التربية على السؤال..

الحسين وبا4 يناير 2018
التربية على السؤال..

ذ. الحسين وبا

استراتيجية  السؤال

 

بالرغم من المحاولات و الجهود التي تبذلها كل من وزارة التربية الوطنية و القوى الحية بالبلاد و على رأسها الفاعالين الجمعويين  و المؤسسا ت ذات الاهتمام بقضايا الطفولة و الإعلام التربوي بشتى أطيافه و أنواعه ، فإن واقع الحال- تقريبا لازال على حاله .

 ذلك أن الطرائق البيداغوجية الجديدة مهما ساعدت التلاميذ على اتخاذ الموقف و المبادرة الشجاعة بغية الخروج من الروتين و تخطي الاتكالية المعرفية  تدريجيا التي كانوا يعانون حاجتها في الامس القريب ، ومهما أصبحت  التربية على الاختيار والمقاربة بالكفايات سيدة العملية التدريسية و أنشطتها النوعية و الهادفة ، وما تحفل به مكونات  المنهاج الدراسي من نصوص علمية و ادبية و مقضايا مختلفة وما تزخر به الطرائق التعليمية من تنوع و مرونة ووضعيات مشكلة ذات مضامين اجتماعية/ واقعية تمس عن قرب حياة المتعلم المدرسية و البيئية و الرياضية و الثقافية و الاقتصادية ،الى درجة غدا المتعلمون اليوم اكثر انخراطا في قضاياهم المحلية من أي وقت مضى ..

إلا أن الأهم- في اعتقادي المتواضع- ظل غائبا  او مهمشا ، و أقصد بذلك التربية على السؤال الذي يتوخى الاستفسار و المزيد من تعبئة اليات التفسير ( كأسلوب التعريف و الشرح و السرد و التشبيه و المقارنة ) لرفع اللبس الحاصل وتقوية المقترحات البديلة أحيانا ، و دعم عملية التواصل الايجابي بين المتعلمين وبينهم و بين مدرسهم أحيانا أخرى..

إن المقاربة بطرح الأسئلة لتعد المقاربة البيداغوجية الحديثة التي تفتقر إليها طرائقنا البيداغوجية في أوساط مؤسساتنا التعليمية  و مراكزنا التربوية و التكوينية، و من ثم وجب تربية الأجيال الحاضرة منها و القادمة على هذا النمط التعليمي /التعلمي النوعي حتى يصير طرح السؤال- مستقبلا- داخل حجرات مؤسساتنا ثقافة تربوية تتوارثها الأجيال.

إن تدريب و تربية المتعلم على طرح الأسئلة لا يعني تكوين شخصية مواطن  قادر على الملاحظة و التحليل و المواجهة والتعقيب  او مزود بمهارات و كفايات هائلة – فحسب – و انما هي عملية تنشئة و تربية الأجيال على معرفة من أين تبدأ حقوقهم و أين تنتهي ، مادامت ترتبط بالحقوق الكونية التي نادت بها معظم المعاهدات و المواثيق الدولية و على رأسها الاتفاقية الأممية  لحقوق الطفل عام 1989 و إعلان حقوق الطفل عام 1952م.

قد يثير الموضوع لدى البعض- في بدايته- بعض الاستغراب ، لأن من شأن الراشد و طبعه الاستهتار بكل ما تأتي  به الدراسات و النظريات التربوية الحديثة بخصوص هذا  الكائن الصغير ، الذي سيصير قوة تنمو إلى الأمام كما قال العالم سبيز .

انه الطفل الذي يجد متعته في طرح السؤال ، و هو جانب طبيعي يرتبط باناه و كبريائه الذي يريد من خلاله إثبات ذاته ووجوده،

ان طريقة تعويد الأطفال على السؤال لتعد إحدى الاسترتيجيات البيداغوجية الناجعة في تحسيس المتعلمين بأهمية الأسئلة و تعويدهم عليها و تحبيبهم لها، حتى تتحول حجراتنا الدراسية من حجرات الخوف يسكنها الصمت إلى فصول دراسية مفعمة بالحيوية والتواصل و النشاط و الدفء التعلمي .

  وحتى تعطي عملية الإصلاح و المبادرات البيداغوجية الجديدة ثمارها المرجوة  وحتى يبقى للتربية على الاختيار و التربية على السلوك المدني معنى دال ، فقد صار لزاما علينا اليوم{ كفاعلين تربويين و إباء وأمهات و أولياء التلاميذ و محسنين اجتماعيين و فاعلين اقتصاديين و جمعيات المجتمع المدني و فاعلين إعلاميين…..الخ القيام بتحسيس المتعلم المغربي بأهمية التربية على السؤال و تدريبه على طرحه و التفكير في صياغته، لأنه ببساطة أضحى يشكل طاقة حرارية للعملية التدريسية و منطلقا اساسيا لتعلمات و نشاطات المتعلمين ، بل محركا مركزيا لفضولهم العلمي .و رغباتهم النفسانية و ميولاتهم الفنية و الادبية. واعتقد أن ما حققه المربي الفرنسي سليسيان فرينه في هذا المضمار مع تلاميذه ليعد الثورة البيداغوجية الواقعية و النموذج التربوي الذي يجب ان يحتدى به  في تاريخ فن التدريس الذي يعود فيه الفضل  لرائد المدرسة البنائية- جان بياجيه،  الذي وصف الممارسة التربوية ” بالفن ” و الابداع.

ترى إلى متى سيظل السؤال  مغيبا عن فصولنا التعليمية و التكوينية ؟  الم يحن الوقت لاعتبار التربية على السؤال استراتيجية تربوية تتوق الى تمرين و تشجيع التلميذ على الانخراط و التواصل و المواجهة  و التعقيب ؟

باحث في شؤون الطفولة.