بين البيداغوجيا و الديمقراطية

الحسين وبا25 يوليو 2013
بين البيداغوجيا و الديمقراطية

بين هذين المفهومين الكبيرين مساحات فارقة، سواء من حيث الزمن أو الطبيعة اوالمعنى أو المصادر أو المكونات التي يمكنها أن تتجمع و تتداخل لتصنع لنا في النهاية احد هذين القطبين العملاقين، تماما كما كنا نتحدث في العقدين الأخيرين عن الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفياتي- سابقا- باعتبار، أن رهان التنمية المنشودة و الوصول إلى شاطئ الأمان السياسي و بر السلم الاجتماعي لايمكنه أن يتحقق إلا عن طريق طرق أبواب هذين الحقلين الكبيرين. إذ بالرغم من اختلاف المفهومين فهما في النهاية يقبلان التعايش سويا كما تتعايش الأقليات مع الأنظمة الشمولية اضطرارا، ويتعايش الفلسطينيون مع الكيان الإسرائيلي إكراها. ولعل من أهم المواصفات المبرهنة على نضج العملية التعليمية و ارتقاء المنظومة التربوية بشكل عام هو حضورالديموقراطية كسلوك وثقافة في فضاءات و حجرات مؤسساتنا العمومية على مختلف أسلاكها وطرائق عملها. لأنه، و بصراحة مطلقة لا حياة للفعل البيداغوجي و لاطعم للعملية التعليمية في غياب إقرار حقوق المتعلم و تحسيسه بكينونته الآدمية و شخصيته المتميزة- سنا وجسدا ، عقل و إدراكا- كقاصر يتعين عل البالغ والجهات المسئولة حمايته من كل الأفعال الغير المشروعة و المعاملات السيئة و المتمثلة أساسا في الحرمان و التمييز و التعنيف و كل أشكال الاستغلال الجنسي والاجتماعي و الاقتصادي وفق ما جاء سواء في ديباجة المبادئ الخمسة لإعلان جنيف 1924 و خاصة في المبدأ الرابع الذي ينص على” يجب أن تتم حماية الطفل من كافة صور الاستغلال و المعاملة السيئة” أو في مانص عليه المبدأ الأول من الإعلان العالمي لحقوق الطفل عام 1959 حينما أكد على مايلي” يجب أن يتمتع كل طفل بكل الحقوق المقررة في هذا الإعلان دون استثناء ودون أي تفريق أو تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أوالنسب أواي وضع آخر يكون له و لأسرته.
فمشكل المنظومة التربوية ببلادنا اليوم هو ما ينطبق على توفير الديمقراطية للشعوب العربية بالرغم من صغر حجمه و تكلفته المالية، مقارنة مع كونية الديمقراطية و شموليتها و فاتورتها الباهضة.و ما أدته جماهير ارويا بصفة عامة و فرنسا بصفة خاصة عام 1789 و جماهير الثورة البولشيفية بروسيا القيصرية عام 1917 ليعد مثالا فاحما على جدارة الديمقراطية وأهميتها في خدمة التنمية الاجتماعية و الحضارة الإنسانية.

فإذا كان حلول الديمقراطية بأي قطر أوركن من البسيطة التي يحيا فوقها الانسان، ينهي عصر الاستبداد و التسلط وانتهاك حقوق الانسان وسلب حريته ليولد مرة ثانية و يعيش كرامته ويستمتع بحقوقه وفق ما أقرته المعاهدات و المواثيق الدولية و على رأسها المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث نصت على” يولد جميع الناس متساوين في الكرامة و الحقوق” أما المادة الثانية منه فقد نصت على” لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق و الحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز،” فإن الحقل البيداغوجي – لنهوضه و نجاحه و تطوره- يشترط استئصال كل الأساليب و الممارسات العتيقة و التوجيهات و التصورات العفوية من كل الدوائر الداخلية و الخارجية للوزارة المعنية من جهة، و تجنيد كل الهمم و الطاقات البشرية – خاصة الواعدة منها- و المالية و اللوجستيكية. قصد بناء كل حاجيات المؤسسة و المتعلم على حد سواء ، وتقويم كل الانعواجات و المنعرجات القائمة.لان وظيفة المدرسة لم تعد تقتصر على تعليم القراءة و الكتابة بقدر مااصبحت معنية بتشكيل شخصية الطفل وإعداده إعدادا سليما وصحيحا / متواصلا و منفتحا على قضايا بلاده محليا واقليميا وجهويا و وطنيا . وهذا ما ينطبق اليوم على سلسلة من المكونات الدراسية الجديدة- كالتربية على السلوك المدنى- وتزويد المتعلم بمفاهيم حول حقوق الطفل استنادا للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989-.التي تسعى جاهدة لتحسيس المتعلم بأهميتها القانونية و الحمائية و الاجتماعية و التربوية و الصحية في مساره الدراسي.

و إذا كانت بلادنا تتوق إلى تحقيق تنمية مستدامة لقطاع التربية والتكوين فلماذا لم يتم بعد النهوض بموارد هذا القطاع- نفسه- البشرية وتأهيلها ” ماديا و معنويا وعلى رأسها الشغيلة التعليمية” ضحايا النظامين 1985 و2003 وحاملي الشهادات الجامعية” الإجازة و الماسترçç ثم متى سيخرج النظام الأساسي لهذا القطاعç وهل سيستطيع أن يحتوي كل المطالب العالقة و الإشكالات المطروحة لشهر شتنبر القادمç