امتحان التخرج من المراكز الجهوية تدبير حكيم أم مس وطعن في الهوية الوطنية

التادلي الزاوي23 يونيو 2013
امتحان التخرج من المراكز الجهوية تدبير حكيم أم مس وطعن في الهوية الوطنية

كل المواقف والقضايا تحتمل الإدارة بمنطق السياسة ، بمعناها الاحترافي والحرفي ، ما دامت تقبل الحسابات الظرفية ، ومنطق التوازنات والمصالح الضيقة ، غير أن هذه القاعدة تعتبر مرفوضة قطعا حين يتعلق الأمر بالتربية بمعناها العام ، أو بالمجال البيداغوجي كإطار لتصريفها ، وتعتبر أكثر رفضا حين يتعلق الأمر بمقومات الوطن وعناصر هويته ، إذ السيادة التي من أجلها تكافح الأمم والشعوب تصبح بدون معنى .
مناسبة هذا الكلام هو العناد الذي ركبه بعض المسئولين في وزارة التربية الوطنية ، وإصرارهم على الوصاية على خيرة أطر هذه الوزارة ، من الذين خبروا التربية من الداخل ، وراكموا تجارب غير هينة في مجال التأطير والتأهيل . فضدا على ما نص عليه المرسوم المنظم للمراكز الجهوية للتربية والتكوين ، والقاضي بجعل امتحان التخرج من المراكز ومباراة الدخول أمرا موكولا لهذه المؤسسات ، تعده وتشرف عليه بناء على ما أنجزته من تكوين ، وما هيأته وفق المواصفات المطلوبة من المتخرجين ، فضلت الوزارة ، في شخص بعض المسئولين، أن تعتمد تخرجة خاصة لامتحان التخرج ، لا تملك سندا قانونيا ولا بيداغوجيا ، مستنفرة من أدواتها ما يكفل لها ذلك .
فعلاوة على عدم استمزاج رأي الغالبية من العاملين بالمراكز والفاعلين المباشرين ، وعدم معرفة أوضاع التكوين عن قرب ، والمجالات التي همتها بالفعل ، اختارت وضع معايير لمواد التكوين لا سند لها ، فجعلت الفرنسية في الابتدائي في رأس القائمة ، لتقلب المعادلة ، وتدافع عن نقيض الهوية ،عوض أن تحرص عليها. هكذا أصبحت الفرنسية إجبارية لأساتذة التعليم الابتدائي ، وباقي المواد الأخرى متكافئة المستوى ، يتم اعتماد القرعة للامتحان فيها . اخترت استصغار المكونين ، حين فرضت عليهم نموذج الامتحان ، وجعلتهم منفذين فقط ، مثلما اختارت أن تشعر المتكونين بكون الامتحان غاية في ذاته ، لتكرس النموذج التقليدي للتقويم ، بعيدا عن المهنية المتغنى بها سابقا ، واختارت بعد هذا وذاك اعتماد وضعيات افتراضية، وليس حقيقية تعاش وتلمس ميدانيا ، لترجع عقرب التكوين لنقطة الصفر.
إن العناد حين لا يبالي بمصلحة الوطن ، يعتبر في نظرنا مغامرة غير مأمونة العواقب ، ما دام تفكير المسئولين في التقويم لم يأخذ بعين الاعتبار المنطلقات ومسار التكوين ، واكتفى بالتوقعات والأهداف . ولذلك مهما كانت حكمة المسئولين في ما يريدون الإقدام عليه ، فقد زكوا بممارستهم وفعلهم هذا الكذب والنفاق ، حيث لا أحد سيخلص لأطروحتهم على مستوى التنفيذ ، بل أنتجوا امتعاضا من جعلهم الفرنسية معيار النجاح وعدمه ، اللهم إلا إذا كان ذلك مؤشرا على انقلاب في رؤية حزبين محافظين من الأغلبية عرفا بدفاعهما عن العربية ، وأنهما بذلك سينالان تقديرا من فرنسا التي تجتهد الكثير من الدول التي عانت من استعمارها في أن تعيد الاعتبار للغتها الوطنية والقومية قبل الفرنسية .
في كل الأحوال لا حكمة في ما قرر شكلا أو مضمونا . ولذلك ننصح بتواضع مسئولينا أن يتجاوزوا كبرياءهم والاستماع للأساتذة المكونين ، فهم أدرى بواقع التكوين وسبل تقويم منتوجهم ، وفي ذلك احترام للمرسوم المنظم للمراكز والذي يستوجب ربط المسئولية بالمحاسبة . إلى ذلك الحين ننتظر تدارك هذه الزلة وإرجاع الأمور إلى نصابها وتفويت الفرصة على التاريخ الذي لن يسجل إعطاء الامتياز للفرنسية على أنه صرامة علمية ، بل استخفاف بالهوية .