يبدو أن معظم الفاعلين التربويين والمفتشين ومدراء المؤسسات التربوية لم يستوعبوا جيدا مضمون البيداغوجيا النشيطة، خصوصا لما وظفوه في غير محله، واستعملوه كالية استعجالية للإنقاذ و تصحيح الوضعية التي زاغت أسنادها و تعليماتها عن السياق المحدد والأهداف المرسومة و المنشودة. تماما كما يستبدل الميكانيكي صفاق العجلة و يستبدل المدرب في عالم كرة القدم لاعبا كثرت أخطاؤه وظهر شاردا و مرتبكا في معظم العمليات التي يبنيها الفريق.
و الحال أن البيداغوجيا النشيطة ليست كذلك ، ولا تتوقف مساحات وظائفها عند معالجة حالة الأزمة باستعجال، وإنما هي استراتيجية ناجعة تستخدم باستمرار وأسلوب مشوق يتشكل من مجموعة الطرائق التربوية الحديثة و الفعالة في تحقيق الأهداف الإجرائية من المواد و الأنشطة و الوضعيات التي تقدم للمتعلم.
إن اعتماد المدرس للبيداغوجيا النشيطة- بالرغم ما يتطلبه الأمر من صبر و تضحية ونشاط و تفهم و تسامح و تواصل و توجيه و ترشيد…..- لا يعني شيئا غير الحسم مع النتائج المنتظرة و تحقيق الأهداف الإجرائية المتوخاة، كتمكين المتعلم بالقسم الثالث – على سبيل المثال1- على التمييز بين عناصر الكلمة{ اسم، فعل و حرف} وقدرته على توظيف هذه القاعدة في أنشطة متنوعة: كتركيب الأفعال و الأسماء في جمل مفيدة، وتصنيف و فرز الأسماء و الأفعال و الحروف على جداول و شبكات خاصة. وتمكين المتعلم بالقسم السادس- على سبيل المثال 2- على التمييز بين التركيب الكهربائي على التوازي و التركيب الكهربائي على التوالي انطلاقا من صور الكتاب و الرسوم و المضامين و التعلمات و المفاهيم الجديدة التي يبسطها المدرس – حتما- على السبورة التي تعتبر الوسيلة الرئيسية في ضمان انتقال المعارف و التعلمات إلى أذهان المتعلمين، حتى قيل عن أهمية السبورة البيداغوجية مايلي: “إن المدرس الذي لا يجيد استعمال السبورة يعتبر نصف مدرس” فضلا عن استثمار موارده و قدراته على إنجاز هذين التركيبين عمليا على قطع من اللوحات الخشبية خارج الفصل الدراسي.
إذ بالإضافة إلى الأهداف الإجرائية التي يكتسبها المتعلمون هناك اكتسابهم لمجموعة من المهارات و الكفايات النوعية أذكر منها: المهارة القرائية التي يجنيها من جراء قراء ته للنصوص الوطيفية و الشعرية و الأمثلة التي يبادر بها التلاميذ، و الكفاية التواصلية التي يحققها المتعلم من جراء عملية التواصل التي يبنيها مع أفراد مجموعته- تشاركا و تعاونا- للوصول إلى إنجاز التركيبين الكهربائيين المشار إليهما سابقا.
و على العموم،فإن الفاعلين التربويين و مدراء المؤسسات التعليمية و هيئات المراقبة و التتبع التربوي ملزمون بالفهم و التفهيم:
1- أن البيداغوجيا النشيطة هي المحرك الضروري و الأساسي ليس فحسب لإنجاح العملية التدريسية، و إنما لإثارة فضول المتعلم و لفت رغبته الفتية في حب التعلم و مواصلة مساره الدراسي.
2- أن البيداغوجيا النشيطة هي إجراء سلسلة من التغييرات على مستوى الطرائق و الممارسات و التواصل التربوي المنفتح و التشاركي الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز قدرات المتعلم و إكسابه الكفايات اللازمة لمواجهة كل الورطات و الصعوبات و التحديات التي يمكنها أن تتخلل مسيرته الدراسية أو تواجهه في محيطه البيئي. من هنا يأتي الشعار الذي طالما نادينا بتحقيقه” من أجل متعلم فاعل و متفاعل مع قضايا محيطه المحلي”.
3- أن اعتماد المربون لهذه البيداغوجيا يعني الحد الفاصل بين ماضي تربوي بئيس و معلول و التوق إلى حاضر و مستقبل زاهر يجعل مصلحة المتعلم الفضلى أولى الأولويات المستهدفة، كما يجعل شخصيته الاعتبارية في قلب التحولات و الإصلاحات التي تعرفها المنظومة التربوية ثورتهم على مخلفات الماضي و الجمود.
4- أن اعتماد البيداغوجيا النشيطة هي الوصفة الناجعة للسعال الديكي و حالات الربو المزمنة التي يشكو منها الجسم التعليمي المغربي.
5- لنا في العودة إلى الطرائق الفعالة التي اشتغل بها و عليها كل من المربي الفرنسي” فرينيه” و المتمثلة في إعداد الدروس و تزويد المتعلم بالمعلومات و المعارف انطلاقا من الخرجات الطبيعية التي تنظم خارج جدران الفصل الدراسي ومواطنه ” كوزينيه” المتمثلة في خلق العمل الجماعي داخل الفصول الدراسية و ما يترتب عنه من أثار تربوية غنية تسمح للمتعلم بالتشاور و التشارك و التعاون قبل الوصول إلى النتيجة النهائية. أو التي يسلكها اليوم كل من “ألكسندر نايل ” في مؤسسة سامر هيل الإنجليزية و ” بيير بورديو” في ربط المؤسسة التعليمية بالإعلام أو بخلق فضاء الاتصال و التواصل برحاب المؤسسات التربوية لدليل فاحم على مدى الدينامية التي تنعم بها المؤسسة التربوية بشكل عام من جهة، وعلى مدى النشاط و الحيوية التي ينبغي للمدرس أن يتميز بهما، و على مدى السعادة التي تغمر المتعلمين و هم ينجزون برامج ترفيهية و ثقافية و رياضية ويؤدون أدوارها و مقتضياتها في ذات الوقت. إنها قمة الإبداع و العطاء و التألق و الإشعاع التي يحققها المتعلمون لمؤسسات التعليمية.
باختصار إن فعل و مفعول البيداغوجيا النشيطة يبتدئ من دخول المتعلم إلى حجرة الدرس و كيفية جلوسه ، و يمر بمدى انخراطه في أجواء العملية التعلمية، فيلاحظ و يبدي رأيه و يطرح أسئلة …..الخ، و ينتهي باستثمار كل الموارد التي اكتسبها سواء داخل فصله الدراسي{ تقديم أمثلة متعددة و متنوعة و إعطاء الحلول لوضعيات مشكلة…} أو على مستوى المؤسسة برمتها{ إعلان مشاركته في المنافسات المتنوعة التي تأخذها مؤسسته ، وتطوعه في حملات رد الاعتبار لبيئة المدرسة…الخ
إن المساحات الشاسعة التي تستوجبها بها البيداغوجيا النشيطة سواء داخل العملية التكوينية أو خارجها هي نفس المساجات من الحرية و المبادرة و التفكير و الملاحظة و المشاركة و الاختيار و الاقتراحات التي يجب أن تمنح للمتعلم حتى يشعر بقيمة العامل الزمني أولا، ويحس بحضور وتنفيذ البرنامج الدراسي لحقوقه التي جاءت بها المواثيق الدولية و على رأسها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل عام 1989 م ثانيا ، و يؤدي دوره في النهاية على أحسن وجه سواء في استثمار قواعد دروسه أو في توظيف موارده و قدراته لوضع حلول ملائمة و معقولة لوضعيات تعلمية مشكلة.
ترى إلى أي حد سنساهم و نشارك في اعتماد مؤسساتنا التربوية للبيداغوجيا النشيطة؟