العقوبات التأديبية في المؤسسات التعليمية بين النصوص القانونية والمستجدات التربوية والتقنية

الحسين النبيلي30 أكتوبر 2017
العقوبات التأديبية في المؤسسات التعليمية بين النصوص القانونية والمستجدات التربوية والتقنية
 المحجوب ادريوش

استبشر مؤخرا العاملون في القطاع ومجموع المتدخلين والفاعلين بما راج حول نية الوزير محمد حصاد إصدار مذكرة تنسخ تلك التي أصدرها الوزير السابق، والتي حدت من دور مجالس الأقسام في التصدي للسلوكات اللاتربوية خصوصا تلك التي تصل درجة العنف. ورغم أن مذكرة السيد بلمختار تعارضت مع المرسوم 2.02.376 الذي ترك المجال مفتوحا لهذه المجالس لاقتراح ما تراه مناسبا، فإن الكثير من رؤساء المؤسسات يتذرعون بها في الاجتماعات مما جعل حتى العقوبات البديلة غير ذات جدوى، ولا يعلمون أن سلطة مجلس القسم يؤطرها المرسوم المذكور وهو أقوى حجية من المذكرة، هناك أيضا حكم صادر عن القضاء الإداري رقم 14 بتاريخ 1996/03/20 ملف رقم 61/95 بحيث اعتبر أن “للإدارة سلطة تقديرية في تحديد العقوبة الملائمة حسب جسامة الخطأ ولا رقابة للقضاء عليها في ذلك إلا إذا شابها انحراف في السلطة، واعتبر أن القرار الذي يتخذه المجلس الداخلي كهيأة تأديبية يكون قابلا للتنفيذ بمجرد تضمينه في محضر الاجتماع، وحيث بناء عليه يعتبر الطعن في قرار طرد التلميذ (…..) غير ذي أساس ويتعين الحكم برفضه”.

أولا نحن هنا لسنا مع الطرد المجاني ومنع الآخر من حق دستوري، ولكل لا بد من تأطير الظاهرة باستحضار مبدأي الحق والواجب لجميع أفراد المجتمع المدرسي، ثانيا ما دفعنا للنبش ثانية في الملف هو التراجع الكبير للقيم التربوية والاجتماعية بالمؤسسات التعليمية والانتشار المضطرد لقيم التعصب والكراهية والعنف عنوان كبير عريض لما يجري داخل المؤسسات وما ينتظر النشء إن لم يتحرك الجميع وبدون استثناء خاصة مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومدرسة وإعلام . الأمر يدعو للتخوف بعد اجتهاد بعض التلاميذ وأيضا الأساتذة أو الإداريين في ابتكار وسائل جديدة للتعنيف، والكل يعتبر نفسه غير مسؤول ويرمي بالكرة لطرف ثان وهنا مكمن الخطر.

واضعو البرامج والمناهج مسؤولون، ويكفي إلقاء نظرة على مناهجنا لاكتشاف التناقض القيمي الصارخ في بعض مضامينها، وكمثال على هذا: كيف يمكن التوفيق في برنامج دراسي واحد موجه لكل التلاميذ بين دروس تقدم لهم نظرية الخلق الإلهي للإنسان باعتبارها حقيقة أزلية مطلقة ؛ وأخرى تبسط نظرية النشوء والتطور باعتبارها حقائق علمية تستند إلى المنهج العلمي المتعارف عليه ؟ وكيف يمكن الجمع بين دروس عقدية تحمل خطابا قيميا يستند إلى قراءة للنصوص المقدسة المؤسسة لفكرة أن الإنسان مسير وأن كل شيء يحدث في الكون كتب وسجل وقرر بعناية إلهية منذ الأزل ؛ وبين أخرى تروج لقيم الحرية والمسؤولية الفردية ؟

المدرس هو المرشح لنشر قيم التسامح والإبداع وحب الذات والآخر، لأن عملية نشره للقيم تبدو متعثرة في الغالب نظرا لوجود نماذج تفتقد الى الشروط الموضوعية والذاتية لتحقيق عملية التعليم. إنه نوع من اختلال القرارات يجعل النموذج عاجزا عن التأثير في المتعلم بما يمكنه من الوصول الى مستوى الاكتمال النفسي والاخلاقي والقيمي.

تغليب الجانب البيداغوجي على الجانب التربوي فـ”التربية هي التأثير الممارس على الأطفال من طرف الآباء والأساتذة. وهي قائمة وعامة في كل لحظة أو زمان، ولا توجد هناك فترة في الحياة الاجتماعية خالية من التربية”. أما البيداغوجيا فهي ليست ممارسة أو نشاط بل نظريات، أي نظريات للتصورات التربوية وليس لممارستها. وهنا تتداخل مسؤولية الاسرة (التي سنخصص لدورها في ما يقع اليوم ملفا خاصا) وواضعي التصورات البيداغوجية والتربوية.

من منا لا يتذكر الشعارات التربوية لمدرسة بداية الاستقلال: “من جد وجد ومن زرع حصد”، “العلم نور والجهل عار”… فضلا عن انعكاساتها الأخرى في  لغة وثقافة المجتمع: في الأدعية: “الله يعطيك النجاح”، “الله يرحم من قراك”…، وفي تمجيد حسن السلوك والخلق “الله يعز الترابي” : أي تقدير الانضباط واستقامة السلوك. “لقد كانت المدرسة مصدر إشعاع يمتد فعلها وأثرها خارج نطاق دائرة عملها الأصلي إلى المجتمع برمته، أسرة وثقافة وروابط اجتماعية ومهنية وسياسية. كل هذا صار  مجرد ذكرى طيبة ، ذكرى تزكيها عملية الأسطرة اللاواعية للنموذج التقليدي، كلما أنتج النموذج البديل/ الجديد الخيبة والإحباط” .

ما ذا وقع؟ ولماذا هذا التحول؟ يمكن القول ان المدرسة بعد الاستقلال شكلت الوسيلة المؤسسية للتعبير عن تطلعات الطبقات الوسطى، لقد تجلت في الحقيقة كاستثمار اجتماعي من طرف الأسر التي راهنت على كل مكوناتها لتحقيق المسار الهادئ من أجل حراك اجتماعي مثم، وهنا يمكن الإشارة إلى التوافق الحاصل أنذاك بين القيم التي عبرت عنها المدرسة وتلك التي ارتبطت بالتصورات الاجتماعية العامة ، سواء فيما يتعلق بالمضامين المدرجة في المقررات: الحرية-الاستقلال – التضامن – قيمة العلم-محاربة الجهل – تطور المرأة – احترام الاسرة – تقدير الاشخاص…. أوبالتصورات المرتبطة بالاستثمارالاجتماعي: يقرا ولدي باش يولي طبيب، محامي، مهندس… “في السبعينات وبداية التقويم الهيكلي مع أزمة الديون المستعجلة وبداية مشكل الصحراء، وانسداد آفاق الحركية الاجتماعية، اختل هذا التوازن وتعرضت المدرسة الى اهتزازين: الأول عندما تم افراغ القطب الرئيسي في عملية التعليم من محتواه المتميز على مستوى الأفضليات المهنية. والثاني لما تم إغراق المدرسة بالعديد من التقنييين البيداغوجيين أكثر في رجال التربية والخبرة التربوية”، وبالتالي لم يعد بمقدور المدرسة إنتاج القيم التي عرفناها سابقا وهو مازال مستمرا حتى اليوم، نتمنى تدارك ذلك تماشيا مع ما يجري في قطاعات أخرى وما يجري على المستوى العام.