في إحدى اللقاءات بمقر رئاسة الحكومة بين رئيس الحكومة، في بداية ولايته، وممثلي بعض القطاعات بحضور عبد القادر الزاير، نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، طلب رئيس الحكومة في نهاية اللقاء، من الأخير إيفاده بنصيحة، وكان جواب الزاير، برنة الأمر الصارم لا يتجاوز كلمتين اثنتين، لكن بحمولة قوية وصادقة “خدم وسكت” وضحك مستشاراه آنذاك : المرحوم باها والسيد المعتصم، وكأنهما كانا بودهما إيفاده بنفس النصيحة ولم يجرءا.
لو عمل بنكيران، بهذه النصيحة مند بداية عمله كرئيس الحكومة، لكانت صورته أقل سلبية مما هي عليه اليوم، لكنه اعتمد العكس ” لم يعمل ولم يسكت” وهذا نموذج سلبي بالنسبة للجيل الذي يعيش هذه المرحلة. لو تعامل مع السلطة بمفهوم القدرة على الفعل لحقق إنجازات، لكن ليس للشخص، تعريف للسلطة إلا ذاك المفهوم الضيق المتعلق بممارسة القمع والاستبداد وفرض المزاج، وعدم اعتبار الغير كما فعل في الحوار الاجتماعي وملف التقاعد وملف المرسومين واللائحة طويلة.
بالإضافة إلى قمع صوت المرأة وتعنيفها نفسيا، كما حصل مؤخرا بمجلس المستشارين، وخاطبها بإطلاق معان لها إيحاءات تخل بالحياء. لم يترك مجالا إلا وبصمه بالأساليب الهزلية والهزيلة، التي تفقد العمل السياسي نبله ومصداقيته، وكأن دوره هو تبديد إرث المغاربة في المجالات الثقافية، الفكرية، الفنية، العلمية والحداثة والحريات، الذي ناضل من أجله المغاربة كافة عبر نضالات وحراكات سبقت عصرها العربي، ترتب عنها شهداء وضحايا لازال التاريخ يشهد لهم بتضحياتهم، من أجل هذا الوطن الأمين، لذلك فركوب أمواج لا علاقة لها ببحر المغاربة مآله الغرق.
ما يثبت اختلاط الأمور بالنسبة إليه، هو أنه نسب الأمطار الغزيرة التي عمت على المغاربة السنة الفارطة لمجيء حزبه إلى الحكم. وماذا يقول عن الأمطار الأخيرة التي تزامنت مع يوم الإعلان عن الإضراب العام الذي قررته النقابات الأكثر تمثيلية بتاريخ 24 فبراير 2016، ضد حكومته؟
هذا القرار جاء بعد مخاض عسير، عند ثبوت انعدام إرادة رئيس الحكومة، في التعامل مع الملفات الاجتماعية، وبعد استخفافه بالحوار الاجتماعي، وبعد الإجهاز على المكتسبات، وبعد أن اعترف بدون استنطاق، بأن الفئات التي تتقاضى أجورا تفوق سبعة آلاف درهم لا تهمه، وبعد أن تبث أنه يدافع عن الفقر وينمقه بذل أن يحاربه، أي يتعامل مع الفقر كصديق وليس كعدو. وبعد أن تأكد بأن الشخص له ميول إلى الرجوع بالمغاربة إلى الوراء، باعتماده نماذج يعتبرها المغاربة متخلفة.
من مميزات المغاربة أنهم يصبرون إلى أن يصل السكين العظم، كما يقال في المثال الشعبي، بمعنى أنهم يمنحون الفرصة إلى أن يزول أي لبس في تقييمه للنوايا، ويحترمون من يحترمهم ويعتبرهم، فتدبير الشأن العام ليس بهذه الطريقة ولا بهذا السلوك ولا بهذا المستوى ولا بهذه السخرية، كما يقول المثل المغربي “الشان عند ماليه” أي الشأن عند ذوي الشأن.