المنهجية السليمة لمعالجة…ظاهرة الانحراف

علي عمار3 مارس 2014
المنهجية السليمة لمعالجة…ظاهرة الانحراف

جامعة تلمسان الجزائر..

المقــــدمـــــــــــــــــة.

تعتبر ظواهر الثلاثي الخطير (المرض – الفقر – الجهل). مميزات المجتمع.
ذلك أنها تتماشى مع بعضها جنبا إلى جنب ، و المجتمع له نصيبه من هذه الأدواء الثلاثة. فالأمراض (النفسدية) على اختلاف أنواعها ، وأشكالها وسوء العناية الصحية تعتبر دلائل واضحة على مكانة المجتمع. ذلك أن البدوي يكون في حياته المتنقلة أتم صحة منه في حياته المستقرة. فعلى مؤسسات التربية بمختلف أساليبها ، واجب شاق في نشر العادات الصحية والتعويد على النظافة ، والتغذية الصحية ، واللباس الصحي ، و الرياضة واللعب وتصريف الأوساخ ، والعناية بالمرضى ،واتقاء العدوى. كما يجب عليها أن تكافح الانحرافات ، والخرافات المتعلقة بالأمراض وانتشارها وتجارب الدجالين ، والمشعوذين الذين يعالجون الأمراض عن طريق السحر والرقى (اللاشرعية) ، والنار ، والبخور ، وتلمس الأضرحة ، ودخول المغارات الخطرة.
وعليها كذلك الاهتمام بواجبات الأمومة وتوعيتها بأساليب التربية العناية بالناشئة مهما كانت الظروف الاجتماعية.
التعريف الشامل للانحراف :
الانحراف خلل أساسي في بناء الشخصية ، يحول دون توافق المنحرف مع مجتمعه. «
هذا التعريف ما هو إلا تفسير للانحراف في نظرية معينة ومحددة. ومع ذلك يبقى تحديد مفهوم الانحراف كظاهرة معقدة نظرا لاختلاف وجهات النظر وذلك للاعتبارات التالية :
ـ إنه من الصعب اعتبار سلوك المنحرف ، سلوكا إجراميا ، أو إنحرافيا ما لم يحرّمه المشرع مهما كان ضرره للمجتمع.
ـ إن هناك سلوك قد يصدر عن المنحرف ، لا يجرمه القانون غير أنه يعتبر من وجهة نظر المجتمع سلوكا غير أخلاقي ، وضارا بالمجتمع وأنه غير مستحب.
ولذلك فقد اتجه الرأي العام إلى معاملة المنحرف معاملة خاصة لاعتبارات واضحة ومحدد من الناحيتين السلوكية و البيئية.
ـ عدم النضج و القدرة على التمييز و الإدراكك.
ـ سوء التكيف نتيجة ظروف خارجية عن إرادتهم.
ـ عدم امتلاكهم للسيطرة الكاملة و المطلقة ، إضافة إلى عدم التحكم فيها.
تعــريــف آخــــــر:
» يعتبر منحرفا كل حدث يقوم بفعل مخالف لقواعد القانون الجنائي في بلده ، وفي حدود السن الذي حدده له هذا القانون ، وكذا القيام ببعض التصرفات مخالفة للعادات و التقاليد و الأعراف و القيم « .
المنحـــــرف المتشـــرد :
ظاهرة خطيرة تنذر باحتمال ارتكاب المنحرف المتشرد جرائم مخالفة للقانون الجنائي. ومعنى هذا أن التشرد ليس بجريمة في حد ذاته ، وإنما يستوجب من الدولة اتخاذ تدابير وقائية حالية تقف أمام مثل هذه التصرفات قبل استفحالها.
المؤتمر الأول للأمم المتحدة المنعقد في جنيف 1900 عرف الحدث المعرض للانحراف بالمفهوم التالي :
» إن الحدث المعرض للانحراف هو شخص يقل عمره عن سن محددة يناظر عادة الحد الأقصى لسن الأحداث الجانحين. وهو وإن لم يأت فعلا ما يعتبره جريمة في قوانين بلده ، غير أنه يعتبر الأسباب متعددة مضادا للمجتمع ( Anti – Sociale) ، أو مبديا لاتجاهات سلوكية محددة ، مضاد للمجتمع بدرجة أو بصورة يحتمل معها أن يصبح جانحا جناحا صريحا ، إذا لم يخضع لنوع معين من المعاملة الوقائية.
الانحراف ووجهات نظر العلماء المتخصصون :
1- مدرسة العوامل البيولوجيا الفيزيقية :
ويمثلها كل من (لامبرورو– تشار لزجورنج Lamproro – T.L.). ويذهبون إلى أن السلوك الإجرامي يورث كأي من الصفات الأخرى مثل : لون العينين ، ولون الشعر ، و القصر ، والطول. وأن الطفل في نظرهم يولد لديه استعداد معين للسلوك . كما أرجعوا كذلك سلوكيات المنحرف إلى أنه مصاب ببعض النقائص العقلية مثل الضعف العقلي.

2- المدرسة النفسية و الجسدية (النفسدية):
وترى أن سلوك المنحرف يظهر نتيجة اضطرابات نفسية مختلفة لا يوجد بينها أي شبه ، سوى أنها جميعا تفصح عن نفسها في صورة سلوكية وهي مخالفة للقواعد القانونية.
3- مدرسة العوامل الاجتماعية :
وأصحابها تشبعوا باتجاهات مختلفة أهمها ثلاثة :
أـ اتجاه العوامل الجغرافيا :
بحيث يرون أن العوامل المناخية ،هي التي توجه المنحرف مثل:
الطقس ، وطبيعة الأرض. فحسب رأيهم أن عوامل الانحراف ، أو معدلات الجريمة تزيد أو تنقص حسب نوع الطقس.
ب-اتجاه العوامل الإيكولوجيا :
وأصحابـه يـرجعـون السلـوك الانحرافين إلى العـوامل المتعـلقـة
بعلاقة الأفراد ببيئتهم المكانية ، واستجاباتهم المختلفة للأزمات البيئية في المكان الذي يعيشون فيه منها : (التفكك الأسروي – أساليب الضبط الاجتماعي – الكثافة السكانية – التدهور المادي – كثرة الحركة – الضجيج).
جـ-اتجاه عوامل التصنيع و التحضر:
وأصحابه يرجعون أسباب الانحراف إلى التقدم الصناعي والتكنولوجي و التحضر. حيث تقل العلاقات الشخصية ، ويزداد الصراع الطبقي. كما يشعر الفرد بعدم الاطمئنان و الاستقرار النفسي ، وظهور عدم التجانس
الثقافي والاجتماعي. د- مدرسة العوامل الاقتصادية :
وملخص أصحابها يكمن في محاولة إيجاد العلاقة بين الجريمة والدورات الاقتصادية ، مثل الكساد ، والرخاء ، وقانون العرض والطلب إلخ…
5- مدرسة العوامل الأسرية :
وأصحابها يرون أن الاضطرابات الأسرية تعتبر من أهم العوامل التي تساعد على انحراف الصغار – فالأسرة هي البيئة الأولى التي يتلقى فيها الطفل تربيته و خبراته ، وتوجيهاته. فإذا كانت هذه البيئة فاسدة ، أو مضطربة فإن الصغير يختل سلوكيا.

الملامح العامة للانحراف.

يعي أغلب الناشئة أثناء دخولهم مرحلة المراهقة بما يدور حولهم ولذلك فهم يتميزون بخصائص معينة :

أ- داخل الأسرة :

ـ الشعور بالإهانة و الخجل و الارتباك عنـدما يقومون بأفعال لم يكـونـوا
يدرون من قبل أنها مسيئة لأفراد العائلة. لذلك فهم كثيرا ما يشكون من أفراد أسرهم ، ومن تصرفاهم في الوقت الذي يوجهون فيه إليهم ملاحظاتهم وانتقاداتهم المريرة :
– إلى أخته التي تبدي أمامه المزيد من الترتيب المبالغ فيه في هندامها.
– إلى أخيه الذي لا يتوقف عن الصراخ المرتفع الذي يضايقه (سكتي ولدلك).
– إلى الوالد الذي يضحك بصوت مرتفع لنكتة ترسل من هنا وهناك.
– إلى الأخت الشابة التي تقرأ المجلات و الجرائد والروايات المبتذلة.
– أما من جهته هو فينظر بمظهر الاعتناء الخارجي.
– يكثر من تغيير الكراسي في قاعة الجلوس الدراسية قدمها وعدم تناسقها مع ذوق العصر (فهو عصري).
– زد على ذلك الاضطرابات التي تقع على مائدة الطعام خاصة إذا كان أفراد العائلة كثيرون. حيث التذمر و المضايقة.
– تقبل الوالدين لمجريات الحياة. إلا أن بعض الأهل ، أو جميعهم في المجتمع الجزائري يشعرون بالمضايقة و القلق مع عجزهم عن تقبل التغييرات الكبيرة في شخصية المراهق – فأحيانا يخصص الوالدين المال رضاء لأبنائهم غير أنهم يجدون أنفسهم في حالة من التذمـر والتمزق و العجز عن فتح المجال أمام الأولاد لشراء الأزياء الجديدة المرغوبة لديه – والتي في نظرهم تتعارض مع القيم و التقاليد. (وأن يقبلوها بصمت اصطناعي).
ـ وعندما نقول تحقيق الرغبة للمراهق لا نقصد التدليل المبالغ فيه الذي كثيرا ما يغر بالمراهق بحيث يعطيه الحق في أن يكون دائما على صواب ، وأن له الحق في إدارة شؤون البيت – مما يؤدي إلى خضوع الوالدين إلى واقع لم يكونوا يتوقعونه – ومثل هذا التعاطف هو (تعاطف مزيف).
ـ وقد أثبتت الدراسات أن الأولاد يجدون ثقتهم في الأمهات أكثر من الآباء. كما أثبتت الدراسات أن ثقة البنات بالوالدين أكثر من الشبان خاصة الأمهات. وقد كان لهذه الثقة المتبادلة نتائجها الإيجابية مثل الاستقرار العاطفي ، والاهتمام بأمورهم. بينما لاحظت الدراسة أن معظم المتمردين و الثوار ينحدرون من عائلات يغلب عليها طابع الشك و الاهتمام من طرف الآباء للأبناء.

أساليب التسلط على الأولاد من طرف الآباء :

ـ لقد عملت كثيرا من أجلك يا ولدي … ضحيـت بحياتي في سبيلك فعليك أن تبقى إلى جانبي تساعدني – وهذا أمر لاشك أنه قد يشد عاطفة الابن إلى شفقة أبيه.
ـ التقليل من استعدادات الشاب و أضعاف ثقته بنفسه ، الأمر الذي يجره إلى الشعور بالقصور والضعف و القعود متكلا على الوالد.
ـ اللجوء إلى كسب عطف الولد بادعاء العجز و الوحدة.
ـ رشوة الولد بالإغراق عليه إن هو بقي إلى جانب والديه في البيت.
وبصفة عامة فإن مثل هذه التصرفات قد تكون مفيدة للطرفين أحيانا. غير أن جودة تلك الأفعال ونتائجها على الشاب مستقبلا قد لا تنفعه (نمو ضعيف لشخصيته مع الآخرين).
فهناك أساليب أخرى يمكن أن يقدمها الوالدين مثل التعامل عن بعد دون المساس باستقلالية الشاب مع محاسبته بواقعية وبثقة تامة. مع الحذر من المخادعة المتبادلة بين الطرفين لأن مثل هذه التصرفات قد تنزلق بالشاب عن طريقه الصحيح .
ـ والمراهق دائما في صراع مع أهله ، ولذلك على الوالدين أن يقبلوا الناشئة أثناء مرحلة المراهقة على ما هو عليه. وقد أثبتت الدراسات أن المراهقين يكرهون في أهاليهم ما يلي :

• تأنيبه لعدم مراعاته لآداب الطعام و المائدة.
• متابعته في مراحل دراسته و توبيخه على النتائج المحصل عليها بسبب علامات (0) أو النتائج الضعيفة دون تقديم أية مساعدة تشجيعية.
• معارضته على سهراته أثناء الليل مع زملائه.
• التدخل في الشئون المالية للمراهق.
• إجباره على تناول أطعمة يكرهها.

هذا بالإضافة إلى صراعات أخرى تتعلق بتدخل الوالدين في اختيار مهنة على اصراره ومتابعة دراسته. وقد أثبتت الدراسات أن الفتيات أكثر تذمر من الأمهات من الذكور ، وذلك بسبب تدخل الأم في لباسهن ، وفي علاقتهم الشخصية مع الأصدقاء والصديقات.
وقد تكون أغلب الصراعات داخل الأسرة بين الأم و البنت تدور حول شريك الحياة. فالأمهات أكثر اهتماما بمشاكل الفتيات من اهتمامهن بمشاكل الذكور. ولعل ذلك راجع إلى قلق الأمهات على مستقبل بناتهن ، وخوفهن من عجز الفتيات عن اختيار الزوج الملائم. وعلى العموم فإن الأمهات لا يبدين ثقة كبيرة في بناتهن ولا بقدرتهن على تحمل مسئوليات ذواتهن بحرية.

صفات المربّــــي الجيــــد :

1- الصفات الشخصية :

– اللطف – الصدق – التواضع – المرح – التعاطف مع الآخرين.

2- الصفات الانضباطية :

– التقيد بالنظام – العدل – الموضوعية – الإيجابية – الصرامة.

3- الصفات الإنتاجيــة :

إثارة الاهتمام بالأشياء – المعرفة الواسعة – الشرح الجيد – مساعدة الأفراد في دروسهم – مساعدة التلاميذ على الإفصاح عن آرائهم – النشاط في العمل – إثارة الحيوية داخل القاعة.

4- الصفات الجسميـــة :

– المظهر الخارجي – الزينة – الصوت – البشاشة – التنكيت.

العوامل المساعدة على تزايد الانحراف :

انتهت الدراسات إلى أن هناك عوامل أخرى تساعد على الانحراف :
– المؤسسة التربوية (المعاملة التربوية).
– وسائل الإعلام (اثار التلفزة بصفة خاصة).
– نوادي الشباب (عدم وجود أشخاص مؤهلين يحترمون النظام التربوي).
– السجون (اختلاط الصغار مع الكبار رغم اختلاف الجريمة).
– السينما (أفلام الجنس و الرعب). (ستار أكاديمي) !.
وخلاصة القول أن هذه المؤسسات لا تؤدي دورها التربوي الكافي مما يسمح للصغار بمشاهدة (برامج أجنبية لا علاقة لها بالشخصية الوطنية). (ستار أكاديمي).

الانحراف بيــن النظريــــة و التـــطبيــق.

لقد أضحى من المتفق عليه حاليا أن تشكل محاكم خاصة للأحداث (المنحرفين) و المنتهكين للقواعد القانونية. يتولاها قضاة مؤهلون تأهيلا خاصا للتعامل معهم. وقد انتشرت محاكم للأحداث منذ أن أنشئت أول محكمة للأحداث عام 1899 بولاية لينوي – بالولايات المتحدة الأمريكية.
ومع ذلك فإننا لا نجد مثل هذه المحاكم في بلادنا حيث مازال المنحرف يحاكم أمام المحاكم العادية (سروال – مخدرات). وتتنوع تدابير العلاج على الشكل التالي :

1- الملاحظــة (Observation): وهي الفترة التي يتولى فيها المختصون دراسة شخصية المنحرف وملاحظته ووضع خطة العلاج الملائمة له في المستقبل. ثم تقديم تقرير بذلك للمحكمة للاسترشاد به في اختيار التدابير اللازمة له. وعادة ما يقوم بهذه المهمة جماعة من الأخصائيين الاجتماعيين والأطباء المختصين في الميادين النفسية و العقلية و التربوية بحيث يتبعون جهات إدارية معينة ، أو المحكمة المباشرة ، ويتم ملاحظة المنحرف بالطرق التالية :
– الملاحظة في البيئة الطبيعية: حيث يقوم المختصون بإجراء المقابلات مع المنحرفين وهم في بيئتهم الطبيعية لعمل بعض الفحوص لهم.
– الملاحظة البيئية: يقضي المنحرف نهاره في مركز الملاحظة ، يعود بعدها إلى الأسرة.
– الملاحظة في مؤسسات مغلقة: يودع المنحرف في مؤسسة مغلقة لفترة زمنية يتم له في خلالها إعداد التقرير المطلوب.
وغالبا ما يخضع المنحرفون بالملاحظة ، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يخضع المنحرفون لانحراف آخر.

– الحــجـــــز (Détention) : و المراد به وضع المنحرف تحت الحجز التحفظي قبل التصرف في أمره ، وذلك بأمر من الهيئة القضائية المختصة أو الهيئات الإدارية المعنية. وقد يتم الحجز بتسليم المنحرف إلى والديه أو ولي أمره ، أو في مؤسسات خاصة بالحجز التحفظي على المنحرفين (الأحداث). ويتخذ هذا الإجراء إزاء المنحرفين المذنبين أو غير المذنبين (المعرضين للانحراف).
– الاختبار القضائي (Probation ) و التدابير المشابهة له:
الاختبار القضائي للمنحرفين هو تدبير مطبق على المنحرفين المذنبين بديلا عن الإيداع في المؤسسات التربوية ، وعليه يبقى المنحرف حرا طليقا في بيئته الطبيعية تحت إشراف موجه من مختصين في الخدمة الاجتماعية وفق خطة علاج تقوم على العلاج الشخصي.
وتوجد هناك تدابير أخرى مشابهة للاختبار القضائي ، إلا أنها تفتقر إلى عنصر أو أكثر من عناصره وأهم التدابير :
• الحديــث Parole :
ويستخدم للدلالة على الأفراج المشروط الذي يمنح للمنحرف على أساس انتقاء منحرف قضى فترة من العلاج داخل المؤسسة. وهو يشبه الاختبار القضائي في كونه نوعا من العلاج في البيئة.
• الرقابة الاختيارية Contrôle de Devoir :
وتستخدم لعلاج المنحرفين غير المذنبين (المعرضين للانحراف أو ممن في طريقهم إلى الانحراف) وهو يتعلق بالقوانين الخاصة برعاية وحماية الطفولة.
• التعهد القضائي Contrat Justice :
وهو تعهد يلتزم به المنحرف بضمانة ضامن أو بدونه ، يجعل المنحرف معرضا لتنفيذ العقوبة عليه إذا ما أخل بشرط من شروط التعهد.
• العلاج داخل المؤسسة :
كان العلاج داخل المؤسسة أسبق من غيره من التدابير التي تطبق مع المنحرفين المذنبين ، والذين تقتضي الضرورة إيداعهم إحدى المؤسسات لتلتقي مثل هذا العلاج.
• الرعاية اللاحقـــة Prévention à Suivre :
وهو أسلوب تكميلي للعلاج داخل المؤسسات حيث يتم التوجيه والإشراف على المنحرف الذي انتهت فترة علاجه في مؤسسة ما ، لإعادة توافقه مع المجتمع الخارجي. ويبقى العلاج مستمرا حتى بعد العلاج والإفراج عن المنحرف.

المناهج السليمة للوقاية من الانحراف.

تهدف برامج الوقاية إلى مواجهة العوامل و الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الشباب و تشردهم ، والتي تشير إليها البحوث و الدراسات هنا وهناك ، واهتمامها بدراسة السلوك الجانح لدى المنحرفين الشباب ولكي تؤدي برامج الوقاية و الحماية الشبانية هدفها فلا بد من توفير الشروط التالية:

– التشــــريــــع :

تحقق السياسة التشريعية لبلد ما ، طرق الوقاية من الانحراف وذلك بسن القوانين المتعلقة بتدعيم الحياة الأسرية ، وحماية الطفولة من الاستغلال وتعريض الأطفال للانحراف. فبالنسبة لتدعيم الحياة الأسرية ، يجب أن تتضمن التشريعات نظم الزواج و الطلاق حفاظا على كيان الأسرة من الانهيار و التفكك ، والنص على حقوق الزوجية ، وحقوق الأبناء لدى والديهم قال تعالى : » و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة… « .
أما بالنسبة لحماية الطفولة من الاستغلال ، فإن القوانين تتناول تنظيم تشغيل الأحداث ، وذلك بوضع حد أقصى لساعات العمل ، وتحديد المهن التي يخطر تشغيل الأحداث بها. حماية لهم من الأخطار و الأمراض. وكذلك حماية المعرضين منهم للانحراف نتيجة الإهمال و العجز ، وحماية القصر كما تتضمن أيضا النصوص الخاصة بعلاج الجانحين منهم وغير الجانحين.

– مجــــال الخــــــــدمــــــات :

يجب على الدولة أن تهتم اهتماما بالغا، بالرفاهية الاجتماعية والاقتصادية. وذلك بتوفير الخدمات لتحسين الظروف المعيشية وتهيئة الجو المناسب للتنشئة الاجتماعية السليمة للأطفال. مع تظافر الخدمات لتنشئة جيل صالح ينأ عن الجريمة ويبتعد عنها وتتمثل في :
ـ رعاية الأسرة :
التي تعتبر الدعامة الأساسية للمجتمع ، والبيئة المباشرة التي يحبو فيها الحدث في طفولته المبكرة ، يكتسب منها القيم و العادات السائدة. لذلك فإنه يلزم أن تتضمن برامج الوقاية من الانحراف خدمات رعاية الأسرة مثل توجيه الوالدين إلى معايير أسس التربية ، وتعديل اتجاهاتهم، وقيمهم ومعتقداتهم.
بما يساير القيم السائدة. وذلك بواسطة وسائل التثقيف المتنوعة. ومواجهة ظروفهم الاقتصادية السيئة بتوفير المعونات المادية في حالة العجز، أو الشيخوخة ، أو البطالة و تدبير المسكن الصحي المناسب ، وإعادة تنظيم الأحياء المكتظة بالسكان منعا للاختلاط الغير مرغوب فيه، وإنشاء المكاتب الاستشارية لراغبي الزواج، وتنظيم حياة الأسرة ، وحل مشكلاتها ، وإقامة دور الحضانة وغير ذلك من أوجه الرعاية التي تحتضن الأسرة بالتوجيه و الإرشاد.
• الخدمات الصحية :
لقد أظهرت الدراسات التي أجريت لتقصي الأسباب المؤدية للانحراف أن هنـاك بعض الأمـراض الوراثية التي تنتقل من الآباء إلى الأبنـاء وتؤثر في سلوك الأطفال فيكونون عرضة للانحراف . لذلك تلعب الخدمات الصحية دورا هاما في الوقاية بتوفير العلاج من الأمراض ووسائل التثقيف الصحي و الاهتمام بأمراض الطفولة المبكرة و العمل على مواجهتها قبل استفحالها.
• الخدمات التعليمية :
يجب أن تحدد الدولة سن التعليم الإلزامي للأطفال ، لما للمدرسة باعتبارها المنظمة الاجتماعية التالية للأسرة من أهمية في استكمال التنشئة الاجتماعية لهم ، فيتعلم الحدث بالمدرسة كيفية مواجهة المجتمع الخارجي ، وتكوين علاقات اجتماعية سليمة، وعن طريق المدرسة يتم اكتشاف الانحرافات السلوكية التي يعاني منها الأطفال وتعرضهم للانحراف كسوء التوافق و التكيف الاجتماعي ، وبعض المشكلات الأخرى كالتخلف الدراسي و الهروب ، ووضع الخطط الكفيلة بمعالجتها.

ـ الخدمات الأخرى :
وتشمل هذه الخدمات تنمية المجتمع و مواجهة أثار التصنيع و التحضير واستغلال و تنظيم أوقات الفراغ مثل النوادي ، ومنظمات رعاية الشباب ، والكشافة الإسلامية ، مع تدعيمها تدعيما مطلقا. فبواسطتهما يمكن اكتشاف قدرات الأحداث ومهارتهم ، وأسباعهم. وكذلك توفير الحاجات الأساسية من مأكل ، وملبس ، ومن إنشاء العيادات النفسية ، ومواجهة الأمراض النفسدية (النفسية و الجسدية) التي يصاب بها الصغار وتحسين المستوى الاقتصادي ، وذلك برفع الأجور ، وإقامة مراكز التدريب المهني للأحداث ممن فشلـوا في مـواصلة تعليمهم العـام والاهتمام بوسائل الإعلام ، والرقابة عليها ، و التنسيق بين الخدمات وتمويلها وتوفير الخدمات الاجتماعية ، وتخصيص شرطة للأحداث تعمل على تنفيذ القانون واحترامه ، لها دراسية واسعة في جانبها العلمي و التربوي لمواكبة مراحل نمو الأحداث.

– البحــــــــــــــــوث :

يجب أن تشمل برامج الوقاية الإحصاءات و البيانات الدقيقة التي تشير بوضوح إلى ارتفاع ، أو انخفاض الجرائم بين الأحداث ، وتشجيع البحـوث و الدراسات في هذا المجال من أجل الوصول إلى حصر العوامل المسببة لهذه الظاهرة في انخفاضها ، وارتفاعها ، وكذلك إجراء البحوث العلمية من نظرية – وميدانية ، للتعرف على مشكلات الطفولة وحاجاتها ، واقتراح برامج الوقاية ، و العلاج ، وتعميمها ، وتقييمها ، وإنشاء مراكز البحوث المتخصصة بالتعاون مع الجامعات.

———————————————————-

المــــــــراجـــــــــــع

1ـ د. سمير نعيم – الدراسة العلميـة للسلـوك الاجتماعي- دار التـألـيـف – ص 27 ـ 1969 م القاهرة.
2ـ أ. يس السيد – مشكلة التعريف الاجتماعي للجريمة – مقال – عدد 03– م / 2 المجلة الجنائية القضائية – المركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية القاهرة.
3ـ محمد عارف (مترجم)- الوقاية من جناح الأحداث – من مطبوعات وزارة الشئون الاجتماعية – ص 127 – 1963 – القاهرة.
4ـ د. محمد نجيب حسين – دراسة تشريعية مقارنة في معاملة الأحداث المشردين – ص 24 – 1963 – القاهرة.
5ـ ا. نجيب حسين درويش – التـدابـير التـقـويميـة للأحـداث المشـرديـن –
ص 76 – مصر.
6ـ د. سعيد بسيسو – قضاء الأحداث علما و عملا – مطبعة الشرق – حلب – ص 71 – 1958 – مصر.
7ـ تقارير المؤتمر المقدمة بتاريخ 24 و 25/10/94 حول الطفولة ولأحداث الجزائر العاصمة.
8ـ المؤتمر الأول للمنظمة الوطنية لجمعيات رعاية الشباب – بتاريخ : 24 و 25 أكتوبر 1994 الجزائر.