لا يختلف متتبعو الشأن السياسي في مجال سوسيولوجيا الانتخابات، أن المشهد السياسي العربي عامة والمغربي خاصة يعرف نوعا من التميز السلبي بالمقارنة مع الديمقراطيات الغربية بشكل خاص على مستوى اللعبة الانتخابية لتدبير الشأن العام، بحيث يسود نوع من الفساد والإفساد للمسلسل الانتخابي برمته بدء بتحديد الدوائر الانتخابية والتقطيع الانتخابي، مرورا بوضع الترشيحات و إبان الحملة والتعبئة للانتخابات وجلب واستقطاب الأصوات وصولا إلى الفرز والإعلان عن النتائج، ورغم ذلك وفي ظل هذا الوضع تخجل الدولة وتضمن حقوق المرشحين والناخبين، على الأقل شكليا بحيث تفسح المجال لمن يلاحظ سلامة المسلسل الانتخابي وتضمن كذلك حقوق المرشحين وتحرص على أن يُمثلوا بمناديب وتسلمهم في آخر المطاف تقريرا عن مجمل عملية التصويت وعن الفائز مباشرة بعد الانتهاء من عملية الفرز.
وأمام هذا الوضع الانقسامي المركب لحال سوسيولوجيا الانتخابات بالمغرب التي ينخرط فيها المثقف، الواعي، الأستاذ، الفلاح والأمي نلمس إلى حد ما نوعا من الاحترام لإرادة المواطن، وبالمقابل وعلى ضوء ما مورس الأربعاء المنصرم في انتخابات مناديب التعاضدية الوطنية للتعليم بالمغرب وباستحضار حالة مدينة أسفي نموذجا، فإن سوسيولوجيا الانتخابات في التعاضدية الوطنية للتعليم أكثر مخزنةً منها في مألوف الانتخابات لدى الدولة، بل ما يمكن أن تنعت به، هي أنها مهزلة بامتياز، أجل إنها مهزلة وكارثة تنظيمية، تبعث رسائل عديدة ومتنوعة. فعلى المستوى الشكلي نلمس نوعا من الاحتقار للأسرة التعليمية، بحيث تم الاعتماد على الشباك الواحد؛ عفوا المكتب الواحد للتصويت لأكثر من7000ناخب وناخبة من نساء ورجال التعليم، بل الطامة الكبرى تتمثل في الصعوبة للوصول إلى هذا المكتب لأن مسلكه درج ليس كالأدراج، فسح المجال للعديد من مرتزقة الانتخابات والمناديب السابقين في الدعاية والاستمرار في الحملة لصالحهم، لكن إصرار صوت الفعل النضالي الرصين والنقابي المتميز في شباب لهم من السمعة الكثير في الشفافية والوضوح ونقاء اليد وصفاء المبدأ، فرض نوعا من التغيير لصالح دمقرطة الفعل التعاضدي، رغم أن تمة من هدد بالترهيب والتهديد لاستدعاء الضابطة القضائية للجم الأصوات الحرة الغيورة على تغيير واقع المنظمة والمؤسسة ذكّرنا ب”عيطوا على الدولة”، بعدما تأكد بالملموس أن هناك من لا وازع له سوى تكريس أسلوب العبث والاستهتار بمصالح المنخرطين الذين أبوا إلا أن يشاركوا بكثافة نكاية بمن يريد السطو على حقوقهم المشروعة.
ولعل ما يمكن أن نسجله من إيجابيات في المحطة الانتخابية التعاضدية أمس، هو ذلك التميز الذي اتصف ويتصف به رجال ونساء التعليم الذين تراصوا بانضباط وبأخلاق وُصفت بالعالية بالرغم من الوضعية غير المريحة التي أجبرهم عليها “المنظّمون” مكرهين وكارهين لاختيار من يمثلهم، ناهيك عن الأجواء المكهربة لم تصدر فيها لا كلمات خشنة ولا مناوشات رخيصة بل نقاشات عابرة واحتجاجات مشروعة، ساهموا بكل وعي وأريحية لإنجاح المحطة، والتي كانت نتائجها مُرضية، فاز فيها شباب طموح نال ثقة ناخبيه حسمت فيها صناديق الاقتراع ولعمري ذلك أعظم امتحان وأجلّه ! شباب قادر على محاربة الفاسدين والمفسدين الذين طالما عششوا في التعاضدية بحثا عن امتياز هنا أو هناك يسيل لعابهم لها كلما لاحت في الأفق تباشيرها المغرية مرضا، أو عن صفة لطالما تبجح بعضهم برفع بطاقة مندوب وطني لم يظهر أثر لفعله على أرض الواقع سوى الإدعاء المقيت وهواية جمع بطائق المسؤولية دون مصلحة تذكر وتلك حكاية أخرى…