لا أحد يستطيع أن يزايد ويثبت عكس ما نقلته وسائل الإعلام بشقيها السمعي البصري والمرئي المكتوب. وما تناولته أقلام المهتمين والفاعلين في حقل التربية والتكوين، سواء عبر الموائد المستديرة أو عبر مقالات عريضة وعميقة المحتوى، عن الظاهرة القديمة الحديثة –المتشعبة- والمتفاقمة في أوساط وصفوف مؤسساتنا التعليمية إنها:
ظاهرة الهدر المدرسي إحدى عوامل التعرية التربوية التي تنخر قلب المدرسة المغربية إن صح التعبير وترخي بظلالها الثقيلة وأبعادها الخطيرة على باقي المجالات الحيوية.
إذا كان نظامنا التعليمي قد عانى من قبل ويلات أحادية الكتاب المدرسي وقساوة مساطر القوانين الداخلية وسلطوية المدرسين وطغيان الطرائق البيداغوجية العقيمة التي تهمش مشاركة المتعلم وتقزم عطاءاته ومبادراته باعتبار أنه وعاء فارغ ينتظر من المدرس ملأه فانه اليوم يقاسي علة حادة قد تقضي على ما تبقى من قبل، ولن نبالغ في تصورنا إذا قلنا أن الكلام سيغدو حول نظامنا التعليمي تماما كما نتحدث على الأطلال.
نعم إذا استمر الأمر على هذه الوضعية المريبة بعدم الإقدام على خطوات فاعلة وفعالة فان الأمور لا محالة ستحسم للتعليم الخاص الذي يستفيد اليوم من هذه الكبوات والتعثرات المتواصلة وما انتشاره السريع في العقد الأخير إلا دليل فاحم على قلب المعادلة وجر وسام الاستحقاق لصالحه.
إن الإصلاحات الأخيرة التي عرفتها المنظومة التربوية بدءا بإصلاح المناهج والبرامج الدراسية ومرورا بتطوير آليات الإدارة التربوية وأداؤها المهني وانتهاء بالقيام بالموارد البشرية التي مازالت تتطلب المزيد من الجهود والمقاربات في بعدها الاجتماعي والبيداغوجي تحديدا حتى تصبح في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها نظرا للتحولات التي يعرفها العالم على مستوى المعرفة والاقتصاد وما يتطلبه سوق الشغل من منتوج جيد وذو جودة عالية، لتعتبر خطوات رشيدة في محاولة حصر هذه المعضلة- الهدر المدرسي – من جهة واقتراح أدوات العمل الجديدة للقضاء على كل ما يعيق السيرورات التعلمية لدى المتعلم المغربي أي كل ما يقف حجرة عثرة في طريق نجاح العملية التدريسية .
فماذا نقصد بالهدر المدرسي؟ ما هي أسبابه ؟ و ما هي آثاره؟
ثم إلى أي حد يعتبر المنهاج الدراسي وفضاء المؤسسة وشخصية المدرس ونوعية التعلمات المقدمة وحركية الإدارة عوامل مركزية إما في إنتاج هذه الظاهرة أو في القضاء عليها؟
ثم ألا يعتبر الفقر والحاجة وبعد المتعلم عن المدرسة سلسلة من الاكراهات التي تحيل المتعلم في نهاية المطاف على الانقطاع المبكر عن المدرسة ؟
جوبا على هذه الإشكالات المترابطة يقول السيد الوزير السابق:
إن الجودة التي تبنى بالجدية والجهد والتجديد هي نقيض للهدر بكل أنواعه أي الهدر بمعناه الواسع فالتسرب يضيف السيد الوزير هدر والغياب المتكرر هدر والانقطاع المبكر قبل العطل هدر والالتحاق المتأخر بالدراسة هدر والتوجيه في غير محله هدر وفصل التلاميذ عن الدراسة هدر وكثرة الأدوات المدرسية التي تطلب من التلميذ دون أن تستعمل كلها هدر أيضا.
إذن فظاهرة الهدر المدرسي ظاهرة بنيوية في بعدها البيداغوجي والسوسيو تربوي حيث لا يمكن فصل عنصر فيها عن الآخر فهي بعبارة أخرى ظاهرة مندمجة ومركبة وبدون شك لها تأثيرات قوية على القدرات الاقتصادية والناتج الداخلي للدولة .
وبناء عليه فالظاهرة تقتضي تدخلا عاجلا الأطراف المعنية وعلى رأس هؤلاء الحكومة والجماعات المحلية والفاعلون الاجتماعيون والاقتصاديون وباقي فعاليات المجتمع المدني.
عموما يمكن تقسيم ظاهرة الهدر المدرسي إلى أسباب مدرسية و عوامل غير مدرسية.
العوامل المدرسية: وترتبط ارتباطا عضويا بالمنظومة التربوية إذ يمكن القول أنه بقدر ما كانت المناهج والبرامج حيوية والعملية التدريسية بسيطة ومشوقة ومحفزة بالإضافة إلى أن إدارة المؤسسة منفتحة وخدومة كان إقبال المتعلم عليها إقبالا حماسيا، تلقائيا ايجابيا وبالتالي تكون استجابته للانخراط في أوراشها وأنشطتها انخراطا فعالا وذو حضور ودلالات.
الأسباب الغير المدرسية: وتتعلق بالظروف الشخصية للمتعلم كالوضعية المادية والملية التي يعيشها وسطه العائلي والصورة الاجتماعية التي هي عليها أسرته: عمل الأب عدد إخوانه وأخواته هل يملكون المنزل أم يكترونه؟
وبناء على ما سبق ولمعالجة آثار هذه المعضلة الخطيرة – الهدر المدرسي – نقول :
– على الحكومة والوزارة المعنية – أن تعيد النظر لا في صياغة جديدة لبنود ومقتضيات الميثاق للتربية والتكوين ما دام الميثاق يشكل الإطار المرجعي للأمة من جهة وما دام قد نال الرضا والتشجيع بإجماع كل مكونات المجتمع المغربي من جهة اخرى .
ما ينقص كل هذه التدابير القيمة هو النهوض بالموارد البشرية لهذا القطاع وعلى رأس قائمة تلك الفئات الشغيلة التعليمية باعتبارها المنفذ والمصرف الأول لهذا الإصلاح ثم توظيف مساعدين اجتماعيين ونفسانيين بالمؤسسات التعليمية أي تفعيل دور التربية الصحية وتحسيس التلاميذ بآثارها الايجابية حتى لا تنتشر العدوى وتصبح في النهاية مؤسساتنا ملاذا للتدخين والعنف و التحرش و التحريض على الشغب و تخريب ممتلكات المؤسسة ، بالإضافة إلى تأهيل الفضاءات المدرسية وجعلها مواكبة للتحولات التي يعرفها عالم البيداغوجيا و المعرفة وعالم سوق الشغل.
ترى إلى أي حد يمكن لمؤسساتنا ان تتبنى مثل هذه المقترحات؟