بأية أولويات يمكن إرساء وتفعيل الاستراتيجية القطاعية للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي

تعليم نت3 فبراير 2018
بأية أولويات يمكن إرساء وتفعيل الاستراتيجية القطاعية للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي
ذ: عبد الرحمان زيطان

العنف تصرف بشري متجدد مادامت الحياة على هذا الكوكب سيرورة، والسيادة فيها للأقوى وليس للأصلح. لذا فهو من طينة المفاهيم العامة والتاريخية. يتلون ويجدد ألوانه وأشكاله وأساليبه حسب السياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية. تحتاج مقاربته إلى عدة بحثية متكاملة، تتلاءم وطبيعته. وهذا ما لا تتطلع هذه المقالة إلى إنجازه وتقديمه.

إن هذه المقالة المتواضعة مجرد محاولة بسيطة لملامسة العنف بالوسط المدرسي من موقع الفاعل التربوي. ومن ثمة، المشاركة في النقاش العام الدائر في الآونة الأخيرة حول العنف بالوسط المدرسي، من خلال التفاعل غير المباشر مع العديد من الطروحات التي لا تستهدف تقديم الحلول بقدر ما تستهدف الإغراق في تشخيص المُشخَّص أو الهروب إلى الأمام في أحسن الأحوال.

في اعتقادنا، أن المدرسة المغربية، في سياق حاضرها، لا تحتاج لمن يحسن تصنيف وترتيب المشاكل واستعراضها، ولكنها تحتاج إلى من يحسن ترتيب الأولويات وتقديم البدائل الممكنة والملائمة لهذا السياق.

1. العنف: محاولة فهم

العنف نتاج مجتمعي تفرزه التناقضات والصراعات وسيرورة التطور، من جهة، كما هو نتاج توليفة من المشاعر الإنسانية السلبية (الخوف – الإحباط – ضعف الثقة في النفس – ضعف الثقة في الأخر – الاكتئاب – السادية -…) وتوليفة من الدوافع والرغبات (حب الامتلاك – حب السيطرة – حب التفوق -…)، من جهة ثانية. وهو تصرف عدواني صادر عن فرد أو جماعة، مرجعه إنكار الآخر كقيمة مماثلة “للأنا” أو “للنحن” كقيمة تستحق الحياة والاحترام. إنه غير سوي يستبطن الكراهية والتهميش والاحتقار. يستهدف استبعاد الآخر بالحط من قيمته أو تحويله إلى تابع أو إقصائه أو تصفيته معنويا أو جسديا أو استغلاله في إطار علاقة قوة غير متكافئة.

كيفما كانت المبررات يبقى العنف تصرفا اجتماعيا مرفوضا، لأنه يتعارض وقيم المجتمع الدينية والوطنية والإنسانية والحضارية. تحرِّمه التشريعات والقوانين المنظمة للحياة المشتركة. كما تجرِّمه المواثيق الدولية ومرجعيات حقوق الإنسان.
يمارس العنف ضد الآخر كما يمارس ضد “الأنا”، فردية كانت أو جماعية، بأشكال مختلفة: مادية أو معنية أو رمزية. لكن، مع ذلك، فهو عادة مكتسبة قابلة للتغيير، وحالة مرضية قابلة للمعالجة، وحالة اجتماعية قابلة للسيطرة.

2. المدرسة بطبيعتها لا تنتج العنف

تختلف مقاربات معالجة مفهوم العنف من قطاع إلى قطاع، ومن مجال إلى مجال، ومن موقع إلى موقع. فلا يعالج مفهوم العنف بالمقاربة نفسها، عند رجل العدالة، كما عند رجل الأمن، كما عند رجل الجيش، كما عند الباحث الأكاديمي، كما عند الفقيه أو رجل دين، كما عند الأب، كما عند المدرس والفاعل التربوي. ومن ثمة، فباختلاف الخلفية يختلف الموقع، وباختلاف الموقع تختلف مقاربة التحليل والتقييم والتدابير الوقائية وآليات المعالجة.

توجد المدرسة في قلب مجتمعها تتأثر بما يجري فيه وتؤثر فيه. ومع ذلك، ففي البلدان الديموقراطية التي حققت تقدما ملموسا في مجال الحكامة وتدبير الشأن العام، إن على المستوى التمثيلي أو على المستوى التشاركي، يفترض أن تكون المدرسة، على غرار مؤسسات أخرى شبيهة، مؤسسة الجميع من أجل الجميع، مؤسسة “مستقلة” “متاعلية” عن الصراع الاجتماعي القائم داخل بنية الدولة والمجتمع.

الدافع إلى هذا القول، هو محاولة تجاوز النقاش النظري حول ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي بيير بورديو حين اعتبر أي نشاط تربوي هو نوع من العنف الرمزي مادام هو نشاط مفروض من قبل جهة متعسفة لتعسف ثقافي معين. سواء من خلال مقولته النظرية المركزية “إعادة الإنتاج” التي اعتمدها في كتابه القيم إعادة الإنتاج: في سبيل نظرية عامة لنسق التعليم، أو مقولة “العنف الرمزي” التي اعتمدها في كتابه: العنف الرمزي-بحث في أصول علم الاجتماع التربوي.

المقصود هنا إذن، هو أن المدرسة مؤسسة اجتماعية. وظيفتها التربية والتعليم والتكوين، مؤسسة لا تنتج العنف بطبيعتها. وقد أوجدها المجتمع لهذا الغرض، ولم يجعل العنف وظيفة من وظائفها. بل إنها المؤسسة المؤهلة، بطبيعتها ومعاييرها وقوانينها وأعرافها، وبنوعية الفاعلين فيها، لامتصاص تسربات شذرات العنف المتولد في المناخ العام الذي توجد فيه.

إن تتبع حالات العنف الممارس بالوسط المدرسي يؤكد أنها وقعت إما نتيجة فقدان المحيط العام لثقته في هذه المدرسة وهذا راجع لأسباب تاريخية تجد تفسيرها في سيرورة تطور علاقة الدولة بالمجتمع ومكانة المدرسة في السياسات العمومية وتدبير الشأن العام. وإما بسبب فقدان هذه المدرسة لجاذبيتها واحترامها لأنها لا تلبي حاجات روادها النفسية والمعرفية والاجتماعية ولا تستجيب لحاجات مجتمعها. وإما أن تكون مجرد مؤشرات دالة على ما تتعرض له هذه المدرسة من قصف مكثف متعدد الأهداف ومن اختراقات “قيمية” ومن تسربات شظايا العنف المتولد خارج أسوارها.

3. العنف بالوسط المدرسي ناقوس خطر

حين تصبح المدرسة مستهدفة بالعنف من خارجها أو من داخلها تقتضي الضرورة أن تسائل نفسها وأن تعيد النظر في أدوارها ووظيفتها وتجديد آليات المقاومة والدفاع عن حرمتها.
بالتأكيد أن المدرسة صورة مصغرة وفعلية لمنظومة معقدة من العناصر الا وهي منظومة التربية والتكوين. كما أنها نتاج نظام متفاعل ضمن سياقات تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية هو نظام التربوية والتكوين. لذا فهي تعيد النظر في أدوارها ووظيفتها بإعادة النظر، أولا، في مكانتها وموقعها في السياسة العمومية والبرامج الحكومية وعلاقتها بالتنمية وتطور البلاد وازدهارها، ثم بإعادة النظر، ثانية، في النموذج البيداغوجي الذي تعتمده، من حيث علاقته بالنموذج المجتمعي والحاجات الفردية والمجتمعية التي يسعى إلى تلبيتها؛ وفي مفردات المنهاج التربوي الذي تستهدفه صراحة أو ضمينا من حيث فلسفته وغاياته؛ وفي آليات تصريف هذا المنهاج من حيث مقارباته البيداغوجية والمناخ التربوي الذي يلزمه والشروط التي يتطلبها التصريف الجيد لهذه الآليات.
كما أنها تجدد آليات دفاعها لتحصين ذاتها بتفعيل جيد وملائم لأدوار الحياة المدرسية التي تعتبر شرط صحة والفضاء الأمثل الذي من خلاله يرتقي الفعل التربوي وفي كنفه تصبح المدرسة مؤسسة مضيافة، مفعمة بالحياة، تُؤسس لثقافة الإنصاف والاحترام، وترسخ قيم المواطنة والسلوك المدني، وتوفر تعدد المسارات الملائمة للقدرات وتعدد الفرص الملائمة للإمكانيات وتعدد الجسور المناسبة للخصوصيات.

لكن، المدخل الأساس لفهم كيفية تفعيل أدوار الحياة المدرسية يكمن في تدقيق مفهوم النشاط المدرسي. أهو كل نشاط يستهدف تنمية خبرة المتعلم، ومن ثمة، يكون كل نشاط داخل حَرَمِ المدرسة هو نشاط مدرسي سواء كان فصليا أو مندمجا يستهدف المتعلم كما يستهدف تصريف المنهاج التربوي؟ أم هو كل نشاط يستهدف المتعلم داخل فضاء الفصل الدراسي، ومن ثمة، يكون كل نشاط خارج الفصل الدراسي مجرد نشاط مواز لا علاقة له بتصريف المنهاج الدراسي؟

تدقيق مفهوم النشاط المدرسي يقودنا إلى طرح عينة من الأسئلة الإجرائية لإبراز عدة أبعاد، من قبيل: لماذا هي أنشطة؟ بهدف إبراز البعد التفاعلي. لماذا هي مدرسية؟ بهدف إبراز البعد التوجيهي والغائي. متى تكون هذه الأنشطة موجهة لتنمية الخبرات وترسيخ القيم؟ بهدف إبراز حاجات المجتمع التي يجب أن يلبيها المنهاج التربوي. متى تكون هذه الأنشطة أنشطة إعادة الإدماج وإعادة الاستقطاب وأنشطة الفرصة الأخرى لإعادة بناء العلاقة مع الذات؟ بهدف إبراز حاجات المتعلم(ة) التي يجب أن يلبيها المنهاج التربوي.

في سياق التحولات المجتمعية والثورة الرقمية وملاحقة العقل الصناعي للعقل البشري؛ وبسبب تعدد مصادر التعلم وتوسع حجم المعارف وأثر كل ذلك على استراتيجيات التعلم وعلى نوعية المقاربات البيداغوجية واستراتيجيات التعليم والتنشيط أضحت حاجات المتعلمات والمتعلمين لا تنحصر فقط في تنمية وتطوير الخبرات/ الكفايات وتنمية القدرة على استرجاعها في الوقت المناسب، وفي اكتساب قيم لا يجدون لها، في الغالب انعكاسات في واقعهم، لا داخل المدرسة ولا خارجها؛ وإنما هي أيضا حاجات ترتبط بالتربية على الاختيار وباستراتيجيات إعادة بناء العلاقة مع الذات في ضوء هذه التحولات.

أثبت واقع الممارسة التربوية أن كثيرا من التلميذات والتلاميذ هم في حاجة أكثر إلى هذا النوع من الأنشطة. مادامت فرص تنمية الخبرات المعرفية متوفرة بالمدرسة وعلى الحواسب والهواتف الشخصية والشبكة العنكبوتية ، وفي فضاءات موازية موضوعة رهن إشارة هؤلاء التلميذات والتلاميذ من طرف أسرهم وعلى رأسها فضاءات الساعات الإضافية السيئة الذكر.

فهل تسائل مدرستنا نفسها إن كانت واعية بهذه الحاجات الجديدة والمستجدة؟ وهل توفر قنوات ملائمة وآليات مناسبة لتلبية هذه الحاجات؟ وهل نموذجنا البيداغوجي يستهدف عبر الآليات المتوفرة لتصريفه هذه الفئة من المتعلمات والمتعلمين؟ ألا يمكن اعتبار هؤلاء المتعلمات والمتعلمين هم، بشكل أو بآخر، ضحية مرحلة تاريخية هي في طور التحول والتشكل في ضوء المعايير والمقاييس الجديدة؟ أليسوا هم في حاجة إلى تعزيز ثقتهم بأنفسهم وفي منظومة القيم التي ينتمون إليها من أجل إعادة بناء علاقتهم بذاتهم وإعادة ضبط وتعديل مساراتهم، إن على مستوى الدراسي الملائم لإمكانياتهم، أو على مستوى قدرتهم على الاندماج في المجتمع بفعالية وإيجابية في إطار التربية على الاختيار.

في اعتقادنا، أن ضعف الوعي بهذه الحاجات، وقلة الأجوبة الممكنة التي تقدمها المدرسة في صيغتها الحالية، أمام استمرار حالة “استقالة جماعية” لمختلف الفاعلين والمتدخلين، بما في ذلك المتعلمات والمتعلمين أنفسهم وأسرهم، ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية وغيرها، إلا من رحم ربك، هو ما يؤدي إلى العنف بالوسط المدرسي سواء الموجه منه نحو الآخر أو الموجه نحو الذات.

4. الاستراتيجية القطاعية للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي

إن تسليط الضوء على حالات العنف الممارس ضد الآخر في الفضاء المدرسي، دون حالات العنف الممارس على الذات من طرف المتعلمات والمتعلمين أنفسهم، سواء داخل الفضاء المدرسي أو في محيطه الخاص والعام، يجعل مقاربة العنف، هاته، مقاربة سطحية. هي أقرب إلى المقاربة الجنائية منها إلى المقاربة التربوية، حتى لو كانت من طرف تربويين، مختصين أو فاعلين. لذلك، فالتركيز على آليات الوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي لا يجب ان تقتصر على العنف الموجه نحو الآخر، ولكن، أيضا، على العنف الموجه نحو الذات.

الاستراتيجية القطاعية للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي ليست وليدة اللحظة بفعل ما تم تسجيله من حالات للعنف بالوسط المدرسي، في الآونة الأخيرة. حالات تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم وكأن المدرسة المغربية لا تعاني سوى العنف فيجب أن تعد العدد لرصد حالاته، وسلط عليها بعض وسائل الإعلام عدسته في إطار المزيد من ضرب المدرسة المغربية العمومية وتفكيك قدرتها على التماسك والدفاع، وكأن الإعلام ما وجد إلا لتتبع مثل هذه الحالات ومواكبتها بالتحليل والتنظير، وللتربص بالمدرسة المغربية العمومية مع سبق الإصرار. قلت أن هذه الاستراتيجية ليست وليدة ما أفرزته هذه الحالات الطائشة وإنما هي سيرورة مندمجة في مشروع إصلاح منظومة التربية والتكوين الذي يجد مرجعيته في الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وسوف نستعرض، ها هنا، أهم معالم هذه السيرورة المندمجة على الشكل التالي:

دعت المادة السادسة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى جعل المتعلمات والمتعلمين في قلب الاهتمام والتفكير والفعل، وذلك ب:

▪ الوعي بتطلعاتهم وحاجاتهم البدنية والوجدانية والنفسية والمعرفية والاجتماعية؛

▪ توفير الشروط الملائمة والمناخ التربوي المناسب؛

▪ التفهم والإرشاد والمساعدة على التقوية التدريجية لسيرورتهم الفكرية والعملية؛

▪ التنشئة على الاندماج الاجتماعي واستيعاب القيم الدينية والوطنية والمجتمعية.

وفي إطار أجرأة دعامات الميثاق الوطني للتربية والتكوين وفي إطار تفعيل التدابير التي تضمنتها مشاريع البرنامج الاستعجالي صدرت العديد من المذكرات الرامية إلى تفعيل أدوار الحياة المدرسية والنوادي المدرسية ودعم مشاركة التلاميذ في هذه الحياة. ومن أبرز هذه المذكرات المذكرة الوزارية رقم 155 بتاريخ 17 نونبر 2011 في شأن تفعيل الحياة المدرسية التي:

▪ وضعت تصورا متكاملا للحياة للمدرسية؛

▪ دققت مفهوم الأنشطة المندمجة؛

▪ اعتبرت مشاركة المتعلمات والمتعلمين في تفعيل أنشطة الحياة والمدرسية حقا ينبغي ممارسته وواجبا يتعين الحرص على أدائه؛

▪ وضعت آليات مؤسساتية وآليات تربوية واجتماعية لتفعيل هذه الأدوار.

وفي ضوء مراجعة الإصلاح وتجديد المدرسة المغربية دعت الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، في مجال الارتقاء بالفرد والمجتمع، إلى:

▪ تربية المتعلمات والمتعلمين على تنويع الاهتمامات؛

▪ ربط التعلمات بمختلف مجالات الحياة؛

▪ توفير فضاءات مدرسية من شأنها تجسيد وتنمية الممارسات الديموقراطية والمدنية داخل المؤسسات التعليمية؛

▪ تمكين المتعلمات والمتعلمين من المشاركة الفعلية في تدبير الحياة المدرسية.

وفي إطار التدابير الرامية إلى أجرأة هذه الرؤية، التي قدمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين باعتباره هيئة دستورية استشارية، جاء المشروع المندمج التاسع متضمنا ثلاثة تدابير أساسية تتمثل في:

▪ حفز التفتح واليقظة عند التلاميذ وتشجيعهم على إبراز مواهبهم من خلال إحداث مراكز ومؤسسات التفتح والإبداع الفني والأدبي؛

▪ تنمية الصحة البدنية والذهنية وتثبيت القيم من خلال إحداث المراكز الرياضية لفائدة تلاميذ التعليم الابتدائي بالمؤسسات الثانوية؛

▪ تعزيز قيم المواطنة والسلوكات المدنية ومكافحة الممارسات غير الصحية من خلال تثبيت وإرساء وتفعيل عدة آليات منها:

✓ تعميم وتفعيل النوادي المدرسية بالمؤسسات التعليمية؛

✓ إحداث المراكز الجهوية والإقليمية للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي؛

✓ تعميم إرساء خلايا الاستماع والوساطة بالمؤسسات التعليمية التي تعد بمثابة مركز محلي للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي.

وتفعيلا لمشروع الارتقاء بالعمل التربوي صدرت المذكرة الوزارية رقم 007/17 بتاريخ 10 يناير 2017 فاعتبرت:

1) المهمة الأساسية للمؤسسة التعليمية تتمثل في:

▪ إعداد الناشئة إعدادا سليما؛

▪ تربيتهم على قيم المواطنة والديموقراطية والتسامح؛

▪ نشر ثقافة السلوك الحضاري والمدني.

2) الحياة المدرسية المحك الحقيقي لإبراز درجة استيعاب وتبطين المبادئ والقيم المدرسة والمشتل الميداني الأنسب للنهوض بالقيم في اتجاه إحداث التحول المنشود. ويقتضي تفعيل أدوار الحياة المدرسية ما يلي:

▪ اعتماد المرونة اللازمة في استثمار الحصص الدراسية والزمن المدرسي؛

▪ ضرورة تشجيع مشاركة التلاميذ في الحياة المدرسية باعتبارها حقا من حقوق الطفل تضمن له قدرة التعبير عن آرائه واحتياجاته، وتنمي إحساسه بالانتماء لمؤسسته التعليمية، وترسخ لديه الوعي بواجباته وحقوقه كمتعلم يستفيد من خدمات مؤسسته التعليمية وفاعل يشارك في الرقي بجودة شؤونها التنظيمية والتربوية.

3) تهدف الاستراتيجية القطاعية المندمجة في مجال الوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي، إلى:

▪ تخليق المؤسسات التعليمية المغربية؛

▪ نشر ثقافة السلم والوقاية من العنف داخلها وبمحيطها؛

▪ نبذ كافة الممارسات المشينة والمهينة.

4) يقتضي الارتقاء بالعمل التربوي بالمؤسسة التعليمية:

▪ تعميم إحداث الأندية المدرسية بالمؤسسات التعليمية وتفعيلها؛

▪ تعميم إرساء خلايا الاستماع والوساطة بالمؤسسات التعليمية التي تعد بمثابة مركز محلي للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي.

أما المذكرة الوزارية رقم 116/17 بتاريخ 07 نونبر 2017، التي جاءت في سياق ما تم رصده من حالات عنف بالوسط المدرسي على المستوى الوطني وتحول بعضها إلى قضية رأي عام (حالة اعتداء تلميذ على أستاذ بوزازات – حالة اعتداء تلميذ على أستاذة في الدار البيضاء – …) فقد جاءت لتأكيد ما كانت قد دعت إليه المذكرة الوزارية رقم 002/15 بتاريخ 09 يناير 2015 في شأن التصدي للعنف والسلوكات المشينة بالوسط المدرسي، وتدقيق الإجراءات والتدابير الأساسية لتفعيل الاستراتيجية القطاعية للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي. ومن ثمة، فقد اعتبرت العنف سلوكا سلبيا ومنبوذا بكل المقاييس التربوية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية مهما كان نوعه وشكله. وأن الاعتداء على نساء ورجال التعليم والمس بكرامتهم فعل يتجاوز حدود الاعتداء على شخص هؤلاء الفاعلين التربويين في حد ذاتهم بل هو فعل مرفوض رفضا قطعيا يمس المؤسسة التعليمية ككل بل المنظومة التربوية برمتها، بالنظر لسمو رسالتهم التربوية ولقيمتهم الاعتبارية الرفيعة ومكانتهم المتميزة داخل المنظومة التربوية. كما دعت إلى جعل التصدي للعنف بالوسط المدرسي في صدارة اهتمامات وانشغالات مختلف المسؤولين الإداريين والتربويين، وإيلاء هذا الموضوع الأهمية القصوى من لدنهم، مع ضرورة اعتماد الحزم والصرامة وعدم التساهل مع أية ممارسة مشينة تستهدف المجتمع المدرسي.
أما التدابير التي اعتبرتها هذه المذكرة أساسية للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي فقد اجملتها فيما يلي:

التدابير التربوية:

▪ تكثيف الحملات التوعوية والتحسيسية كتدابير وقائية، وفق مقاربة تشاركية يساهم فيها مختلف المتدخلين؛

▪ تعبئة مختلف الشركاء في تفعيل البرامج الوقائية والعلاجية المعتمدة، وحثهم على المزيد من الالتفاف حول المدرسة، وتوفير المناخ السليم للتربية والتعليم والتحصيل؛

▪ التفعيل الأمثل لأدوار مختلف الأندية والوحدات المدرسية المعنية وخاصة مجالس المؤسسة والأندية الحقوقية والمسرحية والثقافة، ومراكز رصد العنف بالوسط المدرسي ومراكز الاستماع والوساطة وخلايا اليقظة واتخاذ كل المبادرات الكفيلة بالرفع من فعاليتها ومردوديتها؛

▪ تشجيع الأنشطة الترفيهية والتربوية والرياضية في أوساط المتعلمات والمتعلمين، وتشجيع المشاركة التلاميذية في الحياة المدرسي.

التدابير الإدارية:

▪ التبليغ الفوري بكل سلوك منحرف بالوسط المدرسي؛

▪ اتخاذ الإجراءات الضرورية والفورية المناسبة دون أي تهاون أو تردد أو تأخير؛

▪ التعامل الفوري والحازم من طرف المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية مع مختل الحالات التي ترفع إليها من طرف المؤسسات التعليمية.

التدابير ذات الطبيعة القانونية والأمنية:

▪ الإبلاغ الفوري لمصالح الأمن والسلطات المحلية بالنسبة للحالات التي تستدعي تدخل هذه الجهات؛

▪ تكثيف قنوات وآليات التنسيق مع هذه المصالح؛

▪ تنصيب الإدارة نفسها طرفا مدنيا في الدعاوي ضد كل من تسبب في إلحاق ضرر بنساء ورجال التعليم بمناسبة القيام بمهامهم؛

▪ إيلاء مختلف القضايا ذات الطبيعة الأمنية المعروضة على الجهات المختصة العناية اللازمة.

5. بأية أولويات يمكن إرساء هذه الاستراتيجية
تلك هي الاستراتيجية القطاعية للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي في سيرورتها المندمجة. لكن إرساء وتفعيل هذه الاستراتيجية، بشكل أكثر فعالية ومردودية، يقتضي، في اعتقادنا، البدء بالأولويات التالية:

▪ تفعيل مبدأ المرونة اللازمة في استثمار الحصص الدراسية والزمن المدرسي الذي دعت إليه المذكرة الوزارية رقم 007/17 بتاريخ 10 يناير 2017 المشار إليها أعلاه في شأن تفعيل المشروع التاسع المتعلق بالارتقاء بالعمل التربوي بالمؤسسات التعليمية. وذلك بالترسيم القانوني للأنشطة المندمجة ضمن الغلاف الزمني للتلميذ(ة) والمدرس(ة) . وهذا يقتضي إعادة النظر في مفردات المنهاج الدراسي بالتخفيف في المضامين وإعادة النظر في الأحياز الزمنية للمواد الدراسية والحصص الدراسية وعدد الساعات الأسبوعية للتلميذ(ة) والأستاذ(ة) وطريقة تنظيمها.

▪ تفعيل الآليات المؤسساتية (مجالس المؤسسة) التي وضعها المرسوم 2.02.376 الصادر في 17 يوليوز 2002 بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومية، والآليات الاجتماعية والتربوية التي أقرتها المذكرة الوزارية رقم 155 بتاريخ 17 نونبر 2011 في شأن تفعيل الحياة المدرسية، والتدابير التربوية التي أكدت عليها المذكرة الوزارية رقم رقم 116/17 بتاريخ 07 نونبر 2017 ا ، وذلك بترسيم تفعيل هذه الآليات ضمن الأنشطة المندمجة بالمؤسسة التعليمية وليست مجرد أنشطة موازية تطوعية من المفروض أن ينزها المدرس(ة) والتلميذ(ة) خارج الغلاف الزمني الرسمي.

▪ إحداث وتفعيل المجالس التلاميذية المحلية والإقليمية في ضوء ما أقرته المذكرة الوزارية رقم 155 بتاريخ 17 نونبر 2011، باعتبارها الآلية المؤسساتية الضامنة لمشاركة التلميذات والتلاميذ في تفعيل أدوار الحكامة الإدارية والتربوية وتحسين مؤشرات النجاح وترسيخ قيم التربية على المواطنة والسلوك المدني وإرساء آليات تفعيل التربية على الاختيار. وذلك بإصدار مذكرات تنظيمية تدقق مهام هذه المجالس وكيفية أدائها لهذه المهام وظروف عملها.

▪ تحيين وتدقيق آليات تفعيل ما سمي بالعقوبات البديلة التي جاءت بها المراسلة الوزارية رقم 867714 بتاريخ 17 أكتوبر 2014 في شأن القرارات التأديبية المتخذة من طرف مجالس الأقسام حتى تتلاءم ومقتضيات المذكرة الوزارية رقم 116/17 بتاريخ 07 نونبر 2017 في شأن التصدي للعنف بالوسط المدرسي.

▪ تعزيز استقلالية المؤسسة التعليمية في تدبير شؤونها التربوية ووضع وتنفيذ برنامج أنشطتها المندمجة واختيار المقاربات الملائمة لخصوصياتها في القيام بوظيفتها التربوية والتعليمية والتكوينية؛ من خلال ترسيم مشروع المؤسسة من حيث إعداده وإنجازه نشاطا مدرسيا مندمجا في صلب الحياة المدرسية، ما دام يعتبر “الإطار المنهجي والآلية العملية الضرورية لتنزيل وأجرأة البرامج والمشاريع التربوية داخل المؤسسة التعليمية، وتنظيم وتفعيل مختلف الإجراءات التدبيرية والتربوية الهادفة إلى تحسين جودة التعليمات” ، كما نصت على ذلك المذكرة الوزارية رقم 159/14 بتاريخ 25 نونبر 2014 ، في شأن أجرأة الاستراتيجية الوطنية لمشروع المؤسسة. وجعل النتائج السنوية المحصلة، إن على مستوى التحصيل الدراسي أو على مستوى ترسيخ قيم المواطنة والسلوك المدني، معيارا للتقييم الفردي والجماعي لمختلف المتدخلين، ومرجعا لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

الخلاصة:

إن ما تم إنتاجه من نصوص تشريعية ومذكرات تنظيمية ووثائق تأطيرية وتكوينية لتفعيل أدوار الحياة المدرسية، بشكل عام، والوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي، بشكل خاص، يشكل رصيدا مهما يفيد المتتبع للشأن التربوي وللممارس الميداني. لكن المتتبع للأنشطة المدرسية، من حيث خلفياتها وطرق تدبيرها وإنجازها والفضاءات الزمنية التي تنجز فيها والنتائج التي تحققها ميدانيا، يجد أن الأمر يحتاج إلى إعادة النظر في العديد من المسلمات وإلى مراجعة عميقة للعديد من المقتضيات التشريعية وإلى تأصيل العديد من المفاهيم. وذاك هو المدخل الحقيقي لأجرأة الاستراتيجية الوطنية لمشروع المؤسسة وتجويد أنشطة الحياة المدرسية وأجرأة الاستراتيجية القطاعية للوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي. فهل نحن واعون بأن تحقيق نتائج مغايرة يحتاج إلى نهج طرق مغايرة، ما دمنا نقوم بأجراة تدابير المشاريع المندمجة في ضوء الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 لمراجعة وتحيين إصلاح منظومة التربية والتكوين.

شفشاون 07/01/2018