ذ. الحسين وبا
استراتيجية السؤال
بالرغم من المحاولات و الجهود التي تبذلها كل من وزارة التربية الوطنية و القوى الحية بالبلاد و على رأسها الفاعالين الجمعويين و المؤسسا ت ذات الاهتمام بقضايا الطفولة و الإعلام التربوي بشتى أطيافه و أنواعه ، فإن واقع الحال- تقريبا لازال على حاله .–
ذلك أن الطرائق البيداغوجية الجديدة مهما ساعدت التلاميذ على اتخاذ الموقف و المبادرة الشجاعة بغية الخروج من الروتين و تخطي الاتكالية المعرفية تدريجيا التي كانوا يعانون حاجتها في الامس القريب ، ومهما أصبحت التربية على الاختيار والمقاربة بالكفايات سيدة العملية التدريسية و أنشطتها النوعية و الهادفة ، وما تحفل به مكونات المنهاج الدراسي من نصوص علمية و ادبية و مقضايا مختلفة وما تزخر به الطرائق التعليمية من تنوع و مرونة ووضعيات مشكلة ذات مضامين اجتماعية/ واقعية تمس عن قرب حياة المتعلم المدرسية و البيئية و الرياضية و الثقافية و الاقتصادية ،الى درجة غدا المتعلمون اليوم اكثر انخراطا في قضاياهم المحلية من أي وقت مضى ..
إلا أن الأهم- في اعتقادي المتواضع- ظل غائبا او مهمشا ، و أقصد بذلك التربية على السؤال الذي يتوخى الاستفسار و المزيد من تعبئة اليات التفسير ( كأسلوب التعريف و الشرح و السرد و التشبيه و المقارنة ) لرفع اللبس الحاصل وتقوية المقترحات البديلة أحيانا ، و دعم عملية التواصل الايجابي بين المتعلمين وبينهم و بين مدرسهم أحيانا أخرى..
إن المقاربة بطرح الأسئلة لتعد المقاربة البيداغوجية الحديثة التي تفتقر إليها طرائقنا البيداغوجية في أوساط مؤسساتنا التعليمية و مراكزنا التربوية و التكوينية، و من ثم وجب تربية الأجيال الحاضرة منها و القادمة على هذا النمط التعليمي /التعلمي النوعي حتى يصير طرح السؤال- مستقبلا- داخل حجرات مؤسساتنا ثقافة تربوية تتوارثها الأجيال.
إن تدريب و تربية المتعلم على طرح الأسئلة لا يعني تكوين شخصية مواطن قادر على الملاحظة و التحليل و المواجهة والتعقيب او مزود بمهارات و كفايات هائلة – فحسب – و انما هي عملية تنشئة و تربية الأجيال على معرفة من أين تبدأ حقوقهم و أين تنتهي ، مادامت ترتبط بالحقوق الكونية التي نادت بها معظم المعاهدات و المواثيق الدولية و على رأسها الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل عام 1989 و إعلان حقوق الطفل عام 1952م.
قد يثير الموضوع لدى البعض- في بدايته- بعض الاستغراب ، لأن من شأن الراشد و طبعه الاستهتار بكل ما تأتي به الدراسات و النظريات التربوية الحديثة بخصوص هذا الكائن الصغير ، الذي سيصير قوة تنمو إلى الأمام كما قال العالم سبيز .
انه الطفل الذي يجد متعته في طرح السؤال ، و هو جانب طبيعي يرتبط باناه و كبريائه الذي يريد من خلاله إثبات ذاته ووجوده،
ان طريقة تعويد الأطفال على السؤال لتعد إحدى الاسترتيجيات البيداغوجية الناجعة في تحسيس المتعلمين بأهمية الأسئلة و تعويدهم عليها و تحبيبهم لها، حتى تتحول حجراتنا الدراسية من حجرات الخوف يسكنها الصمت إلى فصول دراسية مفعمة بالحيوية والتواصل و النشاط و الدفء التعلمي .
وحتى تعطي عملية الإصلاح و المبادرات البيداغوجية الجديدة ثمارها المرجوة وحتى يبقى للتربية على الاختيار و التربية على السلوك المدني معنى دال ، فقد صار لزاما علينا اليوم{ كفاعلين تربويين و إباء وأمهات و أولياء التلاميذ و محسنين اجتماعيين و فاعلين اقتصاديين و جمعيات المجتمع المدني و فاعلين إعلاميين…..الخ القيام بتحسيس المتعلم المغربي بأهمية التربية على السؤال و تدريبه على طرحه و التفكير في صياغته، لأنه ببساطة أضحى يشكل طاقة حرارية للعملية التدريسية و منطلقا اساسيا لتعلمات و نشاطات المتعلمين ، بل محركا مركزيا لفضولهم العلمي .و رغباتهم النفسانية و ميولاتهم الفنية و الادبية. واعتقد أن ما حققه المربي الفرنسي سليسيان فرينه في هذا المضمار مع تلاميذه ليعد الثورة البيداغوجية الواقعية و النموذج التربوي الذي يجب ان يحتدى به في تاريخ فن التدريس الذي يعود فيه الفضل لرائد المدرسة البنائية- جان بياجيه، الذي وصف الممارسة التربوية ” بالفن ” و الابداع.
ترى إلى متى سيظل السؤال مغيبا عن فصولنا التعليمية و التكوينية ؟ الم يحن الوقت لاعتبار التربية على السؤال استراتيجية تربوية تتوق الى تمرين و تشجيع التلميذ على الانخراط و التواصل و المواجهة و التعقيب ؟
باحث في شؤون الطفولة.