تمهيد
الكل يدرك أهمية الدور المنتظر سواء من وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني أو من المجلس الأعلى للتعليم ، بل ومن الحكومة والمجتمع المغربي برمته ، للخروج من الأزمة التي يعاني منها قطاع التعليم ولمواجهة بصفة خاصة ،إشكالية عدم التحاق مئات الآلاف من الأطفال بالمدرسة أو مغادرتهم و طردهم منها و خروجهم بمستويات تربوية وتعليمية متدنية لا تهيؤهم بالتالي للاندماج في المجتمع . نعم، مئات الآلاف،ما بين 350 و 400 ألف من الأطفال يغادرون المدرسة النظامية سنويا قبل بلوغهم سن أل 15 ، دون أي مستوى تعليمي أو تكوين مهني ودون شهادة… مع مخاطر عودتهم إلى الأمية والتحاقهم بالشارع والتشرد واحتراف السرقة وامتهان أعمال ظرفية وضيعة وربما احتضانهم واستغلالهم من طرف عصابات الجريمة المنظمة وغير المنظمة…
السؤال الآن، هو كيف ستبلور الوزارة ،مدعومة من المجلس الأعلى للتعليم ،مقترحات الإصلاح و تتجاوز بالتالي الوضعية الصعبة وتخرج المنظومة من النفق ؟ ثم كيف سيلائم مشروع الإصلاح المنتظر في حال نزوله ،بين ما هو نظامي وما هو غير نظامي في التعليم؟ بين ما هو عمومي وما هو خصوصي ؟ بين وضعية ما في المركز وما في الهامش من مؤسسات ؟ وماذا ستكون عليه طبيعة برامج الوقاية و الإنقاذ و اليقظة والفرصة الثانية ومشاريع المواكبة التربوية والدعم المدرسي والاجتماعي والوساطة؟ و كيف يمكن أن توظف كل تلك البرامج وخاصة ما ارتبط منها بالمواكبة إلى جانب البرامج التربوية والتعليمية “النظامية” الأخرى؟ وكيف ستفعل وتطبق للرفع من مستوى التلاميذ و للحد من النزيف بسبب الهدر الذي تعاني منه المدرسة المغربية ؟ بل وكيف يمكن أن تساهم في تجويد نتائج المدرسة المغربية ومخرجاتها كما وكيفا؟ وهل يمكن أن تصلح التربية غير النظامية ما تفسده التربية النظامية ؟ أي كيف يمكن أن تشكل برامج التربية غير النظامية ومقارباتها نماذج بيداغوجية لتطوير العمل في المدرسة المغربية بشكل عام؟
هذه أهم الأسئلة والإشكالات التي سنحاول إلقاء الضوء عليها ، والإجابة عن بعضها بشكل مباشر أو غير مباشر ،خاصة ما ارتبط منها بالجوانب البيداغوجية وببرامج الدعم والمواكبة التربوية ، مع إرفاقها ببعض المقترحات والتوصيات.
على أننا نعتقد أن قسطا هاما من محاولتنا الإجابة عن هذه التساؤلات ، مما قد يساهم في تحقيق مستوى مشرف من تجويد نتائج منظومة التعليم والقضاء على ضعف المستوى والحد من الهدر المدرسي ، يكمن في تأسيس نموذج بيداغوجي بمنظومة متكاملة للمواكبة التربوية،والذي سيشكل محور هذه الدراسة.
أولا : عوامل الهدر المدرسي وضعف مستوى التعليم
أو مبررات تأسيس نموذج/ منظومة المواكبة التربوية (لماذا ؟ )
لعل أهم ما يجعلنا ننادي بضرورة إنشاء نموذج/منظومة المواكبة التربوية وتعميم برامجها على كل الأطفال بل وربما على المؤسسات والعاملين بها والمرتبطين بمنظومة التعليم بشكل عام، هو حالات الاضطراب و الهدر وضعف المستوى و التي تصيب جوانب كثيرة من المنظومة في بلادنا وعموما في البلدان المغاربية وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط وبخاصة في جنوبه.هذه الحالة التي تتميز في بلادنا ، بمظاهر وعوامل يمكن إيجازها كالتالي :
– غياب النظرة الشمولية والمستقبلية للإنسان المغربي المنشود والذي على المدرسة أن تسعى لإعداده وما ينتج عن ذلك من اضطراب في المناهج والبرامج وعدم ملاءمتها وتذبذب في تبني النماذج البيداغوجية الملائمة والمندمجة وعدم الاستفادة من تراكم التجارب والانتقال من نموذج إلى آخر ومن مخطط إلى آخر ، دون تقويم ودون تطوير، والرجوع باستمرار إلى نقطة الصفر؛
– العوامل المرتبطة بالعرض المدرسي والملاحظ في ضعف بنيات الاستقبال من أقسام ومدارس و مرافق و داخليات و مآوي وهشاشة تجهيزاتها أو بعدها عن الساكنة أو انعدامها أصلا،وما ينتج عن ذلك من ضعف مستوى التمدرس أو عدم تعميمه أصلا، حيث يبقى عدد مهم من الأطفال خارج المدرسة أو يتسربون منها في سن مبكرة أو “يتخرجون” بمستوى هزيل…
– الخنوع في الهام من القرارات للجهات المانحة و إملاءات مراكز الضغط…دون مراعاة الحاجيات الحقيقية للمجتمع المغربي و أولوياته ،مما يخلق حالة من انعدام الثقة فتؤثر في جودة العرض البيداغوجي وجاذبية المدرسة… ؛
– ضعف في الموارد البشرية وتسجيل الخصاص في بعض المستويات والتخصصات وسوء توزيع المدرسين والإداريين والموجهين والمفتشين و إعدادهم و تكوينهم وتحسين ظروف عملهم والإعراض عن الرفع من أحوالهم الاجتماعية و التباطؤ في تحديث القوانين الأساسية المنظمة لمهنتهم والالتفاف على مطالبهم المشروعة والمراوغة في الحوار مع ممثليهم ونقاباتهم…
-انتشار حالة من التدهور وربما الاضطراب النفس/تربوي و الأخلاقي، في منظومتنا التربوية وفي مجتمعنا بشكل عام ، سواء في الأسرة أو الشارع أو الإعلام أو النوادي … وخطر الاستمرار في هذه الوضعية التي تعوق مشاريع الإصلاح وإصلاح التعليم على وجه الخصوص وتحول دون تطورنا ونمائنا .حيث أصبحنا نلاحظ انتشارا لمظاهر السلوك السلبي بل و للسلوك المنحرف و المرضي. في مقابل ذلك نلاحظ:
– عدم حضور علم النفس وانتشاره في مجتمعنا وضعف الوعي بأهمية المقاربة السيكولوجية في مختلف مناحي الحياة وخاصة في التربية المدرسية.
– و تغييبا شبه كامل للعناية بموضوع الإرشاد و التحصين النفسي والتربية الوالدية.
– وحتى دروس علم النفس والتي توفرها برامج مؤسسات التكوين المهني ، لا تجد تطبيقا فعليا لها في المدارس و الأقسام .والسائد هو عدم معرفتنا بخصوصيات تلاميذنا السيكولوجية وبسماتهم الشخصية؛
– وعدم توفر المدرسين على الوقت الكافي والتكوين الملائم والوسائل العلمية لمعرفة تلاميذهم وإدراك حاجياتهم ومشكلاتهم…وبالتالي عدم قدرتهم على مساعدتهم والأخذ بيدهم ومواكبتهم في رسم مسارهم الدراسي والمهني.
– سيادة الارتجال في اتخاذ القرارات وضعف المراقبة والمحاسبة و الحكامة في صرف المال العام وهيمنة المركز وتدخله في كل كبيرة وصغيرة …وما ينتج عن كل ذلك من نفور وتعب نفسي لدى أطر التعليم وخاصة العمومي منه ولدى التلاميذ وأسرهم وضعف في الحافزية لديهم جميعا وفقدان روح التطوع و التضحية وضمور في قيم المواطنة وانتشار سلوكيات مضطربة وأخلاقيات انتهازية…
– عدم استثمار نتائج عمليات التقويم والافتحاص الداخلي لمشاريع ومخططات التطوير وللبرامج الإصلاحية من مثل البرنامج الاستعجالي و نتائج الافتحاص التقني النهائي له و عدم تثمين بالتالي ،ما يتحقق من تراكمات إيجابية في البرامج والمشاريع من مثل برامج التربية غير النظامية وبرنامج ثانويات التميز والأقسام التحضيرية …وبالتالي التراجع والعودة لنقطة الصفر؛
– اعتماد النماذج البيداغوجية المستوردة وعدم تكييفها وتفضيل الخبرة الأجنبية والتي تتعامل مع خبرائنا بنوع من الاستعلاء. وللتذكير فإن البرنامج الاستعجالي وضعه مكتب فرنسي للدراسات في حين وضع بيداغوجية الإدماج وسهر على تطبيقها مكتب بلجيكي؛
– الاضطراب الكبير الحاصل على مستوى تعليم اللغات ولغات التعليم؛
– فقر في الطرق والوسائل وأدوات العمل وضعف في الأساليب المساعدة على تطبيق تلك النماذج البيداغوجية وسيادة ظروف غير ملائمة للتحصيل داخل الأقسام والمؤسسات، وظهور وانتشار العنف والسلوكيات المنحرفة والشاذة؛
– ضعف في أساليب التقويم والامتحانات وسيادة التقويم النهائي ( الإجمالي) على حساب التقويم التشخيصي والتقويم التكويني ،وانعدام آليات و وسائل علمية مضبوطة لتتبع أداء التلاميذ ومرافقتهم ومواكبة مسارهم الدراسي؛
– الغياب شبه الكلي لبرامج مساعدة التلاميذ وتهيئهم لمواجهة للامتحانات الإشهادية ؛
-الاضطراب في التعامل مع موضوع الدعم التربوي ومع برامج محاربة الهدر المدرسي والذي تجلى في :
– ضعف في التتبع الفردي للتلاميذ وغموض في الخطة وفقر في العدة السوسيوتربوية و البيداغوجية. فإذا أخذنا على سبيل المثال المشروع 5 من مشاريع المخطط الاستعجالي ، المتعلق بمحاربة ظاهرتي التكرار والانقطاع الدراسي، فإننا لاحظنا غموضا وسوء فهم شاب الرؤية المؤطرة للتتبع الفردي للتلاميذ. فمبدئيا يرمي التتبع حسب هذا المشروع ،إلى تكوين نظرة مجملة عن الحالة النفسية والصحية والاجتماعية والتربوية للتلاميذ، واستثمار المعطيات السوسيلوجية، ومن تم اتخاذ التدابير
الوقائية أو العلاجية، الأمر الذي لم تتضح سبل تطبيقه في واقع الممارسة في جل المؤسسات.
– كما حدث خلط بالنسبة لأهداف بطاقة التتبع الفردي للتلميذ وسبل توظيفها والتي ليست،من حيث المبدأ، أداة تقويم، بل هي وسيلة لإعطاء صورة مركبة ومختصرة عن التلميذ اعتمادا على التقويم، وتحديد الصعوبات من خلال التقويمات، وتحديد إجراءات المعالجة وفق درجة الصعوبة أو أثر التعثر.
أما مهام المتدخلين(الأستاذ، مدير المؤسسة، مجلس القسم،خلية اليقظة،المفتش التربوي…) في التتبع الفردي فكان يسودها الكثير من الغموض والتداخل وانعدام الضبط في تحديد المسؤوليات وتوزيع الأدوار بينهم.
– استفحال تفشي ظاهرة الساعات الإضافية والدروس الخصوصية وظهور جمعيات ومؤسسات تجارية تبيع الدعم المدرسي.
– صعوبة وضع وصفات جاهزة و نموذجية للدعم التربوي نظرا:
– لطبيعة البنيات التربوية للأقسام الدراسية،وهي بنيات جامدة وغير مرنة،ولا تسمح بالممرات والجسور،
– الطبيعة التسلسلية للبرامج ،
– تعدد أنواع التعثرات في إنجازات التلاميذ،
– وعدم تجانس مجموعات الدعم الواردة في التشخيص.
– التعثر الذي تعاني منه برامج التوجيه التربوي والمهني والصعوبات المتعددة التي تعاني منها أطر التوجيه .
فضلا عن عوامل ضعف المستوى و الهدر المدرسي التي ترتبط بذاتية التلاميذ سواء ما تعلق منها بشخصيتهم وبقدراتهم الجسمية والعقلية والوجدانية أو بوضعياتهم الاجتماعية (الفقر، الهجرة، الطلاق وتفكك الأسرة، العزلة خاصة في الأحياء الهامشية والبوادي التي تعاني من ظروف الهشاشة…) والتي تؤثر كثيرا في المسار الدراسي للتلاميذ و خاصة من يكون منهم في حاجة لمن يأخذ بيدهم ويواكب تحصيلهم ونشاطهم داخل المدرسة و خارجها.
ثانيا : المستهدفون في نموذج المواكبة التربوية ( لمن ؟)
تشكل الشريحة المستهدفة من برامج هذا النموذج المقترح وعموما من برامج التربية غير النظامية ومن حيث المبدأ ، فئة عريضة من الأطفال المحرومين من الحق في التعليم أي الذين لم يسبق لهم ولوج المدرسة أصلا و كذا المنقطعين عن الدراسة في سن مبكرة و الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة و الأطفال في وضعية صعبة وخاصة أطفال الشوارع، والمشتغلين دون سن ال15 مثل خادمات البيوت والعاملين “كمتدربين” حرفيين وخاصة في الصناعات التقليدية… والأطفال في المناطق الريفية المهمشة ، و نزلاء مراكز حماية الطفولة…
وتتحدث وثائق وزارة التربية الوطنية عن الفئات المستهدفة من برامج المواكبة ، على أساس أن العمل بالمقاربة الوقائية للاحتفاظ بأطفال التربية غير النظامية المدمجين بالتعليم النظامي وتلاميذ المستوى السادس ابتدائي والحيلولة دون انقطاعهم قبل أن ينهوا بنجاح المرحلة الابتدائية، يستدعي تحديد الفئات المستهدفة من برنامج المواكبة التربوية ، وهي :
أطفال التربية غير النظامية المدمجون بالتعليم النظامي؛
الأطفال غير الممدرسين المدمجون بالتعليم النظامي في إطار عملية “قافلة” ؛
تلاميذ المستوى السادس ابتدائي (الفتيات ) خاصة بالعالم القروي.(25% من مجموع المستفيدين).
لكننا نرى ضرورة تعميق وتعميم منظومة المواكبة التربوية لتشمل البرامج الموجهة للتلاميذ العاديين كذلك ، لاعتقادنا بأن جميع التلاميذ بمن فيهم الأقوياء والمتميزين أنفسهم ،في حاجة إلى برامج المواكبة التربوية . بل إن المؤسسات التعليمية ذاتها بجميع مكوناتها ،بما فيها من أطر إدارية وتربوية وفنية… ،في حاجة هي أيضا إلى تتبع ومواكبة وتقويم مستمر . علما بان الممارسات والأدبيات التربوية السائدة حول الموضوع ، بما فيها بعض وثائق وزارة التربية الوطنية ذاتها، تميل إلى حصر دور المواكبة في الأطفال ذوي صعوبات التعلم والذين يعانون من مشكلات…وينتمي في العادة هؤلاء الأطفال إلى الفئات الاجتماعية التي تعيش ظروف الفقر والهشاشة ويحيا أبناؤها في ظروف صعبة.
و تتجه محاولات وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني وفي ضوء المعنى الضيق الذي تتبناه للمواكبة، “لإنقاذ الفئات المهددة بالفشل الدراسي والتسرب” وإن كان بشكل محدود وبنتائج هزيلة فوفقا لإحصائيات الوزارة، بخصوص المستفيدين من برامج التربية غير النظامية بشكل عام ، استفاد مابين السنوات2007-2012 حوالي 251 ألف من الفتيان و الفتيات من فرصة ثانية وعادوا إلى المدرسة ، منهم 81278 إلى السير العادي للتعليم والتدريب (67113 في التعليم الرسمي و 14165 في التدريب المهني) .
وكانت السيدة لطيفة العابدة كاتبة الدولة في التعليم المدرسي سابقا،قد صرحت بأن مجال التربية غير النظامية حقق خلال سنة 2010/ 2011 حصيلة إجمالية تتمثل في 69.273 مستفيد و مستفيدة موزعين كما يلي:
– 46.119 في إطار برنامج الفرصة الثانية بزيادة تمثل 21 %مقارنة مع حصيلة الموسم التربوي 2009 / 2010 و قد ثم إدماج 23.353 مستفيد و مستفيدة منهم 20.068 بالتعليم النظامي و 3.285 بالتكوين المهني.
– 2.717 تلميذة و تلميذ في إطار برنامج المواكبة التربوية الموجه لأطفال الفرصة الثانية المدمجين بالتعليم النظامي.
– 20.437 تلميذة و تلميذ تمت إعادة إدماجهم في المدرسة من خلال عمليات التعبئة الاجتماعية في إطار عملية ” قافلة ” و عملية ” من الطفل إلى الطفل “.(لطيفة العابدة،2011).
وحاليا وحسب إحصائيات رسمية لمديرية التربية غير النظامية ، فإن عدد المسجلين في برامج التربية غير النظامية (موسم 2013 – 2014) ، بلغ كالتالي:
– المسجلون ببرنامج الفرصة الثانية 24 544 ، و المدمجون مباشرة في إطار برنامج المواكبة التربوية بلغوا 286 و المستفيدون من برنامج المواكبة التربوية (الجمعيات) 109.
لكن ما ينبغي التنبيه إليه ونحن نقرأ هذه الإحصائيات التي يصعب فهمها في بعض الأحيان ،هو ضرورة وضعها في إطارها وقراءتها في سياقها الصحيح، فعندما يقال مثلا بأن نسبة الإدماج انتقلت من 5 إلى 34 في المائة من المسجلين، يحق لنا أن نتساءل عن ما معنى الإدماج وما طبيعته وما حدوده وهل كل من وبمجرد أن يسجل في برنامج من برامج محو الأمية أو التربية غير النظامية نقول عنه لقد “تعلم و اندمج”،تعلم ماذا واندمج في ماذا؟ ثم أل 34 في المائة هي من كم ؟ فإذا كانت من 350 ألف من المنقطعين والمطرودين سنويا ،فإن تلك النسبة تبقى أقل من 8 في المائة، خاصة إذا أخدنا بعين الاعتبار عدد المسجلين سنويا في تلك البرامج والذي لا يتجاوز معدل 25 ألف ، والسؤال أين يذهب أزيد من 90 في المائة الباقون؟، وهذا رقم مخيف وحقيقة جد مقلقة.
ونحن هنا لا نسائل مديرية التربية غير النظامية وحدها و المعنية بشكل مباشر بالموضوع، والتي تشتغل معتمدة اعتمادا كبيرا على منشطي ومنشطات الجمعيات المتطوعة والذين لم تسوى لحد الآن أوضاعهم الإدارية ولم يتم إدماج عدد كبير منهم . ومعتمدة كذلك على بعض المتطوعين من مدرسي ومفتشي التعليم العمومي… بل نسائل الوزارة والحكومة ككل و المطالبة حاليا وبسرعة ، بتدارك أزمة التعليم النظامي و غير النظامي ورفع مستواه وتجويد نتائجه والحد مما تفرخه هذه الأزمة من آثار سيئة وخطيرة وإيجاد بالتالي وعلى وجه الاستعجال، مخرجا لأزمة التعليم والعمل بجد و بتضافر جهود كل الوزارات والقطاعات المعنية والخواص والمجالس المنتخبة والجمعيات… للحد من الهدر المدرسي وإيجاد حلول ناجعة لإشكالية الأطفال في وضعية صعبة وإنقاذهم من الضياع.
ثالثا: تطور مفهوم/نموذج المواكبة التربوية
في التعريف الضيق للمواكبة أو المرافقة التربوية ، والذي نعمل حاليا على تحديثه وتطويره، ، يجعل منها نوعا من المساعدة التي تتم خارج المدرسة ،فهي إذن ، نوع من المساعدة اللامدرسية أو اللاصفية، الموجهة للتعلمات، حيث يكون أولياء التلاميذ هم أول المعنيين بها .وفي هذه الحالة نتحدث عن المواكبة الأسرية عندما يجد التلميذ من يتولى أمره داخل الأسرة من طرف الأولياء أو أحد الأقارب، فالأسرة هنا تتكفل بالطفل ، إما لسد الثغرات والصعوبات التي يظهرها أو لتجويد ما اكتسبه من تعلمات أو بكل بساطة لدعمه في عمله المدرسي.
وعادة ما يقدم بهذا الصدد مثال مساعدة الطفل على واجباته المنزلية . فالأسرة تمارس نوعا من الشراكة المعلنة وغير المعلنة مع المدرسة ،بحيث يمارس الفعل البيداغوجي من طرف أفراد ” غير مهنيين ” إلا في الحالة التي يكون فيها الولي هو نفسه مدرسا . علما بأن الأولياء يزداد ميلهم حاليا إلى اللجوء لمن ينوب عنهم مقابل تعويض مادي ليتولى شؤون دعم أبنائهم و مساعدتهم في مراجعة الدروس.و يكون هذا الأخير في العادة من مدرسي التعليم العمومي، و قد يكون طالبا جامعيا وله “مستوى” تعليمي يسمح له بتقديم المساعدة لمن يحتاجها من التلاميذ في مختلف المواد.
لكن ما نلاحظه هو تحول هذا النوع الاستثنائي من “المواكبة” والمساعدة خارج المدرسة ، وبسبب ما تعاني منه المنظومة من تدني في مستوى أدائها ، إلى مصدر شديد الخطورة والإزعاج لانتشار ” سوق مدرسية “حقيقية ، تسمى في العادة “الساعات الإضافية” و”الدروس الخصوصية”. وفي غياب مراقبة مؤسساتية، وأمام ضعف القواعد المنظمة لهذه الدروس والتي من شأنها أن تخفف من الآثار السلبية التي تنتج عن النشاط العشوائي وغير المنظم للممارسات التجارية المرتبطة بهذا النوع من المواكبة ، أصبحت منظومة التعليم تقوم بفتح أبواب مؤسساتها لاستقبال التلاميذ الراغبين في المواكبة والدعم، فتحول ما يحدث خارج المدرسة محفزا لها لكي تعيد حساباتها بخصوص جودة أدائها . فهل يعني ذلك ظهور بوادر تأثير ما هو غير نظامي في النظامي وبداية ما يمكن تسميته “بإصلاح التربية غير النظامية لما تفسده التربية النظامية”؟.
كما تقدم وثائق وزارة التربية الوطنية (مديرية التربية غير النظامية) تعريفا لبرنامج المواكبة التربوية على النحو التالي :
“يقصد ببرنامج المواكبة التربوية ذلك الإطار المتناسق من الخدمات البيداغوجية والاجتماعية والنفسية المحددة في الزمان والمكان، ويستهدف أطفال برامج التربية غير النظامية المدمجين بالتعليم النظامي، والأطفال المدمجين مباشرة، إضافة إلى تلميذات وتلاميذ المستوى السادس ابتدائي المهددين بالانقطاع عن الدراسة، وذلك لتمكينهم من ولوج مختلف الخدمات المقدمة في الوسط المدرسي، بهدف الاحتفاظ بهم داخل المنظومة التربوية، ودعم مسارهم الدراسي.
ويتأسس هذا البرنامج على الوساطة المدرسية من خلال تقديم مساعدات للتلاميذ بهدف:
– الاستفادة من الإمكانات المتوفرة داخل المؤسسة التعليمية وخارجها؛
-التمكن من التعلم الذاتي ؛
– مساعدة الآباء وأولياء الأمور في تتبع المسار الدراسي لأطفالهم.
كما يرتكز هذا البرنامج على مقاربة شمولية (نمائية ووقائية وعلاجية) بالاعتماد على أدوات وآليات واستراتيجيات ملائمة وعلى الشراكة مع المجتمع المدني.
ويعتمد تنفيذ برنامج المواكبة التربوية على أربع أنشطة أساسية يمكن ذكرها كالتالي:
– الوساطة المدرسية؛
– دعم التعلم الذاتي؛
– التكوين الأساس باستهداف الأسر؛
– الأنشطة الموازية.”
(انظر ” دليل إجراءات برنامج المواكبة التربوية”، مديرية التربية غير النظامية، الرباط ،اكتوبر2011).
وعندما نستعرض الأدبيات التربوية الفرنسية حول الموضوع نجدها تنحو نفس المنحى السابق في تعريف المواكبة التربوية ،حيث تؤكد :
” أن المواكبة التربوية L’accompagnement éducatif تستقبل تلاميذ الإعدادي وتلاميذ الابتدائي في التربية ذات الأولوية والراغبين منهم ،بعد الدروس العادية.وتقترح برامجها مساعدة هؤلاء في الدروس وعلى انجاز الواجبات وفي التطبيقات الشفهية للغة الانجليزية وكذلك على ممارسة الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية .انه وقت مستقطع ما بين الأسرة والمدرسة”.
وعموما تستهدف المواكبة التربوية في الممارسات والأدبيات الفرنسية ، تغيير طبيعة العلاقة مع المدرسة ومع المعرفة والتعلم والمساهمة في المساواة وتكافؤ الفرص وذلك بتوفير كل الشروط التي تمكن من تمدرس ناجح.
كما تمكن المواكبة من عرض تربوي إضافي و مكمل ، وتنظم بحيث تستمر مدة ساعتين في اليوم خلال السنة ، وغالبا ما تتم في نهاية اليوم الدراسي ولمدة أربعة أيام في الأسبوع. حيث يتم التركيز في برامجها على :
– المساعدة على الواجبات المنزلية ؛
– الأنشطة الرياضية ؛
– الأنشطة الفنية والثقافية؛
– وفي الإعدادي، التطبيق الشفهي للغات الحية.
هذا وتوزع تلك الأنشطة بشكل متوازن خلال الأسبوع وخلال السنة ،في انسجام مع البرنامج العام الذي تضعه المؤسسة للمواكبة التربوية.
و يؤطر الأنشطة أساسا المدرسون المتطوعون والمساعدون . كما يتم استدعاء متدخلين من خارج المؤسسة والذين يتوفرون على كفايات خاصة، كما تنشط الجمعيات المتخصصة برامج المواكبة وكذا الرياضيين والفنانين وطلاب الجامعات وأطر من الجماعات المحلية .
و يكون من الضروري في المنهاج الفرنسي ،ملاءمة المواكبة التربوية مع غيرها من البرامج الموجودة خارج الحصص من مثل العقود المحلية لمواكبة الدراسة وبرامج النجاح المدرسي ومراجعة الدروس …دون أن تعوضها بالضرورة.
كما يتم إخبار أولياء التلاميذ بعروض المواكبة التربوية التي توفرها المؤسسة وأهميتها بالنسبة
لأبنائهم.. (Anne Mansuy, Jean-Michel Zakhartchouk -2009)
أما بالنسبة لمصطلح الدعم التربوي soutien pédagogique والذي عادة ما يستعمل للدلالة على معنى المواكبة التربوية وان كان بمعناها الضيق لدى بعض الباحثين ،فإنه” مجموعة من الأنشطة و الوسائل والتقنيات التربوية التي تعمل على تصحيح تعثرات العملية التعليمية لتدارك النقص الحاصل و تقليص الفارق بين الأهداف و النتائج المحصلة. كما يعرف الدعم كذلك بكونه مجموعة من الطرائق و الأدوات و التقنيات الخاصة التي تنتهج داخل القسم الدراسي عبر الوحدات و المواد، أو خارجه، في شكل أنشطة تكميلية- تصحيحية، لتلافي ما قد يظهر على المتعلم من صعوبات تعتري سيره الدراسي وهذا التعريف يجعل من الصعب التمييز بين مفهومي الدعم والمواكبة.(انظر محمد الدريج، 1998).
لذلك فإن الدعم في الاصطلاح التربوي كما هو الشأن بالنسبة للمواكبة، هو التدخل البيداغوجي المستند إلى تقنيات و إجراءات، يمكن إتباعها داخل القسم أو خارجه، لسد الثغرات و معالجة الصعوبات، و تفادي الإقصاء و تعزيز فرص النجاح و محاربة الهدر المدرسي ، تروم الأنشطة المرتبطة بالدعم البيداغوجي إيجاد حلول لتعثرات التلاميذ سواء اتخذت شكل أنشطة داخل القسم الدراسي أم كانت أنشطة موازية. و ترتبط هذه الإجراءات والأنشطة بأربع مراحل هي :
1-التشخيص :كإجراء لمعرفة مؤهلات المتعلم و قابليته للتعلم و وتيرته …اعتمادا على مجموعة من الوسائل كالاختبارات؛
2- التخطيط،وضع خطة و برنامج الدعم الملائم باعتماد نتيجة التشخيص ؛
3- التنفيذ، تطبيق الخطة؛
4- و التقويم أي تقويم نتائج الدعم وآثاره، قصد فحص مدى نجاعة الخطة في تجاوز الصعوبات و التعثرات.
هذا ولا نرى مانعا في أن تنسحب هذه الإجراءات على مختلف برامج ومشاريع المواكبة التربوية شريطة أن ينظر إليها بمعناها الشامل الذي نتبناه نحن ونؤسس له.
ولهذا نؤكد نحن في عملنا على إنشاء وتفعيل نموذج/منظومة أشمل للمواكبة التربوية ،منظومة تتجاوز الأساليب و المبادرات المحتشمة لدعم التلاميذ ، وتعمل على تعويضها بإرادة أقوى ، تهدف إلى التكفل البيداغوجي بجميع الأطفال ومواكبتهم نفسيا واجتماعيا وتربويا بمن فيهم من يعاني من مشكلات نفسية واجتماعية وصعوبات في التعلم ، منذ البداية وإلى حين اندماجهم في الحياة العملية ،تكفل يحتاج إلى مقومات وخصائص هامة ، لابد أن تتوفر لدى المدرسين و الإداريين والمشرفين …الذين ينتمون للمؤسسة من جهة ، مع ضرورة توفر مستوى من الإمكانيات المادية والتجهيزات والوسائل لتطوير جودة التعلمات من جهة ثانية .
رابعا : المواكبة التربوية في سياق التربية غير النظامية
إن تعريفنا السالف سيجعل المواكبة التربوية تختلف عن تلك التي تمارس وفي معظم الأحيان عشوائيا على شكل “ساعات إضافية”، خارج إطار المؤسسة المدرسية ، بحيث تقربها من الطابع المؤسساتي للمساعدات البيداغوجية الأخرى.لقد أصبح من الضروري، مع هذا التوجه، إنشاء وتعميم وترسيخ “التربية غير النظامية”، ليس فقط كجهاز إداري له قوانينه و برامجه وأطره بل أيضا وبالأولى، كمفهوم ومقاربة بيداغوجية نعتقد بضرورة سيادتها في منظومة التعليم والتي نؤمن بأهميتها ونأمل أن تساهم في المساعدة على الخروج من الأزمة الحالية.
فلا نستغرب إذن من بوادر انتشار وتعميق الحديث عن برامج المواكبة/المرافقة التربوية ، في إطار التربية غير النظامية في بلادنا ، لذلك سنعمل هنا وللمزيد من بسط للموضوع ، على الحديث عن التربية غير النظامية ، ليس فقط باعتبارها مديرية من مديريات وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ولكن باعتبارها كذلك وأساسا ،مقاربة بيداغوجية ورؤية تربوية شاملة وطموحة ينبغي أن تسود داخل المدرسة وخارجها وفي مجال التربية والتكوين المهني عموما ، حتى نتمكن من إدراك أهمية المواكبة التربوية كنموذج ومنظومة متكاملة والدور الهام الذي نعقده عليها في إصلاح التعليم وتطوير برامجه وتحسين أدائه.
تعرف التربية غير النظامية في العادة ، بالنشاط التربوي-التعليمي المنهجي والمنظم والذي يتم خارج إطار النظام المدرسي الرسمي ومؤسساته وأسلاكه ومناهجه الاعتيادية، وتقدم من خلاله أنواع مختارة من التربية والتعليم لمجموعات فرعية معينة من الأطفال وهم بالأساس الأطفال في وضعية صعبة ، سواء المنقطعين منهم عن الدراسة أو المهددين بالانقطاع أو الذين لم يلتحقوا بها أصلا. هذا وإن كنا سنعود لمناقشة هذا التعريف، نذكر الآن بأن النواة الأولى لهذه المديرية أحدثت في بلادنا منذ عام 1998 وقد أخذت التربية غير النظامية طابعها المؤسساتي للحد من ظاهرة عدم التحاق الأطفال بالمدرسة ، جنبا إلى جنب مع جهود تعميم التعليم الأساسي و بالاعتماد على تعبئة المجتمع المدني حول المدرسة .
وحسب التعريف الدولي المعتمد من طرف اليونسكو ” فإن التربية غير النظامية هي مفهوم ونموذج تربوي منظم ، ينفذ خارج النسق التربوي النظامي ويوفر تعلمات ومهارات محددة لشرائح معينة من الأطفال”.
و تساعد التربية غير النظامية بشكل عام وكما تمارس في العديد من الأنظمة التعليمية ،باعتبارها الذراع الواقي ضد المشكلات التي تفرزها التربية النظامية ، على الحد مبدئيا من معدل التسرب و الهدر، وذلك أساسا من خلال إنشاء نظام مراقبة وبرامج يقظة تربوية في المدارس، مع الانتباه بشكل خاص إلى التلاميذ المعرضين للفشل والانقطاع المبكر ، في محاولة مقاومة الصعوبات التربوية التي تؤثر سلبا في تكوينهم ، وإيجاد الحلول الملائمة لها ، وبهذا يكون مجال التربية غير النظامية في شقيه الاستدراكي و الوقائي ، عرضا تربويا مكملا للمدرسة النظامية من حيث مساهمته في تشكيل حزام وقائي ضد تدني المستوى و الهدر المدرسي و مساهمته في التعبئة الاجتماعية حول التمدرس ، وبتوفيره فرصة ثانية للتربية الأساسية للأطفال غير الممدرسين. (مديرية التربية غير النظامية -وزارة التربية الوطنية، 2011).
وكما هو معلوم فقد عرفت بلادنا تاريخيا ،مجموعة من أنماط التربية والتعليم تمارس خارج الإطار النظامي مع فئات من الأطفال أو الكبار الذين لا يلجون المعاهد والقنوات النظامية للمعرفة ويستفيدون من قنوات أخرى من مثل المسيد (الكتاب القرآني)، المساجد، الزوايا، الجماعات الحرفية….
وهكذا بالاستناد إلى تلك التعاريف ، يعتمد نظام التربية غير النظامية عموما في العديد من الأنظمة التعليمية بما فيها نظامنا ،على عنصرين/إجراءين رئيسيين هما:
أولا تدخل وقائي : عبر برامج اليقظة التربوية، بتشجيع استباق و مكافحة التسرب من المدارس من خلال إنشاء نظام للمراقبة وخلايا اليقظة في المدارس و العمل مع الجهات الفاعلة الأخرى من خلال التوعية و التعبئة الاجتماعية لتعميم التمدرس والحد من مظاهر الهدر المدرسي. ومن البرامج الوقائية:
1- برنامج المواكبة التربوية (بمعناها الضيق والسائد في الوزارة): والذي يستهدف مساعدة المدمجين حديثا في التعليم غير النظامي لمسايرة دراستهم ومواكبة التلاميذ بالوسط القروي عند انتقالهم من الابتدائي إلى الإعدادي.
2- برنامج الدعم التربوي: ويعتمد على آلية اليقظة التربوية بالمؤسسات الابتدائية والإعدادية (خلية اليقظة التربوية، دفتر التتبع الفردي للتلميذ، حصص الدعم البيداغوجي).
وللتذكير فقد مكنت هذه البرامج في بلادنا حسب الإحصائيات الرسمية ولحد الآن، أزيد من 611 ألف طفل وطفلة من الاستفادة من فرصة ثانية للتربية والتكوين ، بمعدل سنوي يناهز 38 ألف طفل وطفلة، وإدماج 110 آلاف بالتعليم النظامي أو التكوين المهني، بنسبة إدماج انتقلت من 5 في المائة موسم 1998/1999 إلى 34 في المائة من المسجلين خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
ثانيا تدخل علاجي : ويكمن فيما توفره مديرية التربية غير النظامية من مدارس وأقسام الفرصة الثانية وبرامج ومنشطين وكتب مدرسية ملائمة…لفائدة الأطفال المنقطعين من أجل إعادة إدماجهم في منظومة التعليم، تنفذ بشراكة مع جمعيات المجتمع المدني ، لإعادة إدماجهم في المسار التربوي الذي انقطعوا عنه مبكرا .
و تتضمن البرامج العلاجية:
1- برنامج سلك الاستدراك وينفذ بالمؤسسات التعليمية وبالتعاقد مع الجمعيات لتأمين تمدرس المنقطعين حديثا.
2- وبرنامج الفرصة الثانية والذي ينفذ بواسطة شراكة تعاقدية مع الجمعيات أو بالاحتضان لتربية وتكوين الأطفال غير الممدرسين أو المنقطعين عن الدراسة وذلك خلال مدة تستغرق ثلاث سنوات، ويستهدف هذا البرنامج إعادة الإدماج في التعليم النظامي أو في التكوين المهني.
خطاطة بالأسئلة/العناصر الأساسية في
نموذج/منظومة المواكبة التربوية
خامسا : الأسس والخلفيات البيداغوجية لنموذج “المواكبة التربوية “
1– المنهاج المندمج كأساس بيداغوجي لنموذج المواكبة التربوية
الأساس الأول الذي استندنا عليه في بناء نموذج/منظومة المواكبة التربوية، يكمن في “المنهاج المندمج للمؤسسة”الذي اقترحناه منذ أوسط التسعينات من القرن الماضي، والذي ينطلق من الإيمان بضرورة الربط بين مفهوم الدمج والاندماج وبالتالي تبني مفهوم جديد تركيبي يختلف مع بعض المفاهيم السائدة حوله ، ومنها على وجه الخصوص المفهوم الذي وضعه المجلس الأعلى للتربية في كيبك بكندا وهو المفهوم الذي تبنى عليه بعض مقاربات المنهاج الدراسي ،مثل مقاربة بيداغوجيا الإدماج، والذي يعرفه بكونه ” السيرورة التي يربط بها التلميذ معارفه السابقة بمعارف جديدة، فيعيد بالتالي بناء عالمه الداخلي، ويطبق المعارف التي اكتسبها في وضعيات جديدة ملموسة”. (كزافييه روجيرس -2007).
لكننا نقترح في تصورنا للمنهاج الدراسي، أن يتسع مفهوم الاندماج حتى لا يبقى محصورا في جانب واحد من النشاط الذهني للمتعلم وهو إدماج الموارد و المكتسبات.لأن ذلك في نظرنا عيب يسقطنا في أساليب تقنية تجزيئية وسلوكية .
يركز الاندماج المقصود في تصورنا للمنهاج و الذي نقترحه كخلفية نظرية لتنظيم برامج المواكبة التربوية، على الأبعاد الاجتماعية و الغايات الشمولية التي ينبغي إظهارها وتوظيفها منذ البداية ، سواء في محتويات البرامج او في طرق وأساليب أدائها و في طبيعة الأنشطة الموازية او في مشاريع المؤسسة وغيرها والتي ينبغي ان تعزز ما تستهدفه المدرسة من اندماج حقيقي في المجتمع بشكل شمولي .
لذلك فإننا قدمنا ، تصورا أكثر شمولية ، في إطار “المنهاج المندمج للمؤسسة” والذي يتسع فيه مفهوم الاندماج (نظريا وعمليا) ليشكل نسقا متكاملا . من بعض مميزاته أنه يمنح على سبيل المثال، المناطق والمؤسسات والجهات، سلطة( حرية) تعديل ومواءمة المقررات الدراسية، للاحتياجات والخصوصيات المحلية مع احتفاظها بالأسس المشتركة في المنهاج الوطني العام أي نسمح للمدرسين والقائمين على التعليم عموما بنوع من المرونة بدل النمطية والأحادية اللتان تميزان كلا من بيداغوجيا الأهداف و بيداغوجيا الاندماج، شريطة خلق نوع من التوازن بين المستوى الوطني والمستوى الجهوي. وهكذا و بالإضافة إلى وجود منهاج رسمي و وطني عام و موجه لجميع التلاميذ في مختلف الأقاليم، هناك نوع من المنهاج ” المعدل ” أو المكيف و هو المنهاج الذي يلائم خصوصيات المؤسسة و الخصوصيات الاقتصادية و الثقافية للمنطقة واحتياجات سكانها، و يسهم، بشكل مندمج، في إعطاء معنى لما تروجه المؤسسات التعليمية من نتائج تعليمية تعلمية و كفايات/ملكات تدريسية مختلفة؛ التي تسعى المؤسسة التعليمية إلى تحقيقها. ( محمد الدريج،2005).
2- مقاربة “التربية غير النظامية “كمنطلق لتأسيس نموذج المواكبة التربوية
لعل من أهم النتائج التي انتهينا إليها في دراساتنا هذه، ضرورة اعتماد التربية غير النظامية كمقاربة بيداغوجية في نظام التربية والتكوين وفي مختلف الأنشطة والبرامج و ليس فقط باعتبارها إدارة مركزية في وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني . مقاربة تساهم في توجيه جميع أساليب وممارسات المتدخلين في التربية غير النظامية وتكوين وتدريب المنشطين في الجمعيات المتدخلة والمتعاونة وعموما لجميع الأطر الإدارية والتربوية في مختلف مؤسسات التعليم،وحثهم على نهج الأسلوب البيداغوجي الذي يستند على روح ومبادئ وفلسفة التربية غير النظامية، التي هي السمات الرئيسية لهذه التربية والتي نعتقد بضرورة تعميمها لتشمل التربية النظامية ذاتها.
وكما هو معلوم فإن المقاربة Approche البيداغوجية هي تصور ناظم لمجموع ممارسات التعليم و التعلم؛ تصور يربط على نحو نسقي بين التوجهات التربوية المؤطرة للمناهج ومكوناتها، بما فيها من أهداف و علاقات تربوية و وسائل و وسائط معتمدة في التدريس و أنشطة التقويم و الدعم… وتعتبر المقاربة البيداغوجية بشكل عام، كموجه ينظم الوضعيات التعليمية -التعلمية ،من أجل بلوغ غايات محددة. لذلك ترتكز على إستراتيجية يتم بمقتضاها معالجة المشكلة أو تحقيق هدف معين، باعتماد إجراءات و استخدام صيغ و وسائل تطبيقية. (عبد اللطيف المودني – ماي 2010).
ويمكن إجمال خصائص ومميزات مقاربة “التربية غير النظامية” باعتبارها الأساس البيداغوجي و الديداكتيكي لنموذج المواكبة التربوية ، في النقاط التالية:
1 – التفاعل والتكامل المتوازن بين الأبعاد والجوانب المختلفة المستهدفة في شخصية المتعلم :
وهي الجوانب العقلية/المعرفية والوجدانية/الاجتماعية و الحسية الحركية/ المهارية … المستهدفة في برامج وأنشطة التربية والتعليم والتكوين.
2 – كما أن مقاربة التربية غير النظامية، تستند على مبدأ المشاركة و التي تركز على المتعلم و المتدرب وعلى إشراكه الفعلي في أساليب وطرق تعليمه وتدريبه.كما تركز على دعم العلاقة والتكامل بين التعلم الفردي و التعلم الجماعي وإحداث مجموعات العمل وتشجيع الشراكة والعمل الجماعي ، والتواصل.
3 – وهي عملية شاملة تركز على سيرورة العمل وليس فقط على النتائج والمحصلة النهائية.كما تنبني على توظيف الخبرة وعلى متطلبات الحياة اليومية و العمل ، الموجهة نحو الممارسة والتطبيق ، وعلى الممارسة و التجربة / الاختبار والتطبيقات و الخرجات والاحتكاك بالواقع (الطبيعة و المجتمع) والرحلات واللقاءات الثقافية.
4- احترام التعدد والتنوع والخصوصيات الثقافية لمختلف فئات التلاميذ ولأسلوبهم في التعلم و وتيرتهم واعتماد مبادئ التكامل و التلاقح الفكري و الثقافي.
5- تقوية روح التضامن والعمل التطوعي وقيم التعاون والأثرة والتسامح والانفتاح على الآخر و ترسيخ مبادئ التضحية وروح المواطنة والتكافؤ و السلوك الديمقراطي.
3 – مدخل التدريس بالكفايات/ملكات
كما تستند برامج المواكبة التربوية على إدماج المقاربة بالكفايات/ملكات. لأن هذه المقاربة تعتمد على تعلم أكثر نشاطا وأكثر واقعية وأكثر دواما. وهو واحد من العناصر الرئيسية للإصلاحات الحالية لمسايرة نظامنا التعليمي لاحتياجات عصرنا.
إن التدريس الذي يتأسس على مفهوم الكفايات/ملكات ، لا يتناول شخصية التلميذ تناولا تجزيئيا . ما دامت الكفاية/ملكة ككيان نفسي داخلي مركب ، تفترض الاهتمام بكل مكونات شخصية المتعلم ، سواء على المستوى العقلي أو الوجداني أو الحسي الحركي و المهاري بشكل مندمج. إن الكفاية تيسر عملية تكييف الفرد مع مختلف المواقف والصعوبات و المشكلات التي يفرضها محيطه وتفرضها مقتضيات الحياة، و التي لا يمكن أن يواجهها من خلال جزء واحد من شخصيته ، بل بالعكس من ذلك ، فإن تضافر مكونات الشخصية ، أي المعرفة و العمل و الوجدان ،هو الكفيل بمنح الفرد القدرة على مواجهة الوضعيات والمستجدات و التغلب على التحديات .
سادسا: طرق وأساليب لتجويد العملية التعليمية
والرفع من فعالية نموذج المواكبة التربوية (بأية وسيلة؟)
تستند مقاربة “التربية غير النظامية”، التي ينبغي أن ينهل منها نموذج المواكبة التربوية باعتبارها خلفيته البيداغوجية ،على ضرورة تطوير التدريس بتوظيف طرق حديثة وأساليب متطورة، ومن أهمها :
1-الربط في المنهاج بين المعرفة النظرية و المعرفة التطبيقية:
من القواعد التي نستند عليها في مقترحنا ،نجدها في البحث عن الأسلوب الأمثل لتطبيق المنهاج في الأقسام والمدارس والذي يتمثل فيما يعرف في العادة بالمنهاج النشط. يقوم هذا المنهاج على تثبيت مكتسبات التلميذ بواسطة مواجهة المواقف المشخصة وحل ما تتضمنه من مشكلات وليس بواسطة تجميع المعلومات وتكديس الإجراءات(العمليات) دون أن يعرف التلميذ كيفية توظيفها في حياته اليومية ، وسرعان ما ينساها .
أما أساليب التدريس التي ينبغي اعتمادها كذلك، انسجاما مع مبادئ هذه التربية الحديثة، فتنطلق من أهمية التعليم عن طريق مجموعة من الأنشطة الاجتماعية والفنية والثقافية والرياضية والتي تشكل دعامة أساسية من دعامات المواكبة التربوية. أنشطة ذات أغراض تربوية معدة بشكل منظم ، تمكن كل تلميذ من المشاركة الايجابية ، و تساعده في نموه الشخصي والاجتماعي ، و السماح له بالتجريب. ومن هنا تصبح المدرسة مضطرة لاستخدام مواقف/وضعيات الحياة الحقيقية في التعليم ولا تتركها إلى الدراسة النظرية- الأكاديمية، فتتحول المدرسة إلى معمل اجتماعي يتم فيه التعلم عن طريق الخبرة بدلا من التعلم الشكلي.
ومن هنا تصبح المدرسة ملزمة باستخدام مواقف الحياة الحقيقية في التعليم ولا تتركها إلى الدراسة النظرية- الأكاديمية، فتتحول المدرسة إلى معمل اجتماعي يتم فيه التعلم عن طريق الخبرة بدلا من التعلم الشكلي والذي يكتفي بتكديس المعارف وشحن الذاكرة.
2- طريقة حل المشكلات :
والتي تلائم اللجوء إلى نموذج الكفايات/ملكات. وتتلخص هذه الطريقة في اتخاذ إحدى المشكلات ذات الصلة بموضوع الدراسة محورا لها ونقطة البداية في تدريس المادة . وذلك من خلال التفكير في هذه المشكلة وعمل الإجراءات اللازمة وجمع المعلومات والنتائج وتحليلها وتفسيرها، ثم وضع المقترحات المناسبة لها ويكون التلميذ قد اكتسب المعرفة العلمية وتدرب على أسلوب التفكير العلمي، مما يؤدى إلى إحداث التنمية المطلوبة لمهاراته العقلية وتقوم هذه الطريقة على الخطوات التالية:
ـ الإحساس بالمشكلة وتحديدها.
ـ جمع البيانات حول المشكلة من مصادرها المختلفة.
ـ فرض الفروض، أو بدائل حل المشكلة.
ـ وضع خطة لاختبار صحة الفروض.
ـ اختيار الفرض الصحيح والوصول إلى الحل. (محمد غنيم – 2010).
3- كما تقوم المقاربة التي ينبغي اعتمادها في منظومة المواكبة التربوية ،على اعتماد “المشروع الشخصي للتلميذ” ، والذي يجعل منه محورا لجميع العمليات التربوية كما يؤهله ليكون فاعلا حقيقيا في بناء حاضره و توجيه مستقبله و ذلك من خلال استنفار كل طاقاته الدافعة. إنه يتخذ شكل سيرورة يدير الفر د بواسطتها، على المستوى النفسي، ضرورة تكييف تطلعاته و قدراته مع الفرص المتاحة و جعل حظوظ النجاح إلى جانبه و وضع و تطبيق الاستراتيجيات الملائمة رغم نسق المعيقات الذي يحيط به… لا يخضع المشروع الشخصي للتلميذ للتجزيء لكونه يندرج في سياق عام يعني المجتمع على العموم و مؤسسات التربية و التكوين على الخصوص، إنه يتمحور حول الفرد لكنه يعني الجماعة كذلك.
إن المشروع الشخصي للتلميذ يشكل حلقة تفاعل مجموعة من الأبعاد النفسية و التربوية و الاجتماعية، و تفاعل جهود عدة متدخلين، إذ بالإضافة إلى كون التلميذ محور العملية التعليمية ، يبرز دور الفاعلين التربويين و الأسرة والذين يشكلون أقطاب المواكبة. و يعتبر بناؤه عملية معقدة قابلة للتطوير بشكل مستمر حيث تناط بعملية المواكبة مهام أساسية باعتبارها عملية مستمرة تهم السهر على إعداد و تنفيذ المشروع الشخصي للتلميذ في نطاق تكوينه و اندماجه المهني و الاجتماعي .
4- اعتماد المجزوءات في تحضير الدروس وانجازها :
التدريس بالمجزوءات شكل من أشكال التعليم يعتمد على وحدات و ينطلق من فرضيات من أهمها:
– أنه ليس هناك تلميذان لهما نفس إيقاع التعلم و يملكان نفس المواصفات و المكتسبات،
– وأنه ليس هناك تلميذان مستعدان للتعلم في نفس الوقت و يحلان المشكلات بنفس الطريقة.
لأن تنفيذ المنهاج يقتضي مفصلته إلى مجزوءات لتجاوز صلابة وتعقيد البرامج التقليدية ، قصد تلبية حاجات المتعلمين و إكسابهم ما ينقصهم من كفايات /ملكات ومهارات و تسمح لهم بتنمية قدراتهم التعلمية الذاتية و إصدار الأحكام و التواصل و العمل في مجموعات و تحمل المسؤوليات.. (عبد الكريم غريب و البشير اليعقوبي-2003)
إن المجزوءة شكل تعليمي يسمح للمدرسين من اختيار و تنظيم مجموعات التلاميذ و انتقاء أهداف تعليمية و تنظيمات تربوية و ديداكتيكية تتماشى و حاجات التلاميذ ومستوياتهم و وتيرتهم في التعلم ، و يذهب البعض إلى أن المجزوءة وحدة تعليمية- تعلمية متكاملة بكل مقوماتها التربوية تخدم موضوعا معينا، و هي مفرعة إلى محاور و دروس بقصد التبسيط و توحيد الرؤية. (محمد الدريج وجمال الحنصالي وآخرون – 2012)
5- اعتماد نظام الوصاية:
تعتبر الوصاية/ الوساطة tutorat” ” أحد المستجدات في المجال التربوي والتي تهدف إلى تحسين جودة تعليم و تكوين التلاميذ بإعلامهم وتوجيههم للرفع من قدراتهم وملكاتهم وإمكانية مشاركتهم في بناء مسارهم الدراسي والمهني عن طريق التركيز على التعلم الذاتي و العمل الشخصي.
وتمكن الوصاية من فضاء حوار بين التلاميذ والوصي تقدم فيه إجابات مناسبة عن موضوعات مختلفة كما تقدم تعليما متفردا ومرنا ، على أن الوصاية/الوساطة لا تعني تقديم الإجابات لكل المشكلات بل تقديم التوجيه والإرشاد الضروريين لتحسين التعلمات إنها مساعدة مشخصة تتم خارج الحصص الدراسية الرسمية . (Alain Baudrit -2002)
إن الأدوار المنوطة بالوصي /الوسيط المدرسي والذي قد يكون مدرسا أو أبا أو أحد أفراد العائلة أو أحد المتطوعين من جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالدعم والمواكبة، تتلخص في مكافحة ظواهر التعثر والفشل و الهدر المدرسي، عبر دعم التلاميذ للتغلب على العوائق التي تعترض مراحل تعليمهم، التي يواجهونها في حياتهم الخاصة والأسرية والمدرسية والاجتماعية، ومساعدتهم على اكتساب الثقة في أنفسهم، وتمكينهم من فهم طبيعة المشاكل المتواجدة بمحيطهم السوسيوثقافي، كما تساهم في إقناع المتعلمين بقيم التسامح والمواطنة ونبذ قيم التطرف المختلفة، كالعنف والانحراف.
ويمكن أن تنشط المواكبة التربوية التي سيمارسها الوصي من خلال :
– مواكبة التلاميذ في مسارهم الدراسي عن طريق التكفل والعناية ببعض تعثراتهم وصعوباتهم في التعلم، و دعمهم في اكتساب مناهج وتقنيات العمل الضرورية لنجاحهم.
– تعريف التلاميذ بالمناهج الحديثة في البحث المكتبي والالكتروني والتحكم في استعمال التقنيات متعددة الوسائط.( رشيد بن بيه ، 2010).
– تعريف و شرح نظام “مسار” وغيره من الأنظمة المعتمدة….الخ
– مساعدة التلاميذ في تنظيم أعمالهم الشخصية (مراجعة الدروس، تحضير التمارين، إعداد البحوث والمشاريع الشخصية والإطلاع على المراجع…الخ).
– الاستماع للتلاميذ لخلق وبناء علاقة وجو من الثقة بينهم وبين الوصي من خلال تقديم الدعم والنصائح الشخصية.
– التقليص من حجم الشعور بالانطوائية والإحباط ومشاعر العجز والفشل لدى بعض التلاميذ بمحاولة تشجيعهم وإعطائهم نظرة إيجابية عن إمكانياتهم وعن المستقبل.
هذا ويمكن أن يمتد و يتعزز دور الوصي ليتكامل مع مهام خلايا اليقظة ولينصهر في وظائف مركز الاستماع والوساطة و والتي يمكن اختصارها على النحو التالي :
– يهدف مركز الاستماع والوساطة المدرسية إلى مساعدة التلاميذ على اكتشاف ذواتهم ومعرفة خصوصياتها،
– ودراسة جوانب شخصيتهم الجسدية والنفسية والعقلية والاجتماعية، ويسعى إلى تشخيص مشاكلهم، وتحديد حاجياتهم بتوظيف خبراتهم الحياتية ورصد الفرص الموضوعية المتاحة لهم،
-علاوة على المساهمة في إكسابهم صحة نفسية تساهم في بناء جسور للتواصل مع الآخرين في مؤسستهم التعليمية وفي محيطهم الأسري والاجتماعي،
– و توعية المتعلمين بحقوقهم وواجباتهم من خلال علاقتهم بالمتدخلين في حياتهم المدرسية خاصة وحياتهم اليومية عامة،
– ومساعدتهم على تقويم سلوكاتهم وممارساتهم، عبر الاستماع إليهم ومعرفة حاجياتهم، ومساعدتهم على التكيف والاندماج والتوافق في الحياة المدرسية كخطوة أساسية للاندماج في المجتمع (محمد الشيخ بلا ،2011) .
6- تدريس الرفاق :
وهو أسلوب في التدريس تقوم فيه مجموعة من المتعلمين بتدريس مجموعة أخرى دون تدخل المدرس ويفترض أن تكون المجموعة الأولى متفوقة أكثر في إنجاز الأهداف التعليمية ويؤدي هذا النوع من التدريس إلى المزيد من التفاعل والواقعية لدى المتعلمين. ويشتمل على تلاميذ يتعلمون من و مع بعضهم البعض في طرق تؤدي إلى المنفعة المتبادلة التي تنطوي على تبادل المعارف و الأفكار و الخبرات بين المشاركين. و ينصب التركيز على عملية التعلم ، بما في ذلك الدعم العاطفي الذي يقدمه المتعلمون لبعضهم البعض و بقدر التعلم نفسه. و لكن هذا النوع من التدريس لا يمكن أن يكون بديلا للتدريس الذي يقدمه المعلم (1987- Vivian De landSheer) .
7- الأنشطة الموازية (اللاصفية) :
وهي الأنشطة التي تجري خارج القسم (غرفة الصف) سواء أكانت داخل المدرسة أم خارجها. والتي تشكل كما هو معلوم ، أداة جد فعالة في تكوين شخصية التلاميذ و تقويتهم وتحصينهم فضلا عن أهميتها في مواكبتهم ومن الأنشطة اللاصفية المسابقات الثقافية والمقابلات الرياضية و ورشات القراءة والفنون من موسيقى ورسم وعمل نماذج للأشياء…و خرجات وزيارة المعارض والمتاحف والمعالم الأثرية والمصالح الإدارية والمقاولات… (محمد الدريج وجمال الحنصالي وآخرون -2012).
هذا وتلح برامج المواكبة التربوية كما تتصورها مديرية التربية غير النظامية ، على أهمية الأنشطة الموازية ، فتحث على تمكين التلاميذ ،خارج المدرسة وفي داخلها، من الاستفادة من الأنشطة الموازية التربوية منها والترفيهية، وتتمثل هذه الأنشطة في:
• الزيارات الميدانية الدراسية؛
• الخرجات الترفيهية؛
• المحاضرات والندوات؛
• المخيمات الربيعية والصيفية ( مديرية التربية غير النظامية، وزارة التربية الوطنية -2011) .
ويمكن أن نضيف إلى كل هذه البرامج والأنشطة تلك المتعلقة بالتكنولوجيات الحديثة ، خاصة ما ارتبط منها بالمعلوميات والعالم الرقمي وتعدد الوسائط والتوثيق.ذلك أن المواكبة التربوية يمكن ان تشمل وتوظف هذه الأنشطة سواء في البيت أو في مراكز التوثيق والإعلام …
سابعا : تنظيمات تربوية للمواكبة الخاصة
بالتلاميذ ذوي صعوبات واضطرابات التعلم
تتعدد التنظيمات التي يمكن إحداثها بالمدارس لتطبيق المواكبة التربوية الخاصة بالتلاميذ ذوي صعوبات واضطرابات التعلم ، وذلك بتعدد أنواع ومستويات هذه الصعوبات والاضطرابات ، ويمكن اختصارها في الحالات (التنظيمات التربوية) التالية:
1- حالة التلميذ الذي يعاني من تعثر (صعوبة) طارئ و مؤقت:
قد يكون نتيجة غياب عن الدروس لبضعة أيام أو بسبب شرود
وعدم انتباه غير معتاد … و في هذه الحالة يلزم إعادة الشرح
أو التمارين أو مراجعة المواضيع و المسائل التي لم يفهمها و لم يستوعبها هذا التلميذ بالذات .
2- حالة التلميذ المتعثر الذي يعاني من صعوبة بسيطة وفي إطار الأنشطة العادية للقسم :
في هذه الحالة ننصح المدرس بتقديم مساعدة مشخصة للتلميذ و ذلك بإعادة و بشكل أكثر تفصيلا و تبسيطا، الشروح التي لم يتمكن من استيعابها. و هذه المساعدة تتوقف بمجرد أن يتمكن التلميذ من اللحاق بزملائه.
كما يمكن للمدرس أن يشكل مجموعات مؤقتة على أساس مستوى التلاميذ بالنسبة لبعض الأنشطة ( في اللغة مثلا أو الرياضيات ) .
يقوم التلاميذ في إطار هذه المجموعات بأنشطة تعليمية- صفية من مثل إنجاز تمارين بسيطة ، حتى يضمنوا تحصيل المعلومات الأساسية ، و ذلك لمدة نصف ساعة يوميا و ساعتين في الأسبوع على أكبر تقدير .
3- تشكيل مجموعات قارة للمستوى :
كما يمكن للمدرس أو لإدارة المدرسة ،اللجوء إلى تشكيل مجموعات قارة للمستوى في القسم الواحد ، حيث يتبين وجود عدد مهم من التلاميذ الذين يبدون تعثرا و ضعفا أو يعانون من صعوبات في التعلم، و يحتاجون إلى دعم ومواكبة طويلة الأمد تمتد خلال سنة كاملة .
4- إحداث أقسام المستوى :
كما يمكن اللجوء عند الضرورة ،إلى إحداث أقسام كاملة للمستوى ، إذا تبين أن مجموع تلاميذ القسم الواحد ، لا يمكنهم مسايرة التعليم العادي ، شريطة أن يعود التلميذ المستفيد من مجموعة المستوى أو قسم المستوى ، للاندماج مجددا في التعليم العادي بشكل تلقائي كلما تمكن من تحصيل ما فاته و بالتالي اللحاق بزملائه .
5- تدخل مجموعة الدعم النفسية – التربوية :
أما في الحالة التي يبدي فيها التلميذ صعوبات خاصة لا يمكن للمدرس مواجهتها و علاجها ( افراط في الحركة ، سلوك غير ناضج ، التشتت وضعف الانتباه أو الميل إلى العزلة وعدم المشاركة، أو اضطرابات في النطق والكلام أو عدوانية…)، فعند ذلك تتم الاستعانة بمجموعة من المتخصصين من مثل الأخصائي النفس – مدرسي و المتخصصين في إعادة التربية على أن تتم عملية التدخل على النحو التالي :
– يشرح المدرس للأخصائي النفسي (المرشد النفسي أو الاجتماعي)، طبيعة الصعوبة أو الصعوبات التي يعاني منها التلميذ .
– يفحصه الأخصائي النفسي للبحث عن الأسباب و اقتراح الحلول .
– أما المتخصص في إعادة التربية فسيحاول علاج الصعوبة (المشكلة) بما يلائم من أنشطة و تداريب. على أن تمارس إعادة التربية هذه ، داخل المدرسة و خلال أوقات الدراسة .
6- حالة التلميذ الذي يعاني من صعوبات خطيرة :
إذا لم تكن حصص الدعم والمواكبة الخاصة في إطار توزيع الزمن العادي كافية لتدارك التخلف لدى التلميذ ، ففي هذه الحالة يمكن أن يوجه التلميذ و منذ مرحلة روض الأطفال إلى المؤسسات المتخصصة .
و يقوم بتشخيص حالات عدم التكيف/التوافق (عيوب النطق والكلام ، الحركة المفرطة،العدوانية ، نوبات الغضب ،السرقة، الإتلاف والتخريب ، التوحد،الهرب …) كل من :
ـــ المدرس ؛
ـــ الأخصائي النفسي ( المرشد…) ؛
ـــ طبيب قسم الصحة المدرسية .
تقوم لجنة التربية الخاصة أو مجموعة الدعم (أو خلية اليقظة) سواء على مستوى الروض أو الابتدائي بدراسة ملفات الأطفال غير المتكيفين دراسيا ، و ترشد الأسر و تساعدها على مواجهة المشاكل التي قد تطرح نتيجة تغيير التلميذ للمؤسسة مثلا ، و تقرر بموافقة المدرسة ، نقل التلميذ إلى مؤسسة خاصة .
7- التلاميذ ذوو الاحتياجات الخاصة (المعوقون ):
في هذه الحالة يمكن أن تواجه المدارس ثلاثة أنواع من الإعاقة:
ـــ إذا تعلق الأمر بإعاقة خفيفة و بالإمكان علاجها ، يوجه التلميذ في هذه الحالة إلى قسم التوافق سواء في الروض أو في التعليم الابتدائي . و يتألف هذا النوع من الإعاقة عموما ، من صعوبات في النمو الجسمي أو العقلي أو الانفعالي (ألعلائقي)
و في نهاية كل سنة دراسية تقوم المؤسسة بجرد عام للتقدم الحاصل و تقرر فيما اذا كان التلميذ سيستمر في الاستفادة من قسم التوافق .
النوع الثاني من الإعاقة هي الإعاقة الكبيرة والمستمرة نسبيا وفي هذه الحالة يوجه التلميذ نحو قسم الإصلاح أو للتعليم الخاص حيث يتلقى تعليما ملائما.
– أما إذا تعلق الأمر بأطفال يعانون من إعاقة خطيرة ( مثل حالات العته في الضعف العقلي أو إعاقة حسية مثل الصم/البكم ) ففي هذه الحالة يوجه الطفل نحو مؤسسة طبية تربوية لإعادة التربية والتربية الحسية الحركية. ( محمد الدريج – 1998).
ثامنا : أدوات العمل في برامج المواكبة التربوية
(بأية وسيلة ؟)
من بين أهم الأدوات والوسائل التي يمكن اللجوء إليها قبل الشروع في وضع برامج المواكبة ، نذكر:
1- الاختبارات النفسية والتربوية (اختبارات الذكاء والميول المهنية ،اختبارات الشخصية ،اختبارات التحصيل…).
2- الملف التراكمي أو دفتر التتبع الفردي للتلميذ، ويضم : – ملخصا عن إنجاز كل تلميذ في كل مادة (تقارير الأداء – المشاركات المتميزة لكل تلميذ …)؛ -يقوم مدرس كل مادة دراسية بإعداد ملخص إنجاز لكل تلميذ في نهاية العام ، يبين فيه جوانب القوة والضعف في إنجاز التلميذ في كل مادة . تقرير لجنة اليقظة ومتابعة التحصيل الدراسي .
3- تقرير الأخصائي الاجتماعي و المرشد النفسي أو الطبيب المختص في حالة كون التلميذ يعاني من مشكلة اجتماعية أونفسية أو صحية؛
البطاقة الشخصية للتلاميذ المعدة من قبل الوزارة ؛
4 – الحرص على إعداد ملف أعمال التلميذ portfolio ،يتم فيه رصد إنجازات التلميذ الكتابية والفنية والعملية المتنوعة التي توضح اكتسابه لملكاته المتنوعة ، وإنجازه للأهداف الموضوعة، كما يتضمن ملاحظات المدرس الوصفية أو صور وشرائط فيديو …حول بعض الأعمال التي يصعب وضعها في الملف، ويتم إرسال هذه الملفات إلى الأولياء في نهاية كل فترة أو فصل مع تقارير الأداء، هذا إضافة إلى الملف التراكمي الخاص بكل تلميذ.
5- كما يمكن أن تشكل بعض البرامج المعلوماتية والتواصلية ،أدوات لتتبع نشاط التلاميذ ومواكبتهم ومن أهمها “برنامج مسار”وهو في عمقه أداة للمواكبة التربوية بامتياز ، برنامج اعتمدته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في بلادنا ، بالتنسيق مع شركة مايكروسوفت، بغية إتاحة فرصة للآباء والأمهات لمراقبة أبنائهم وتتبع أدائهم أثناء فترة الدراسة. و تقييم العملية التعليمية للتلاميذ حيث يعمل البرنامج عبر الانترنت من خلال موقع ويب، تم اعتماده من الوزارة لمواكبة حصيلة التلاميذ بشكل مباشر ،سريع ، دقيق وفعال ، يمكن أولياءهم من معرفة نتائج الجهود التي يبذلونها في المدرسة ورصد عدد حصص الغياب والحضور ومعرفة أوقات امتحاناتهم ونقاط المراقبة المستمرة بالإضافة … (موقع وزارة التربية الوطنية، “مسار”،منظومة التدبير المدرسي،2014).
والحقيقة أن أغراض “منظومة مسار” ،تتجاوز مسالة الدرجات والاختبارات، ذلك أن “مسار” هو أساسا منظومة للتدبير المدرسي، منظومة معلوماتية متكاملة للنظام المدرسي، تستجيب لوظائف تدبير العملية التعليمية ، من زاوية الموارد البشرية، وتقويم تعلمات التلاميذ ونتائجهم المدرسية، وحركيتهم، وحياتهم المدرسية من جميع الجوانب، كما يتيح فرص التواصل مع الفاعلين في العملية التعليمية، وفضاء للخدمات الإلكترونية لفائدة أسر التلاميذ لأجل تتبع الحياة المدرسية لأبنائهم؛ تعزيزا لدور الحكامة في النظام التربوي.
كما تسعى “منظومة مسار” إلى إرساء طرق عمل جديدة للتدبير والتواصل بالمؤسسات التعليمية من خلال مكونين أساسيين:
أولهما يتمثل في التدبير المعلوماتي للمؤسسات التعليمية، ويخص التتبع الفردي للتلاميذ (مواكبتهم تربويا) وتدبير الزمن المدرسي والبنيات التربوية وتدبير عمليات الدعم الاجتماعي ؛
وثانيهما يتجلى في تطوير الخدمات الإلكترونية لفائدة المتعلمين، و تطوير مونوغرافيا المؤسسات التعليمية وإحداث المواقع الإلكترونية الخاصة بها، وإحداث فضاء للتلاميذ وأوليائهم في بوابة الانترنيت لتحقيق مبدأ الحكامة الجيدة في المنظومة التربوية.( برنامج مسار : بين الوزارة وجمعيات المديرات والمديرين: التحديات والآفاق، عن إدارة موقع تربويات، يناير 2014).
تاسعا : المتدخلون في برامج المواكبة التربوية ومهامهم (من ؟)
يمكن حصر مهام المتدخلين في التتبع الفردي للتلاميذ في النقاط التالية :
بالنسبة للأسرة بإمكانها أن تساهم بحكم طبيعتها ووظائفها، بشكل مباشر ويومي ، في برامج المواكبة التربوية التي تستهدف تتبع الأبناء/ التلاميذ منذ البداية و المساعدة بفعالية في الوقاية من الهدر المدرسي والرفع بالتالي من مستوى أداء المنظومة.كما يمكن أن تشارك بفعالية في تحصين المجتمع ضد التدهور النفسي /التربوي و السلوك المنحرف بما ينبغي أن توفره من تربية أساسية.
وبالنسبة إلى مهام الأستاذ وبالرجوع إلى توجيهات المشروع رقم 5 من مشاريع البرنامج الاستعجالي ،تتحدد مبدئيا ،في جمع المعلومات السوسيوتربوية، والتشخيص الأولي حسب مجالات التعلم، تعبئة جدول تتبع التعلمات، واستثمار شبكة تتبع التعلمات، و تفيء التلاميذ، وعرض النتائج على خلية اليقظة، وتسليم الدفاتر للمؤسسة، واستدعاء مجلس القسم لإعداد مخطط الدعم، وتنفيذ إجراءات الدعم، وإعداد تقرير للإدارة.
فيما تتحدد مهام مدير المؤسسة في اطلاع الأساتذة على عدة التتبع الفردي للتلميذ، والحفاظ على العدة بالإدارة، وترؤس اجتماعات مجالس الأقسام، والمصادقة على لوائح التلاميذ ذوي الصعوبات، وتتبع عملية الدعم البيداغوجي، وترؤس اجتماعات خلية اليقظة، وإعداد تقارير للنيابة الإقليمية.
وتتحدد مهام مجلس القسم في المصادقة على المعلومات السوسيوتربوية، واستثمار شبكات تتبع تعلمات التلاميذ، واستعراض لوازم التلاميذ ذوي الصعوبات البيداغوجية، واقتراح الدعم المناسب، وإحالة ذوي الحالات الخاصة على خلية اليقظة.(انظر محمد المومن :”التتبع الفردي للتلميذ عدة سوسيو تربوية وبيداغوجية “،جريدة الصباح، عدد الخميس, 20 يناير 2011).
أما خلية اليقظة فأوكلت إليها الأدوار المتمثلة في تشخيص وضعية المؤسسة من حيث التكرار والانقطاع، وضبط لوائح المتعثرين دراسيا، وتعيين الأساتذة المكلفين بالدعم، وإحالة ذوي الحالات الخاصة على الجهات المختصة، ووضع خطة الدعم البيداغوجي، وتقويم عمليتي التتبع والدعم، وإرسال تقارير للنيابة الإقليمية.
في حين، تراقب هيئة التفتيش التربوي مختلف مراحل انجاز برامج المواكبة، وتشرف على إعداد مخططات الدعم، وتقويم نتائج التتبع والدعم، وإعداد تقرير المقاطعة التربوية.
عاشرا: التربية الوالدية و برامج المواكبة التربوية
تشكل الأسرة أول و أقوى الجماعات تأثيرا في التنشئة الاجتماعية للطفل، والتي تعمل على تشكيل سلوكه الاجتماعي وبناء شخصيته.فالأسرة هي التي تهذبه وتجعل سلوكه مقبولا اجتماعيا،وهي التي تغرس في نفسه القيم والاتجاهات التي يرتضيها المجتمع ويتقبلها.
كما أن الأسرة بإمكانها ،كما أسلفنا، المساهمة في برامج المواكبة التربوية التي تستهدف الرفع من مستوى أداء المدارس ومن الوقاية من الهدر المدرسي .كما يمكن أن تشارك بفعالية في تحصين المجتمع ضد التدهور النفسي /التربوي و السلوك المنحرف .
لكن ذلك لا يستقيم دون دعم مادي ومعنوي من جميع الجهات الرسمية (وزارة التربية الوطنية والوزارات المعنية بشؤون الأسرة والطفولة والشباب …) و الجمعوية … دعم يساهم في الرفع من مستوى الأسر الاقتصادي والتعليمي وتمكينها من آليات أداء مهام التكوين والتحصين. فلا يمكن التوقع من أسرة غير مطمئنة على قوتها اليومي وسكنها والمفتقرة للحد الأدنى من التأهيل التعليمي والثقافي ،أسرة جاهلة بأمور التربية وأساسياتها ، نقول لا يمكن لهذه الأسرة أن تقدم نموذج المواطن الأمثل لأبنائها.
لذلك فإن التربية الوالدية ، بل ومختلف البرامج التي تسعى إلى تكوين الوالدين و الأسرة على أساليب وتقنيات العناية السليمة بالأطفال وطرق تربيتهم وتحصينهم النفسي، سيكون لها بدون شك، بالغ الاثر في إصلاح التعليم . (محمد الدريج، 2013)
– زيادة مشاركة الوالدين في رعاية الأطفال وقدرتهم على العناية بهم وتلبية حاجياتهم وتحصينهم وتحسين مهاراتهم في تربية الأطفال وتنشئتهم اجتماعيا وتحسين العلاقة التي تربط الوالدين بهم.
– والرفع من إمكانياتهم في دعم أطفالهم ومواكبتهم في مسارهم الدراسي والمهني؛
– تحسين العلاقة التي تربط الوالدين بالمدرسة والمدرسين والمشاركة بفعالية في برامجها و أنشطتها وتتبع أداء التلاميذ.
حادي عشر : إستراتيجية التعبئة في منظومة المواكبة التربوية:
الاندماج الاجتماعي والشراكة و مشاريع المؤسسة
من الأسس التي استندنا عليها في بناء النموذج ، القول بضرورة الربط بين المنهاج الدراسي والمجتمع ، و يتمثل هذا الربط في العديد من الإجراءات ومن أبرزها مشاريع الشراكة التربوية ، حيث تترك للمؤسسات حرية المبادرة وعقد اتفاقيات تعاون و شراكة مع القطاع الخاص وفعاليات المجتمع المحلي والمنظمات الداعمة،وهامش من الحرية لتعديل مناهجها الدراسية بشكل مندمج ، بما يساير خصوصياتها وتميز مجالها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ويلبي في نفس الآن احتياجات التلاميذ ومتطلبات أسرهم.كما يساير مختلف المستجدات في مجال بناء وتطوير المناهج التعليمية وما ظهر حديثا في مجال إدارة الجودة الشاملة واعتماد معايير الجودة في التعليم .
كما ينبغي أن تستند منظومة المواكبة على إستراتيجية تعبوية تقوم على محاور من أهمها:
– التعبئة والتواصل؛
-التتبع و التأطير الميداني؛
-اعتماد نظام متطور للمعلومات وقاعدة المعطيات؛
-الشراكة والتعاون و التعاون الدولي؛
-الاحتضان؛
-اللامركزية واعتماد المراكز الجهوية و اللجان الإقليمية المكلفة بالمواكبة وبالتربية غير النظامية عموما؛
– توسيع العرض التربوي في مجال التربية غير النظامية وذلك:
– بالتكثيف من عملية التحسيس والتوعية؛
– والتعبئة في المناطق التي تعرف أكبر نسب عدم التمدرس أو الهدر المدرسي؛
– وتعميم عملية “من الطفل إلى الطفل “وذلك من خلال استثمار نتائج عملية إحصاء الأطفال غير الممدرسين من طرف الأطفال الممدرسين ، في إطار الجهود المبذولة من طرف وزارة التربية الوطنية، للتصدي لظاهرة التسرب الدراسي .
و لا تقتصر هذه العملية التربوية التواصلية على مدرسة دون أخرى، بل تتم على صعيد جميع المؤسسات التعليمية العمومية، ويتطوع للمشاركة فيها حوالي 10 تلاميذ وتلميذات من كل مؤسسة تعليمية ابتدائية وإعدادية. حيث يقوم هؤلاء التلاميذ، بالتواصل مع الأسر بمحيطهم، وإحصاء الأطفال الذين هم في سن التمدرس ولا يتابعون دراستهم بالمؤسسات التعليمية، أو كانوا يتابعون بها وانقطعوا عنها، و يقوم التلاميذ بتوعية هؤلاء الأطفال وأسرهم بأهمية التعليم المدرسي، وبحث أسباب عدم التمدرس أو الانقطاع عن الدراسة، وحثهم على العودة إلى مقاعد الدراسة، وتعبئة استمارات معدة لهذه الغاية، ويتم ذلك بتأطير وإشراف أساتذة التلاميذ المشاركين فيها .(انظر المراسلة الوزارية الصادرة عن وزارة التربية لوطنية تحت عدد:60/2013 ، بتاريخ :27 مارس 2013)..
– وبالموازاة مع عملية “من الطفل إلى الطفل ، يتم توظيف “عملية قافلة” من أجل التعبئة الاجتماعية لتعميم التمدرس، وهو برنامج التعبئة الاجتماعية بالمناطق، حيث يستهدف استرجاع و إعادة تسجيل الأطفال المنقطعين و غير الملتحقين ، وعادة ما يتم بمناسبة “القافلة” توزيع منح دراسية للمستفيدين الملتحقين بالتعليم الثانوي الإعدادي و الدراجات الهوائية لتشجيع التلاميذ المستهدفين بعملية ” قافلة ” على مواصلة مسارهم الدراسي بنجاح و كذا توزيع المحفظات و اللوازم و الكتب المدرسية على جميع المسجلين بأقسام التربية غير النظامية بالإقليم ؛
– مصاحبة الجمعيات الشريكة، في بناء مشاريعها و تكوين المتدخلين وخاصة المنشطين واطر الجمعيات في برامج المواكبة والتربية غير النظامية بشكل عام؛
– تطوير وتعميم “برنامج تيسير” للحد من ظاهرة الهدر المدرسي . هذا البرنامج الذي يقدم دعما ماليا للأسر الفقيرة والمعوزة، قصد التخفيف من عبء تكاليف التمدرس المباشرة وغير المباشرة ،على هذه الفئة الاجتماعية مقابل تتبع مواظبة أبنائها من الأطفال في المدرسة وحرصهم على الاستمرار فيها.
خاتمة
نشير في الختام ،إلى أن أية محاولة لإنشاء نموذج بيداغوجي، لها كما رأينا ، مبررات و أسس ولكن لها أيضا معيقات ، ذلك أن أي مشروع من هذا النوع لابد له من تجريب و تطبيق في الواقع حتى نحكم على مدى صلاحيته و نجاعته وهذا ما نحن بصدد إنجازه حاليا مع فريق عمل شكلناه لهذا الغرض . ولكن وفي انتظار نتائج التجريب يمكننا التأكيد مجددا على أن المنظومة التي نسعى لإرسائها، منظومة تتجاوز الأساليب و المبادرات المحتشمة لدعم التلاميذ ، وتعمل على تعويضها بإرادة أقوى ، تهدف إلى التكفل البيداغوجي بجميع الأطفال ومواكبتهم نفسيا واجتماعيا وتربويا بمن فيهم من يعاني من مشكلات نفسية واجتماعية وصعوبات في التعلم ، منذ البداية وإلى حين اندماجهم في الحياة العملية، تكفل يحتاج إلى مقومات وخصائص هامة ، لابد أن تتوفر لدى المدرسين و الإداريين والمشرفين…
منظومة تستند على تعريف أكثر شمولية وعمقا للمواكبة التربوية يجعل منها نموذجا بيداغوجيا متكاملا،يستهدف الأخذ بيد جميع الأطفال/التلاميذ وليس فقط المتعثرين منهم، لمساعدتهم في بناء شخصيتهم وتخطي صعوباتهم وتحقيق مشروعهم المدرسي والمهني، وذلك من خلال مرافقتهم طيلة مسارهم الدراسي ،مع الأخذ بعين الاعتبار قدراتهم وملكاتهم و ميولهم وطموحاتهم المستقبلية،حتى تتم المساهمة في تحسين ومعالجة الفعل التربوي و الرفع من مردود يته والمشاركة بالتالي في إنجاح العملية الإصلاحية التي نحن في أمس الحاجة إليها حاليا، والعمل مع جميع المتدخلين التربويين في الميدان بصفة خاصة ومن جهة أخرى يتم التدخل في جميع المؤسسات ذات الطابع التربوي الاجتماعي- الاقتصادي والمحيط الخارجي بأبعاده المختلفة.
وتقدم الخطاطة أسفله تركيبا يختزل أهم مكونات النموذج المقترح وآليات اشتغاله :
======================================
المراجع
–ميلود التوري(2006): ” تدبير المجزوءات لبناء الكفايات “، مطبعة سوماكرام، الدار البيضاء، المغرب.
– مديرية التربية غير النظامية (وزارة التربية الوطنية 2011):”حصيلة برنامج المواكبة التربوية”
الموسم الدراسي 2010/ 2011 – سبتمبر،الرباط.
– مديرية التربية غير النظامية (وزارة التربية الوطنية 2011): دليل إجراءات برنامج المواكبة التربوية،الرباط ،اكتوبر2011.
– مديرية التربية غير النظامية (وزارة التربية الوطنية 2012): “بطاقة تقنية حول تنفيذ مقتضيات برنامج المواكبة التربوية للمدمجين”، الموسم الدراسي 2012/2013.الرباط.
– مديرية المناهج و الحياة المدرسية (وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي) “دليل الدعم النفسي الاجتماعي و المعرفي والمنهجي”، السنة الأولى من التعليم الابتدائي، الرباط، غشت 2009.
– محمد غنيم (2010): ” طريقة حل المشكلات “.وزارة التربية والتعليم.المملكة العربية السعودية.الرياض.
– محمد الشيخ بلا (2011): “تأسيس مراكز الاستماع والوساطة المدرسية بالمؤسسات التعليمية بنيابة تيزنيت”، في جريدة المساء (المغربية) عدد 15 – 06 – 2011.
– محمد الدريج (1996):”مشروع المؤسسة والتجديد التربوي في المدرسة المغربية”، (في جزئين)، سلسلة دفاتر في التربية ، (1996)ـ الرباط.
– محمد الدريج (1998) :” الدعم التربوي وظاهرة الفشل الدراسي ” سلسلة دفاتر في التربية ، الرباط.
– محمد الدريج (2005) : ” تطوير مناهج التعليم معايير علمية.. متطلبات الواقع.. أم ضغوط خارجية؟ “، سلسلة المعرف للجميع، العدد 32، منشورات رمسيس، الرباط.
– محمد الدريج :(طبعة 2009 ) : “الكفايات في التعليم ، نموذج المنهاج المندمج” ، منشورات سلسلة “المعرفة للجميع”، الرباط.
– محمد الدريج وجمال الحنصالي وآخرون (2012): “معجم مصطلحات المناهج وطرق التدريس”، مكتب تنسيق التعريب في الوطن العربي (ألكسو: المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة ) ، الرباط .
– محمد الدريج (2013):”التربية الوالدية والتحصين النفسي للتلاميذ :مشروع برنامج الإصلاح السيكولوجي/الأخلاقي في المنظومة التربوية”، المجلة الالكترونية “المدرس”.
– محمد المومن :”التتبع الفردي للتلميذ عدة سوسيو تربوية وبيداغوجية “،جريدة الصباح، عدد الخميس، 20 يناير 2011.
– لطيفة العابدة ،كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي سابقا (2011): في تصريح لجريدة “الاتحاد الاشتراكي”،عدد 2011-10-20 .
– كزافييه روجيرس، ترجمة الحسين سحبان و عبد العزيز سيعود (2007): ” الاشتغال بالكفايات، تقنيات بناء الوضعيات لإدماج التعلمات “، سلسلة المكتبة التربوية، مكتبة المدارس، الدار البيضاء.
-عبد اللطيف المودني (ماي 2010): ” المقاربات البيداغوجية ومفارقاتها بين استقلالية المدرس و تنمية التعلمات “، دفاتر التربية و التكوين، العدد 2، مكتبة المدارس، منشورات المجلس الأعلى للتعليم، الدار البيضاء، المملكة المغربية.
-عبد الكريم غريب(2006): ” المنهل التربوي- معجم موسوعي في المصطلحات و المفاهيم البيداغوجية و الديداكتيكية و السيكولوجية “، الجزء الثاني، منشورات عالم التربية، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
-عبد الكريم غريب و البشير اليعقوبي (2003): ” المجزوءات، منشورات عالم التربية، المغرب.
-الطيب أموراق(1991 ): “أسلوب معاملة الطفل بين الأسرة والمدرسة وعلاقته بتوافقه الدراسي” أطروحة دبلوم الدراسات العليا، غير منشورة ، كلية الآداب، فاس.
– رشيد بن بيه (2010) : “الوساطة التربوية : المفهوم، الأدوار وآليات التأسيس بالمدرسة المغربية” .جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 02 – 12 – 2010.
– موقع تربويات (2014):” برنامج مسار : بين الوزارة وجمعيات المديرات والمديرين:
التحديات والآفاق، عن إدارة موقع تربويات، يناير 2014. (www.tarbawiyat.net)
– موقع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني،(على ألنت،2014)، “مسار”،منظومة التدبير المدرسي. ( sgs.men.gov.ma) .
–Anne Mansuy, Jean-Michel Zakhartchouk (2009) : «Pour un accompagnement éducatif efficace ».- CRDP de France –Comté.
-Alain Baudrit (2002), «Tutorat : richesses d’une méthode pédagogique », édition De Boeck
– Dictionnaire encyclopédique de l’éducation et de la formation(1998), NATHAN, 2éme édition.
-Françoise Clerc(1992), ”. Enseigner en Module ”,. Hachette Education, Paris,
-Gérard Barnier, (2001) « Tutorat dans l’enseignement et la formation », édition l’Harmattan.
-Vivian De landSheer. (1987), ” L’éducation et la formation ” P.U.F.