هل ينهي برنامج مسار موسم تسول النقط؟؟

هل ينهي برنامج مسار موسم تسول النقط؟؟

اعتاد الفاعلون في مجال التدريس مع نهاية كل دورة طفو ظاهرة تسول النقط على الساحة التعليمية إذ يلجأ التلاميذ الأكثر جرأة إلى محاولة إقناع المدرسين بأن يكونوا كرماء، وأن يغدقوا من كرم نقطهم على أبناء شعبهم، وأن يرحموا من في الأرض ليرحمهم من في السماء ، منهم من يتوسل علانية، ومنهم من يسعى إلى اختلاق حجج وبراهين كأن يدعي أن السنة آخر فرصة أمامه قبل أن ترفع في وجهه الورقة الحمراء فيفصل أو يطرد( وأنت بصفتك أب وأستاذ لن ترضى لي بالشارع )، و من يدعي أن والديه وعداه بهدية إن هو حصل على معدل جيد ويتوسل إلى الأستاذ بهدف مساعدته للظفر بهديته. وبين من يدعي أن لديه مشاكل مع أساتذة آخرين وأن الأستاذ أمامه هو أمله الوحيد لتغطية العجز…. وهي ظاهرة يكاد يتساوى فيها الكسول الذي لا يحلم إلا بالنجاح ولو بدون ميزة، والمجتهد الذي يطمح للحصول على معدل عال يؤهله لولوج المدارس العليا …

وإن كان التلميذ ممن لا تُسوِّل له نفسه تسول النقط خجلا ،خوفا أو أنفة… فإنه يوكل أمره لمن لهم مكانة عند الأساتذة كاختياره لأستاذ أو قريب لينوب عنه في المهمة، فتعرف الثانويات زيارات مكثفة لبعض الآباء أو الأمهات أو الأولياء الذين لا يعرفون للثانويات طريقا إلا في الفترة قبيل وضع النقط ، وتكاد تتوحد عبارة التسول في جملة ( أستاذ اتهلا لينا في التلميذ/ الولد الله يجيب اللي يتهلا ليك في وليداتك …. ) وإن تنوعت التبريرات بين الظروف الاجتماعية ، أخلاق التلميذ وسلوكه أو الادعاء أنه من العائلة أو من عائلة معينة….

ظاهرة تسول النقط ظاهرة ـ التي لا تختلف في شيء عن ظاهرة التسول ـ تربك الأساتذة مما يجعل أسابيع الامتحانات ووضع النقط وتوزيع النتائج مرحلة عصيبة على رجال التعليم الذين غدا أغلبهم يعتقد أنهم خلق لتدريس جيل غير هذا الجيل ما دام عاش في مرحلة لم تكن الجرأة للتلميذ ليناقش نقطته مع المدرس وبالأحرى أن يطالبه برفع نقطته ولكن مادام التلميذ يرى في واقعه نجوما أغنياء يمثلون لهم مثلا أعلى يتسولون من أجل الحصول على بقعة أرضية، طبيعي أن ينظر – وهو المراهق – للتسول بأنه أمر عادي، وسلوك طبيعي…

ظاهرة تسول النقط ورفع المعدلات، ونفخ النقط وضعت المدرسين في مواقف حرجة وجعلتهم يتساءلون أحيانا عن جدوى تصحيح الفروض ما داموا لن يلتزموا بوضع نقطها كما هي، وفي نفس الاتجاه يتساءل بعض التلاميذ عن جدوى حضور الدروس و بإمكانهم الحصول على درس أحسن وربما مع أستاذ أحسن في المنزل ، ونقطة القسم مضمونة في آخر الدورة، فيكفي أن يكون له قريب بالمؤسسة لتحقيق المعدل الذي يريد..

إن ظاهرة تسول النقط ورفع المعدلات كان يخلق وضعا عصيا على الفهم وغير مفهوم يتجلى في حصول ” جميع” تلاميذ السنة الثانية باكالوريا مثلا على المعدل وعلى معدلات حسنة في المراقبة المستمرة في الوقت الذي يشتكي المدرسون من هبوط وضعف مستوى التلاميذ، والآباء يستغربون من عدم حصول أبنائهم على الباكالوريا رغم معدلاتهم الجيدة …

اليوم جاء برنامج مسار ليحتم على الأساتذة وضع نقط الفروض فور تصحيحها وتسليم الأوراق للإدارة، وهو ما فهم منه الأساتذة ضرورة وضع النقط كما هي دون زيادة أو “نفخ” وإذا حدث والتزم الأساتذة بوضع النقط كما هي، أكيد ستكون نتائج الباكالوريا هذه السنة كارثية، تضرب في الصميم أهداف الدولة المتمثلة في رفع نسبة النجاح المتدنية جدا مقارنة مع كل دول الجوار في الشمال والشرق ، فبالكاد تصل النسبة عندنا في الدورتين الخمسين في المائة، في وقت تتجاوز نسبة الناجحين في الباكالوريا بكل من مصر والجزائر وفرنسا 90 %

وبعدما اعتاد التلاميذ نفخ نقط المراقبة المستمرة في السنة النهائية لإعادة التوازن إلى معدلات الامتحان الجهوي الضعيفة عند معظم التلاميذ ونسبة كل منها تحتسب بنسبة 25% في معدل الباكالوريا سيكون مسار من أسباب تقليل سيولة التنقيط وضعف المعدلات وضربا لأصحاب الساعات الإضافية والتعليم الخاص الذين يتعاملون بسخاء زائد في وضع النقط …

منذ بداية الحديث عن برنامج مسار ، اختلفت طرق معاملة بعض الأساتذة مع تلامذتهم بشأن التنقيط، فحاول بعضهم حسم الأمر مع تلاميذه وإقناعهم بضرورة العمل الجاد وبكونه سيلتزم بالمذكرات المنظمة للتقويم والتنقيط، في وقت يروج الحديث عن آخرين حاولوا الاحتيال على البرنامج بطرقهم الخاصة إما بإعادة الفرض مرتين ،وضع فرض سهل أو تكليف التلاميذ بإعداده في المنزل… حتى يضمنوا معدلات مرتفعة، ولن يكون وقتها مضطرا إلى تزوير النقط وهو ما يكرس في نفسية أجيال المستقبل قيم التحايل والغش والتواكل والتكاسل ..

وسواء نجح برنامج مسار أو فشل في ما يصبو إليه المشرفون عليه، فإنه تمكن من خلق نقاش عميق في صفوف نساء ورجال التعليم، ووضع أمامهم فرصة قد تعيد الاعتبار لعمل الأستاذ وللمراقبة المستمرة باعتبارها وسيلة لمعرفة مستوى تلامذتنا، ولمَنطقة المعدلات الخيالية التي جعلت تلاميذ في الموسم الماضي حاصلين على 17 من عشرين لا تقبلهم أية مدرسة أو معهد لكثرة الحاصلين على المعدلات العالية جدا..