دخول مدرسي بشد وجذب

دخول مدرسي بشد وجذب

ككل دخول مدرسي؛ تعرف المدرسة العمومية ؛ بعد التوقيع على محضر الدخول من قبل أطر الإدارة و التدريس – القارة أو الوافدة – حراكا وتدافعا يخلقه الوضع العام في طريقة وكيفية إعادة توزيع المستويات خاصة المتعلقة منها بالمستويين الأول والسادس.
المثير للجدل في مثل هذا الوضع الذي يختلق عند كل دخول مدرسي في بعض المؤسسات التربوية؛والذي يجب الوقوف عند محدثات أسبابه؛وأعراضه ونتائجه ؛بحيث يتطلب منا كممارسين ومتتبعين وراصدين أن نتحلى بشيء من الموضوعية والحياد لرسم لوحة المدرسة بكل التشكيلات التي تؤثت فضاءاتها من أطر إدارية وتربوية وأمهات وآباء ومتعلمات ومتعلمين..
الكل يعلم بأن المدرسة العمومية – وأخص بالذكر- المدرسة الابتدائية تضم بين ظهرانيها العديد من خريجي وخريجات مراكز تكوين المعلمات والمعلمين( النظام السابق) ؛ وأيضا العديد من خريجي وخريجات مراكز المهن التربوية (النظام الحالي) ؛ والحاصلين على شهادات دراسية ومهنية تبتدئ من شهادة الباكالوريا مرورا بالسلك الأول من التعليم الجامعي؛ فالإجازة ..بجميع تخصصاتها.
هذه المكونات المتوفرة لدى المدرسة العمومية؛ والتي تشكل أطيافا معرفية متنوعة لايستفاد منها كقيم معرفية أدبية وعلمية.. ولا تقدم إضافة نوعية ؛ بل لم تكن بالإيجابية التي توقعها المسؤولون عن تدبير الشأن التربوي عبر تخمينات مخططاتهم واستراتيجياتهم التي تتوخى مجابهة غول “تخريج المعطلين”. فالمدرسة الابتدائية من هذا المنطلق تعيش وفرة في التخصصات التي وإن تم تدبيرها بالشكل المطلوب؛ لانعكست مردوديتها بالإيجاب على ناشئتنا ؛ ولما عرفت المنظومة التربوية كل هذا الكير والنفير في تغيير البرامج والمناهج و.. .
في مثل هذا الوضع ماذا تتوقع من خريج حاصل على الإجازة في العلوم التجريبة أو الرياضيات أن يقدم في مجال تدريس القراءة أوالتعبير باللغة العربية للمستوى الأول أو الرابع.. ؟
وماذا تتوقع من خريجة دارسة التاريخ والجغرافيا أن تقدم لتلامذة القسم الثاني على مستوى مادة النشاط العلمي أو العربية أو التربية الإسلامية.. وقس على ذلك كثير.
الأطر التربوية بالمدرسة الابتدائية كما أشرنا مختلفة المشارب ومتعددة التخصصات؛ وفي هذا الاختلاف والتنوع يكمن الغنى وتعم الإفادة والاستفادة ؛ لكن للأسف في مثل هذا الوضع الذي تعيشه المدرسة حاليا؛ النتيجة معكوسة.كيف ؟
عند مستهل كل دخول مدرسي جديد -في بعض المدارس- تجد النزاع قائما بين من سيتولى تدريس المستوى الأول وتدريس المستوى السادس؛ لما لهذين المستويين من أهمية على مستوى التأسيس لبناء المعرفة وشخصية المتعلم(ة).. وكذا على مستوى النجاح في الاختبار ألإشهادي. يبقى السؤال المطروح. من له الكفاءة والقدرة على تدريس هذين المستويين؟ هل خريج(ة) الجامعات ؟ أم بنك الخبرات ؟
الكل يريد التنصل من مسؤولية تدريس هذين المستويين؛ مما يخلق الحرج لمدير المؤسسة الذي قد تجد وضعيته الإدارية دون ذلك الأستاذ أو تلك الأستاذة على اعتبار أن منصبه الإداري معلق في خانة معلم مكلف بإدارة مدرسية ؛ بحيث لم يتم إلى اليوم خلق إطار منصب مدير مدرسة ؛بالرغم من نضالات المديرين(المعلمين المكلفين بالإدارة) في هذا الإطار.
مما يتطلب سلطة تحكيم من خارج المؤسسة؛ والتي ستكون حتما سلطة المفتش. فلا أدري مثلا سبب احتجاج أستاذ مجاز في الأدب العربي على تحمل مسؤولية تدريس المستوى السادس اللغة العربية ؛مع العلم أنه الاختصاص الذي حصل من خلاله على الإجازة ؟أو مجازة في علم النفس عن احتجاجها لتحمل مسؤولية تدريس المستوى الأول.أليست بالخبيرة في نظريات التعلم وطرق التدريس التي تشربتها عبر دراستها طوال ثلاث سنوات بمدرجات الجامعة.. وحان وقت أجرأتها على أرض الواقع ؟
معظم المدارس الابتدائية – إن لم نقل كلها- تعيش نوعا من التنافر نتيجة هذا التباين في التخصصات؛ و الفوارق في سلم ترتيب الدرجات؛ مما يحتم على البعض الاستئناس بمستوى من المستويات الدراسية لسنوات ؛ غير آبه بما يخلقه هذا التعود الروتيني من صد لباب الاجتهاد والبحث والتطور.. في غياب تام للتكوين المستمر وإعادة التكوين؛ وفي غياب -أيضا- المواكبة التأطيرية لأطر التفتيش باعتبارهم صمام أمان المنظومة التربوية ؛ ومؤشر قياس درجات تقدمها أو تدنيها.. ناهيك عن الغياب الملحوظ أيضا للمدارس المختصة بالتكوين ككلية علوم التربية ومراكز مهن التكوين..لما يطبع دراساتهم وأبحاثهم من خصوصية؛ تبقى حبيسة أسوار مدرجاتها وأقسامها؛ بالرغم من تخصيص ميزانية مهمة لطبع هذه الدراسات والأبحاث..لكن لا يتم نشرها وتوزيعها على كافة المدارس الوطنية للانتفاع بخلاصاتها وتوصياتها..فبإطلالة على أي خزانة أومكتبة مدرسية (هذا إن وجدت) في المجال الحضري-أما في المجال القروي فمن رابع المستحيلات أن توجد -أن تجد بها كتبا خاصة بأيام دراسية لتيمة من التيمات التي تعالج إشكالا تربويا أومدرسيا أو..قامت بها كلية علوم التربية أو مركز من مراكز المهن التربوية؛مع العلم أن مصالحها المختصة بالتوثيق تتوفر على كم هائل من توصيات وخلاصات دراسات قيمة ساهمت في بلورتها العديد من الفعاليات المختصة في المجال التربوي والسيكولوجي..سواء عربيا أودوليا.
المدرسة الابتدائية باعتبارها الحضن الثاني لفلذات أكبادنا بعد حضن الأسرة؛يجب أن تجد من العناية والرعاية ما يخول لها القيام بأدوارها المنوطة بها؛من فضاءات جميلة ؛ وملاعب رياضية ؛ومسرح وأطر كفاة ؛وبرامج ومناهج ؛لتهييئ واعداد وتكوين.. جيل مفعم بالإيمان و بالروح الوطنية؛ وبالقيم الأخلاقية والدينية؛ ومنفتح على كل الثقافات والحضارات..
عود على بدء بخصوص المستويين ( الأول و السادس ) اللذين يخلقان عند – كل دخول مدرسي – نوعا من المراجعة لإعادة ترتيب البيت الداخلي؛ وتحمل مسؤولية التأسيس للبناء المعرفي؛الشخصي والنفسي.. المتكامل لرسم صورة المواطن المغربي المتوخى ؛ المواطن المنفتح؛ المواطن الحداثي؛المواطن المتشبث بقيمه وبعاداته وتقاليده.. نقترح اتخاذ أساليب تحفيزية ليس من منطلق أن تكون مادية أساسا؛ بل حتى معنوية أو تشجيعية لقضاء فترة من فترات العطل القصيرة بفنادق ذات أنجم وإن لم تكن خماسية؛ لمن تتوفر فيهم أوفيهن شروط قيادة مستوى من المستويين المذكورين؛ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .