ملاحظات حول أفق التكوين بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين
لم يكن المداد الذي سال كثيرا حول ما يدبر للتكوين والتأهيل بالمراكز الجهوية لمهن التربية ، بقادر على تنبيه المتحكمين في الشأن التعليمي على أن أفق التربية في خطر ، لأنهم استطابوا امتيازاتهم ، وعبروا بطريقتهم الخاصة عن علاقتهم بهذا الوطن المسكين . لم تبلغ الصيحات الصادرة عن حناجر بحت من كثرة التصريح والتلميح آدانهم ، وبقي الحال على ما هو عليه ، أو أسوأ حتى أتى الخطاب الملكي ليدق ناقوس الخطر .
وإذا كان البعض يرفض الاعتراف بالخطأ رغم فضيلته ، فيكفي أن نذكر ببعض المواقف والإجراءات ، لعلها تجد قلوبا تفقه ، وآذانا تسمع ، فتساهم في الخروج من هذا النفق المظلم الذي يشعر معه المرء وكأن هناك أمور سيئة تدبر لهذا الوطن ، وعن سبق إصرار:
– لقد كانت السنة التكوينية الفارطة مناسبة لاختبار نوايا المسئولين ومدى جديتهم في اعتبار المراكز بحق قاطرة للنهوض بالتعليم ، حيث لم يطرأ أي جديد على بنية الاستقبال سوى التغيير الذي طال سن الدخول للمراكز وشهادة الإجازة أو ما يعادلها . فلا الهياكل تم إرساؤها ، ولا البنيات التحتية خضعت للتجديد والترميم أو التوسيع ،ولا عدة التكوين تم التصديق عليها . ما حصل هو اعتماد مضمون تكويني يتسم في عمومه بهجنة لا عهد للمراكز بها ، ومحتوى تطبعه الضحالة واللاعلمية ، في كثير من معارفه ومفاهيمه ، وترك المؤطرون يواجهون بحس سيزيفي منتوجا ” بيداغوجيا “لا يملكون سوى لي عنقه وجعله يستجيب لمتطلبات المرحلة دون جدوى ، لتكون النتيجة أسوأ من المعروف سابقا .
– لم تكن مباراة الدخول لتخضع للضوابط العلمية ، ولا لتختبر قدرات محددة سلفا ، أو تقيس معارف ينبغي أن تشكل منطلقات في التكوين ، وأرضية تبنى عليها المكتسبات اللاحقة . فهواجس لا علاقة لها بالجودة هي التي تحكمت في المباراة، مع استحضار ضغط الزمن ، وقلة الأطر، وعدم تمرسها بتقييم تخصصات تخرج عن دائرة اهتمامها ، حيث كل أساتذة مختلف المواد أسندت إليهم مهمة قياس القدرات اللغوية والتواصلية والمعارف المرتبطة بالعربية والفرنسية في سلك الابتدائي مثلا ، دون حرج ، وفي وضع مفارق ( أستاذ العلوم أو الرياضيات يختبر في العربية أو الفرنسية مجاز في اللغة العربية أو الفرنسية )، مما أشر على عدم مصداقية خطاب الجودة المتبجح به .
– تدبير التقويم الذي عبر عن تدخل سافر للوزارة في أمور بيداغوجية يفهمها الأساتذة أكثر من غيرهم ، وقد بلغت مداها في تهريب هذا التقويم في مرحلة من أهم مراحله ، وهي مرحلة المراقبة، ليسند لعناصر خارج المراكز ، ممهدا الطريق للفساد المزعوم محاربته ، حيث الغش في واضحة النهار والإساءة أخلاقيا للمكونين حين تم إهمال منجزاتهم في التقويم المستمر والشك في نزاهتهم. أضف إلى كل ذلك التدبير الفوقي لزمن التكوين ومضامينه .
وإذا كانت حصيلة السنة التكوينية للسنة المنصرمة في مستوى جد متدن قياسا للمتعارف عليه ، ولم تستفت الوزارة الأساتذة في رأيهم كحد أدنى ، فإن استمرار المسئولين على نفس نهجهم السابق ليندر بما هو أفظع . ذلك أن مواصفات المقبولين لتلقي التكوين ينبغي أن يحددها الأساتذة المكونون ، في إطار من الحوار العلمي الذي يأخذ بعين الاعتبار مهام مدرس الغد ، وشروط المهمة التي سينهض بها . وحيث إن الوزارة لم تستشر ذوي الاختصاص من الممارسين والباحثين ، فمعنى ذلك أنها تركب عجرفتها المعهودة لتنتج نماذج من المقبولين لا يقلون نقصا عن سالفيهم ، لا سيما في ظل أسطورة نزاهة المباراة واعتماد الشهادة لنيل رضا من تقطعت بهم سبل البحث عن عمل . فمن سيمتحنهم ؟ ومن سيشرف على امتحانهم ؟ ووفق أية ضوابط ؟ وما هي المواصفات المطلوبة ؟ ومن حددها ؟ وما علاقتها بالمطلوب في التكوين ؟ ومن سيصحح هذه المباراة ؟ ووفق أية معايير ؟
أسئلة كثيرة يطرحها الأساتذة بالمراكز الجهوية في انتظار ما ستتمخض عنه الاختيارات غير الديمقراطية ، وغير المنطقية ، ولسان حال بعضهم يردد : ” اللي اعطاك شي حبل كتفوا به ” وهي قولة تشي بنوع من السلبية في مواجهة واقع لا يقبل الصمت . إن مباراة الدخول لا تقيس المعارف والمهارات لتشبه بالامتحان المهني ، بل تقيس الاستعدادات أساسا ، وكل تساهل فيها سيرهن أجيالا من المغاربة ويعرضهم للمزيد من الجهل الذي يسم إنتاج تعليمنا في الكثير منه والمسئولية طبعا ستتحملها حكومة لم تكن قادرة على تطبيق مقررات أصدرتها على علاتها ، فتركت الأمر للمزاج ، والمزاج لا يمكن أن يصلح ما عجز عنه العقل في أحايين كثيرة .