الصباغة السياسية !!

الحسين النبيلي30 يناير 2018
الصباغة السياسية !!

أحمد أمشكح

أخيرا، تمكن سعد الدين العثماني من تجاوز “الميني بلوكاج” الذي عاشته حكومته لقرابة ثلاثة أشهر بعد أن أسقط زلزال الحسيمة عددا من الوزراء من كراسيهم داخل هذه الحكومة.

غير أن المثير في الحكاية هو أن نكتشف كيف أن حزبا مشاركا في الحكومة، اسمه الحركة الشعبية، لم يقوَ على تقديم بروفيل لمن يشغل منصب وزير، واضطر إلى صبغ أحد التكنوقراط بلونه الأصفر ووضع في يده سنبلة لكي يصبح وزيرا باسمه، وهو وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، الذي انتقل من رئاسة جامعة محمد الخامس إلى مقر وزارة التعليم باب الرواح.

لكن الأكثر إثارة في العملية هو أن حزبا مثل الحركة الشعبية، ظل حاضرا في جل الحكومات التي حكمت المغرب بيمينها ويسارها، ولم يكن يتردد في قبول دعوة من دعاه إلى درجة أنه كان واحدا من المشاركين في حكومة التناوب التي كان يفترض أن تعطي لأحزاب اليسار فرصتها في تدبير الشأن العام كما كان الحسن الثاني يتمنى؛ وهو ما يطرح السؤال المستفز: كيف يفشل الحزب في تقديم مرشح من بين مناضليه وأطره الذين لاشك أن الحركة تزخر بهم، أم إن كل الهدف بالنسبة إليه يتمثل في المشاركة في الحكومة بمن حضر؟ !!

صباغة الأحزاب ليست أمرا مستجدا في مشهدنا السياسي، فقد عشنا هذا الأمر لعقود. و”يُحسب” لحزب اسمه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنه أول من دشن “الصباغة السياسية” حينما أطلق في منتصف التسعينيات “تجربة الانفتاح التي كانت تعني أن الاتحاد سيفتح أبوابه للراغبين في الالتحاق بصفوفه، علما بأن الانتماء إليه كان يفرض المرور عبر صراط غير مستقيم من الإجراءات تنطلق من الخلية إلى مجلس الفرع، ثم مكتب الفرع، قبل الحلم بحجز مكان في المجلس الإقليمي الذي على المناضل أن يقطع فيه مراحل للوصول إلى اللجنة المركزية التي أضحت تسمى باللجنة الإدارية، ومنها إلى المكتب السياسي، وما أدراك ما المكتب السياسي !!

غير أن تجربة الاتحاد لم تعط ما كان منتظرا بعد أن التحق بصفوف الحزب  “مناضلون” من أحزاب أخرى، كانت تُعتبر، في نظر الاتحاد، أحزابا إدارية وُلدت في مطبخ وزارة الداخلية. ومن يومها، أصبح مناضلو الاتحاد يُشبهون مناضلي بقية الأحزاب.

اليوم، يبدو أن وصفة “الصباغة الحزبية” لم تعد استثناءً، بل صارت هي القاعدة التي يتم اللجوء إليها كلما احتاج الحزب، أيُّ حزب، لبروفيل يمثله هنا وهناك. وقد عشنا هذا الأمر في حكومة سعد الدين العثماني مع السيد محمد حصاد الذي قدم على أنه حركي !! في الوقت الذي يعرفه المغاربة رجل إدارة شغل مهام على قدر كبير من الأهمية في وزارة الداخلية، التي انتقل فيها من والٍ إلى وزير !!

وعشنا هذا الأمر مع حكومة عباس الفاسي الثانية حينما سقطت نوال المتوكل، التي كانت قد دخلت هذه الحكومة باسم التجمع الوطني للأحرار وزيرة للشبيبة والرياضة، ليعوضها الشاب منصف بلخياط ، الذي قال إنه استقلالي قبل أن يجد نفسه وزيرا باسم الأحرار!! وعلى كل حال فالأمثلة على هذه الوصفة المغربية عديدة.

وحده السيد رشيد بلمختار الذي عُين في الحكومة الثانية لبنكيران وزيرا للتربية الوطنية، لم يكن يُخفي انتماءه إلى حزب التكنوقراط، وهو الانتماء الذي أعفاه من المساءلة السياسية حينما انتهت تلك الحكومة، قبل أن تميد الأرض من تحت قدميه بفعل زلزال الحسيمة مُخرجة إياه من نعيم المناصب والمهام.

بقي فقط أن نتساءل: من يجب أن يُقدّم غدا الحساب أمام الناخبين من وزراء حكومة سعد الدين العثماني التي تعجّ بالوزراء التكنوقراط، حتى وإن كان بعضهم قد صُبغ بلون حزبي لتدبير المرحلة.. والأسماء أمامنا عديدة من وزير الداخلية إلى كاتب الدولة في الداخلية إلى وزير الأوقاف، وصولا إلى كل هؤلاء الذين صُبغوا إما باللون الحركي الأصفر أو باللون الأزرق السماوي؟!!