الغموض إلى أين؟؟

التادلي الزاوي23 أبريل 2013
الغموض إلى أين؟؟

الغموض مصدر خصب للشائعات

إذا كان الغموض مظهرا من مظاهر الفساد في الدول المتخلفة ، بما يتيحه من فرص للغش والتحايل في علاقة الإدارة بالمواطنين ، أو في علاقة المواطنين بعضهم ببعض ، بحيث تترك الأمورللتأويل وفق الهوى والنوازع ، ويتم الالتجاء لكل أساليب الإقناع والاستمالة للرأي الخاص ، في غياب قوانين واضحة وضابطة لسلوك الفرد والجماعة ، فإن هذه السمة تطبع كثيرا من جوانب الحياة الإدارية في المجتمع المغربي ، لا لغياب القوانين ، إذ تتوفر البلاد على ترسانة هامة تكاد لا توجد حتى في أعرق النظم الديمقراطية ، ولكن لعدم الحرص على تطبيقها ، باعتبار المهمة ليست منوطة بالقضاء بمختلف مستوياته ،بل هي مسئولية المجتمع برمته ،أفرادا وجماعات . ونتيجة لهذا الوضع يتفنن كثير من الناس والمؤسسات في خلق قوانين موازية ،أو التجرؤ على الموجود منها لتفسيره وفق ما يتناسب والمصالح الظرفية ، ليصبح هذا الإجراء أشبه بالقانون الذي يجب ما قبله .

وإذا كانت وزارة التربية الوطنية بجلال قدرها وعظمة بنيتها البشرية لا تشد عن هذه القاعدة ، فإن الوضع الذي أصبحت تعيشه بفعل تنامي الشائعات ، يجعلنا نطرح كثيرا من الأسئلة حول مجالات الغموض فيها وأسراره وخلفية اعتماده والتمادي فيه ، ولمن ترجع المسئولية في ذلك .

انتظرت شغيلة التعليم على أحر من الجمر أن يأتي النظام الأساسي بما ينصفها ويبعد عنها كل أسباب الغبن والإجحاف ، غير أن رياح هذا النظام قد جرت بما لم تشتهه سفنها، فبقيت كثير من الأمور معلقة ، بقي هامش التأويل قائما ، بل بقيت المذكرات التي يفترض أن تكتسي طابعا تنظيميا وفق ما هو معمول به في العديد من قطاعات الدولة ، تملك أحيانا سلطة أكبر من سلطة القانون . وخير مثال على ذلك مسألة تغيير الإطار التي مرت بردا وسلاما على المستفيدين منها ممن عرفوا بالملحقين التربويين الذين عملوا بالإدارة قبل صدور المذكرة ، وهكذا وضع لهم حيز استثنائي والتحق بهم كل من عرف من أين تؤكل الكتف بمؤازرة المسئول فلان أو علان ، نفس الأمر يمكن قوله بالنسبة لمذكرة الترشيح للالتحاق بالثانوي لتدريس بعض المواد التي ظلت الوزارة تشكو خصاصا فيها ، يضاف إلى ذلك السرية التي يعرفها الترشح لبعض المناصب ضدا على النظام الأساسي ، مثل المناصب بالإدارة المركزية أو مناصب النواب التي ظلت عمليا حكرا على أطر التفتيش والأطر الإدارية وأبعدت منها الأطر التربوية ، دون الاحتكام للمؤهلات العلمية والبيداغوجية ، ولا للتجارب التي قد راكمها هذا الإطار أو ذاك في مجال التدبير كفاعل اجتماعي أو نشيط جمعوي أو فاعل سياسي .

إن الغموض الذي تدبر به كثير من ملفات التعليم ومشاريعه الكبرى ، يطرح اليوم وأكثر من أي وقت مضى ، ضرورة إعادة قراءة النظام الأساسي بعين نقدية موضوعية تحتكم إلى المتطلبات الكبرى التي يحتاجها النهوض بالتعليم ببلادنا ، بعيدا عن أية انتهازية نقابية ،أو علاقة سياسية ضيقة ،أو حسابات ظرفية لم نستطع التخلص منها رغم النداءات المتكررة لتحرر المسئولين عن القطاع من التزاماتهم الحزبية الضيقة . فساعات العمل بالنسبة لهيأة التدريس ينبغي أن لا تظل من الطابوهات ،أو مثل العصا التي يمكن التلويح بها كلما دعت الضرورة ، ينبغي حل الإشكالات الكبرى المرتبطة بمؤسسات التكوين ، ينبغي حل مشكل الترقية ، وينبغي فوق هذا وذاك عدم ترك الأمور مهما كانت حساسيتها للزمن ، فإنه لن يزيدها إلا تعقيدا . وهذا ما ينعش الشائعات والأباطيل التي لكل واحد فيها مبرراته .

بتاريخ 14 اكتوبر 2009