عرفت المدرسة المغربية نظام التعاون المدرسي، ابتداء من سنة 1962 التي تم فيها إنشاء مكتب بوزارة التربية الوطنية بالاستعانة بأحد الخبراء الفرنسيين، أسندت إليه مهام تتبع هذا النشاط والتعريف به في الأوساط المهتمة بالتربية والتعليم، وابتداء من السنة الدراسية 67 – 68 تم تعيين موظفين بسائر النيابات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية كمسؤولين على قطاع التعاون المدرسي بالمؤسسات التابعة لنفوذ الإقليم، استفادوا من ابتعاث إلى فرنسا للاطلاع عن قرب على تجربة التعاون المدرسي فيها، كما تم وضع الترتيبات النهائية لتأسيس جمعية تنمية التعاون المدرسي على الصعيد المركزي، بينما صدرت عن وزارة التربية الوطنية مذكرات دعت إلى إحداث التعاونيات المدرسية وتعاونيات الأقسام بالمؤسسات التعليمية، إلى جانب إحداث فرع جمعية تنمية التعاون المدرسي بسائر المدن المغربية.
حرصت هذه المذكرات على شرح مبادئ التعاون المدرسي وإبراز أصوله وأسسه النفسية والتربوية، ومجالاته وأهدافه مع تعداد مزاياه للمعلم والطفل. كما تحرص هذه الوثائق على شرح وتحديد بعض الإجراءات والتنظيمات الضرورية لتدبير أمور التعاونية وتسيير شؤونها الإدارية والمالية: تشكيل المكتب، توزيع المهام، طرق تحصيل الانخراطات وتوزيعها ومجالات الصرف وشروط إمساك سجلات الحسابات والممتلكات وغير ذلك من الأمور.
إجراءات ترسيخ التعاون المدرسي
رغبة في تطوير المدرسة المغربية وتيسير السبل نحو تنشيط الحياة التعليمية، أوصت مؤتمرات جمعية تنمية التعاون المدرسي وخاصة المؤتمر الخامس بإعادة النظر في هياكل التعاونيات المدرسية بالارتكاز على تعاونيات الأقسام، وجعلها المنطلق الأساسي القاعدي لتكوين التعاونيات المدرسية، وتطبيقا لهذه التوصية دخلت التعاونية المدرسية مرحلة جديدة من تاريخها، وراكمت المؤتمرات الأخرى مزيدا من التوصيات التي عرفت طريقها إلى التنفيذ بفضل جهود أطر الجمعية وساهمت بشكل فعال في النهوض بالتعاون المدرسي والأنشطة الموزاية:
1. تركيز جهود الجمعية وفروعها على توفير الأجواء الملائمة لتعميم تعاونية القسم وتطوير أساليب العمل بها وتكوين المسيرين القائمين على شؤونها. وضع التنظيمات الأساسية لتعاونيات الأقسام وتحديد أهدافها ونشاطاتها وطرق تسييرها؛ ربط نشاط تعاونية القسم بأهداف التعليم وبمختلف مواد البرنامج؛ الاهتمام بتدعيم القسم وتزيينه وجعله حظيرة للتعاون، يؤدي فيها كل تلميذ دوره بتعاون مع باقي المتعلمين؛ فتح آفاق جديدة من التعاون من أجل تسخير النشاطات التعاونية لتدعيم الدروس؛
2. النهوض بالإعلام التربوي بإصدار مجلة صدى التعاون، ابتداء من سنة 1968، التي سدت فراغا في مجال الإعلام التربوي المهني، والتنشيط التعاوني. وتعززت هذه الخطوة بإصدار مجلة العندليب إسهاما في إثراء حقل ثقافة الطفل، كما بذلت كثير من الفروع جهودا في سبيل إثراء هذا الحقل بمجلات ونشرات أخرى موجهة للأطفال؛ كما أصدرت نشرة لقاء الإخبارية، وبعدها مجلة المسرح المدرسي.
3. إثراء البحث والإنتاج التربوي، عبر إصدارات، منها سلسلة من البطائق التقنية (حوالي 250) والكتب المرجعية والدلائل التربوية لأنشطة المسرح المدرسي، والبستنة المدرسية، والمعامل التربوية، والأناشيد، والأعمال اليدوية، وغيرها.
4. تنظيم يوم وطني للتعاون المدرسي في السبت الأخير من شهر نونبر كل سنة، لإعطاء الانطلاقة لممارسة التعاون بجميع مستوياته؛ وتم الاحتفال به أول مرة في نونبر من عام 1976
5. إعادة النظر في التنظيمات المتعلقة بتكوين المسيرين لتساير التطور التربوي والمعطيات الموضوعية لتعاونية القسم؛
6. إقرار تنظيمات إدارية ومالية جديدة لضبط الحسابات المالية للتعاونيات المدرسية وفروع الجمعية وتنميتها وتوخي الدقة والشفافية في تسير الجانب المالي والإداري لهذا القطاع، كوضع مشروع صرف مداخيل التعاونية المدرسية، يوزع الرصيد على عدة أبواب وفق نسب معينة، لصرف أرصدة التعاونية المدرسية طبقا للمذكرات التنظيمية.
7. تكوين لجن وطنية وجهوية وإقليمية، للقيام بدراسات لتنمية النشاط التعاوني وتوسيع مجالاته وإعداد برامج تنفيذ مختلف التوصيات والأنشطة، أشرفت اللجن على عدد من الأعمال والتقارير وأصدرت عددا من النشرات والدلائل والكتب في مجال التعاون المدرسي.
8. إحداث أندية تربوية، التي تتخذ مسميات متنوعة كالمركبات التربوية والمنتديات وغيرها، تضمن للأطفال استمتاعهم بحقهم في الترفيه والتثقيف والحصول على المعلومات واستثمار الوقت الثالث وممارسة الهوايات المثمرة وتحقيق الذات وتوفير فرص التفاعل الاجتماعي والتربوي مع أقرانهم.
ماذا حققت تجربة التعاون المدرسي للتعليم المغربي؟
إن الأهداف المبينة للتعاون المدرسي تجعل منه حركة تربوية داعمة للمجهود التنموي الوطني في المجالات المختلفة كالارتقاء الاجتماعي وتعميم التعليم وتحسين مردوده وبث الوعي بحقوق الطفل وإنعاش الثقافة الوطنية وغير ذلك من الحقول والمجلات التي يتصدى لها هذا المجهود والتي يمكن استعراض بعض أوجه نشاطها فيما يلي:
محاربة الهشاشة والفقر: بفضل الجهود المبذولة تم تحقيق كثير من المنجزات في هذا الحقل، نذكر منها: توزيع النظارات الطبية وأدوية الإسعافات الأولية على فقراء التلاميذ الذين يعانون قصورا في قدراتهم على الإبصار، وكذا آلات التعويض الجسماني كالعكازات وغيرها؛ وتوزيع المحافظ والأدوات المدرسية على التلاميذ، وتزويد المكتبات المدرسية بعشرات النسخ من الكتب المدرسية لتوضع رهن إشارة التلاميذ؛ ودعم المطاعم المدرسية اعتبارا لأهميتها في تحقيق تكافؤ الفرص أمام التلاميذ للاستفادة من التمدرس في ظروف ملائمة مشجعة؛ دعم عملية التخييم المدرسي.
دعم حقوق الطفل: فأنشطة التعاون المدرسي تتيح للمتعلم فرص استثمار وقت الفراغ استثمارا مفيدا ممتعا، دون إكراه أو جبر، وتحترم حقه في المشاركة والمساواة واحترام ذاته وهويته الثقافية وقيمه الخاصة. أما في الحقل الثقافي والإعلامي، يقدم التعاونيات فرصا هامة للطفل الوصول إلى المعلومات ونشرها، فضلا عن إسهامها الفعلي والقيم في تشجيع ثقافة وأدب الطفل.
دعم التعليم المدرسي: لما كانت جمعية تنمية التعاون المدرسي هي الحاضن الرسمي لمشاريع التطوير والإصلاح التربوي، فقد تبنت عددا من التجارب التي توخت تطوير وتجديد النظام التربوي والعملية التعليمية المدرسية، ومن هذه التجارب الهامة:
تجربة التعليم المندمج: فابتداء من سنة 1980، انتقلت الجمعية من التنشيط الموازي إلى التنشيط المندمج، هذه الخطة التي تتخذ النشاط المدرسي أساس التعليم المندمج.
مركز الوسائل التعليمية: ابتداء من سنة 1983 أقامت الجمعية بكل المدن المغربية، مراكز لإنتاج الوسائل التعليمية والبحث في تكنولوجيا التعليم، ورافقت هذه الخطوة تنظيم مسابقات لابتكار وتطوير الوسائل التعليمية، وتنظيم حلقات دراسية وتداريب، وإنشاء ورشات لفائدة الأساتذة.
إدراج المسرح المدرسي في المنهاج: وجهت التعاونية المدرسية اهتماما بارزا للنشاط المسرحي المدرسي، وابتداء من سنة 1987، عندما قرر الإصلاح التربوي إدخال مادة المسرح في المنهاج الدراسي انطلقت سلسلة التداريب الوطنية والجهوية والإقليمية في المسرح المدرسي برعاية جمعية تنمية التعاون المدرسي. وفي سنة1991م، ستتأسس اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي باعتبارها إطارا وطنيا سيهتم بتطوير المسرح المدرسي وتفعيله وترجمته نظريا واقعيا داخل فضاء المؤسسة التربوية المغربية.
إحداث الأندية التربوية في بحر السنوات الأولى من الثمانينيات الماضية، حفزت الجمعية فروعها المنتشرة بمدن المملكة، على إحداث أندية تربوية، تستقطب التلاميذ خلال أوقات فراغهم، وتتيح لهم فرص ممارسة أنشطتهم الثقافية التربوية وهواياتهم المتنوعة، وكانت الأندية تضم قاعات متعددة الوسائط، جهزت آنذاك بحواسيب صخر المزدوجة اللغة التي كانت تنتجها شركة العالمية، وبرانم تربوية تعليمية، إلى جانب تجهيزات ومعدات سمعية بصرية، فضلا عن مكتبات أطفال، وقاعات الرسم، والموسيقى، والمسرح والعلوم وغير ذلك من الأندية التي تأسست في مدن كثيرة برعاية الجمعية، وتنوعت برامجها وتجهيزاتها ونظم عملها بحسب اجتهادات ومبادرات المشرفين عليها، ولكنها أثمرت نتائج هامة على المستوى التعليمي المدرسي، وعلى مستوى تثقيف وتنشيط الأطفال.
المشاريع المنجزة بتعاون بين وزارة التربية الوطنية وصندوق الأمم المتحدة لرعاية السكان (FNUAP) في مجالات إدماج التربية السكانية والبيئية في المناهج التعليمية؛ قامت الجمعية من خلال أنشطة التعاون المدرسي، بدور بارز في نشر مبادئ التربية السكانية والبيئية.
تجربة التعاون المدرسي في الميزان
رغم ما بذل من عمل وما تم تحقيقه والذي يمكن اعتباره نتيجة طبيعية لمختلف الجهود المبذولة على مختلف المستويات، فإن ذلك لا يرقى إلى مستوى طموح المربين المتشبعين بروح التربية التعاونية المؤمنين بها كطريقة عمل ووسيلة تربوية مطبوعة بالشمولية والتفتح، ومن الملاحظات التي يمكن رصدها:
1. عدم إشراك التلاميذ بصورة حقيقة في تسيير شؤون التعاونية المدرسية والتخطيط للأنشطة التربوية الموازية؛ عدم الاهتمام بالنشاطات التي لها مساس مباشر بحياة التلاميذ وميولهم وحاجاتهم اليومية؛ التخوف من المشاكل والحوادث التي قد تطرأ عند بقاء التلاميذ بالمؤسسة لمزاولة النشاط خارج أوقات الدرس، أو عند الحاجة إلى الخروج من فضاء المدرسة لممارسة أنشطة الهواء الطلق أو الزيارات؛
2. قلة مشاركة أطر هيأة التعليم بمختلف مستوياتهم في الأنشطة ونسبة المنشطين الفعليين ضعيفة بالمقارنة بعدد العاملين في المؤسسات التعليمية؛ إلقاء عبء التسيير والتنشيط على المعلمين المتطوعين وقلة الإقبال على العمل التطوعي الحر من طرف هيأة التعليم خارج أوقات العمل؛ مما دفع المديرين والمعلمين إلى حد المطالبة بضرورة تعيين منشطين متفرغين اقتناعا منهم بجدوى التنشيط وغيرة عليه؛
3. الفتور الذي يطبع جل الأنشطة المناسباتية؛ عدم إدماج النشاط التعاوني في إطار تجديد أساليب التعليم، وعدم الاهتمام بكيفية هذا الإدماج في خدمة الدرس؛ وذلك ناتج عن عدم إدراك المفهوم الحقيقي للتعاون المدرسي لدى شريحة مهمة من العاملين في قطاع التعليم (مديرين، معلمين، مفتشين) واختلاف المفاهيم والتصورات يؤدي إلى بروز خلافات بين هؤلاء الأطراف؛
4. يعتبر جل المعلمين نشاط التعاون المدرسي ثانويا، ولا ينظرون إلى طبيعته الموازية للتعليم، فما زالت أغلب الأنشطة تكتسي طابعا فرديا ينحصر في الهوايات غير الموجهة وغير المستثمرة، كجمع الطوابع البريدية والاقتصار على ترتيبها في ألبومات بشكل عشوائي أخرس، دون استنطاقها بتأملها وتحليل مكوناتها من رسوم وعبارات وألوان، كما أن اليوم الوطني للتعاون المدرسي يكاد مفهومه يقتصر على تسخير التلاميذ في تنظيف الأقسام، وكثير من الأنشطة والممارسات تكتسي طابعا عشوائيا وظرفية خاضعة للصدفة والمناسبات؛
5. قيام بعض المديرين بإجراءات تخص التعاونية المدرسية أو رصيدها المالي دون استشارة المنشطين ومكتب التعاونية، مما يعتبره بعض المنشطين تجاوزا يثير حفيظتهم واحتجاجهم؛ صرف رصيد التعاونية المدرسية في أمور لا تعود بالنفع على المتعلمين كأعمال الترميم والصيانة واقتناء أدوات المكتب وأداء الاشتراك في صندوق البريد وغيره؛ غياب الدقة في تدبير مالية التعاونية المدرسية.
والآراء المستطلعة لهيأة التعليم تتفق على أن مرد ضعف الأنشطة التعاونية في المدارس هو جو الفصل الدراسي الذي لا يناسب، ومحدودية الوسائل التعليمية المتاحة للمعلم وضعف تكوين وخبرة كثير من المعلمين بأهمية النشاط واكتظاظ المؤسسات التعليمية إلى جانب هيكلة المؤسسة التعليمية وقلة أطرها التربوية وتصميمها المعماري مع قلة المرافق التربوية المتخصصة إلى جانب صرامة النظام الإداري وعدم مرونته واكتظاظ البرنامج وعدم القدرة على التصرف في استعمال الزمن وغيرها من العوامل تحول دون بلوغ الأهداف المرجوة وتؤثر سلبا على مشاعر الأطفال نحو مؤسستهم وحالتهم النفسية داخلها.
خاتمة
اليوم، وبعد مرور نصف قرن على ميلاد جمعية التعاون المدرسي، وفي ظل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، والتجديدات الهامة التي تعرفها مدرستنا، في أنظمتها، وهياكلها، وبرامجها، وتجهيزاتها، وبرزت في الساحة التعليمية المدرسية جمعية جديدة وهي جمعية مدرسة النجاح التي أضحت تؤسس بقرار إداري، وتقاطعت أنشطتها وغاياتها مع أنشطة وغايات جمعية التعاون المدرسي، وأتيحت لها الإمكانات المادية والدعم الإداري، يبدو أنه من الضروري إعادة التفكير في وضعية جمعية تنمية التعاون المدرسي على المستويات المركزية والجهوية والإقليمية، وفتح حوار علمي تربوي، يؤسس لخطة جديدة ويفتح الطريق للتلميذ المغربي في عالم التنشيط التربوي التعليمي والإبداع الفني والابتكار العلمي، باستثمار الخبرة الهامة التي راكمتها التجربة التربوية المغربية، والإمكانات التي أصبحت متاحة لها اليوم.