مصادقة المغربعلى:

  • الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فالمادة 26 تنص على مبدأ التربية باعتباره حقا أساسيا للجميع وأن هدف التربية والتعليم هو”إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملا، وتعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية”
  • العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادتان 13 و14) ويلزم الدول بوضع خطة “للتنفيذ الفعلي لإلزامية التعليم ومجانيته للجميع”.
  • اتفاقية حقوق الطفل (المادة 28 و29) التي تشير إلى واجب تشجيع الحضور في المدارس والتقليل من معدلات ترك الدراسة وتشجيع القضاء على الأمية والجهل.
  • إعلان الأهداف الإنمائية للألفية (2000) والتي تهدف في هدفها الثاني والثالث إلى “كفالة تمكن الأطفال في كل مكان سواء الذكور أو الإناث من إتمام مرحلةالتعليم الابتدائي بحلول 2015” و”إزالة كل التفاوتات بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي، ويفضل أن يكون ذلك قبل عام 2005، وبالنسبة لجميع مراحل التعليم في موعد لا يتجاوز 2015.
  • وعلى المستوى الوطني، ووفقا للفصل 31 من الدستور: تعمل الدولة على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات “على قدم المساواة من الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة”. وينص الفصل 32 من الدستور على “أن التعليم الأساسي حق للطفل وواجب علىالأسرة والدولة”.

وأنا أكتب هذه المرجعيات واحدة تلو الأخرى، بالطبع، تغريك هذه الرزنامة من الاتفاقيات والمرجعيات التي صادق عليها وطننا، ولا ننسى ذكر الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي والخطاب الملكي الذي وضع التعليم ضمن الأولوية الثانية بعد القضية الوطنية؛لأننا شعب يعيش دائما تحت مجهر المسؤولين، فيعملون على تحديد المختبرات والعينات المتمثلة في أطفال هذا الوطن.

وأنت تقرأ هذه المرجعيات تصادفك العديد من المصطلحات من قبيل: الحق في تعليم مجاني، تعليم جيد وذي جودة، تكافؤ الفرص، توفير كل الوسائل المتاحة….، التعليم واجب على الدولة….، تضمن للمغرب موقعا ضمن المنتظم الدولي وتسمح له بالحفاظ على الوضع المتقدم الذي يتمتع به في علاقته بالاتحاد الأوروبي، والعلاقات “المتميزة” مع السوق الأوروبية المشتركة، لكن، ومع ذلك، فالسعي الحقيقي لجعل هذه الشعارات تسري في شرايين المدرسة المغربية يقتضي مجهودا ديمقراطيا يبدأ بإعلان الحقيقة أولا، ومنها على سبيل المثال:

– مبدأ الجودة تعدد المستويات: إذ كيف نتحدث عن جودة التعلمات وأقسامنا تضم من ثلاثة إلى ستة مستويات   داخل الفصل الواحد (القسم مزدوج)؛

– تكافؤ الفرص وتفاوت البنيات التحتية والعرض المدرسي: ونحن ما نزال أمام وضعيات صارخة من التمييز؛ أطفال يقطعون مسافات من أجل التعلم،وآخرون يدرسون والأمطار تغرق حجراتهم الدراسية، أطفال لا يجدون حتى الطريق المعبدة إلى المدرسة إن أمطرت…..

كيف يمكن الحديث عن مبدأ تكافؤ الفرص بين طفل في مؤسسة عمومية فقيرة، وبين آخر يدرس في مدرسة خاصة توفر أحدث الوسائل؟

أين نحن من المساواة بين الجنسين، وطفلاتنا يحرمن من متابعة دراستهن مباشرة بعد الابتدائي في العديد من القرى؟

قد يقول البعض إن الخطاب الرسمي يعترف بهكذا اختلالات، وفي تقارير مسؤولة، ولكن دعونا نتساءل لماذا كل التدابير الإصلاحية لا تسير وفق التشخيصات الوطنية والدولية…، فبالرغم من كل الجهود التي تمت وتتم طبقا للخطة الاستراتيجية 2015 / 2030، إلا أننا نعيد سيناريو مراكمة الفشل، فالقاسم المشترك في رأي بين كل الإصلاحات/مشاريع الإصلاح هو اهتمامها النسبي بالجانب المادي في إطار ما يسمى بمحاربة الهشاشة، لكنها ـــــ ولحد الساعة ــــــ لم تضع نصب أعينها مشروع الإنسان المنشود، ومشروع المجتمع المأمول، أي سياسة تستحضر البناءات والطاولات والترقيات، خارج مشروع نسقي عمقه الإنسان، وأهدافه ولوج عالم المعرفة لن يكون مصيره سوى تكريس ديمقراطية الواجهة، لقد أكدت التقارير الدولية ضعف مستوى القراءة عن تلامذتنا وبشكل مخجل، ولهذا المستوى ارتباط وثيق بالبعدين البيداغوجي والديداكتيكي، وهو ما يستوجب على الأقل في دولة تحترم شعبها القيام بشيئين: أولهما تحسين البرامج والمناهج، وثانيهما تأهيل الأطر التربوية في إطار التكوين المستمر.

لا يمكن بناء الديمقراطية في مجتمع غير قارئ، وغير عارف، والتعليم الجيد هو السبيل الوحيد لتأهيل المجتمع لينخرط في العصر ويساهم في تحقيق الديموقراطية والكرامة لهذا في أبعادها الإنسانية والوطنية، وأتساءل كيف لدولة ديموقراطية أن تصادق على هذه الرزنامة من الاتفاقيات ولا تسائل مسؤوليها على الإخفاقات وفشل شمل أجيالا من الشعب، ولا تنتج قوانين وآليات من أجل حماية….

وها نحن الآن أمام استراتيجية جديدة، وإن كنا نتمنى لها النجاح إلا أنه يجب الإقرار بأن أي فشل مرة أخرى فسيكون إقرار بإصابة مجتمعنا بداء الفشل المزمن، وسنحكم على مدرستنا بقرون من تفريخ الأمية والقيم السلبية، فقد آن الأوان على الأقل أن يفهم الحاكمون أن عليهم ألا يرضوا بحكم مؤسسات فاشلة وشعب غير عارف…

إن مسؤولية التعليم، مسؤولية الدولة والمجتمع، والإصلاح يقتضي دمقرطة الدولة والمجتمع، وفشله هو فشل لمنظومة الدولة ولمخططاتها، وتشخيص هذا الفشل يبدأ بالمسؤولين عن هذه وضع الخطط والاستراتيجيات ومحاكمتهم، فالجرائم التي ترتكب في حقالشعوب والأجيال ليعيشوا عصورا من الجهل والأمية لهي أفظع الجرائم.

فاطمة الزهراء عبدون/ أستاذة بنيابة شيشاوة