الممارسة البيداغوجية بين الأمس و اليوم .

الحسين وبا7 نوفمبر 2017
الممارسة البيداغوجية بين الأمس و اليوم .

لم يعد الفن البيداغوجي- اليوم- يقتصر على تربية و تعليم النشء الصاعد، أو بالأحرى يتمركز حول إعطاء الدروس و تلقين التعلمات و المعارف الجاهزة، دون الانتباه إلى المرحلة العمرية للمتعلم و لا الالتفات إلى مستواه الإدراكي و مساءلة اختياراته و ميولاته الفنية منها و الأدبية و العلمية. ناهيك عن باقي الأسئلة المهمة التي بواسطتها تشكل معالم شخصيته و تكتمل صورة سيروراته الدراسية، و أخص بالذكر:

1- الإدارة التربوية:

إلى حدود الثمانينات كان مفهوم الإدارة لا يتعدى مفهوم توظيف السلطة و إحكامها في وجه المتغيبين من المدرسين و المدرسات و التلاميذ و التلميذات ، بالإضافة إلى اعتماد أسلوب الصرامة المبالغ فيها في التعامل و التواصل ، مما دفع بالعلاقات التربوية و الإجراءات الإدارية سواء بين الإدارة و الطاقم التربوي أو بين الإدارة وآباء و أولياء التلاميذ إلى الاهتزاز و الجمود . و ما النتائج السلبية التي نجني ثمارها اليوم على مستوى تدبير شؤون الإدارة التربوية بقطاع التربية و التعليم إلا دليل فاحم على الإفراط و الجنوح في استخدام السلطة .

– شخصية المدرس:

أكدت العلوم و الدراسات الإنسانية ، و على رأسها علم النفس التربوي وعلم الاجتماع ، أن لشخصية المدرس أأأأأثر كبير، ليس على ابصام صيرورة المتعلم الدراسية فحسب، وإنما على مستقبل شخصيته. إذ بقدر ما يكون المدرس مبادرا، نشيطا، متفهما ، منفتحا و بسيطا في علاقته و تعامله مع المتعلمين، بقدر ما تنعكس هذه الدينامكية إيجابا على المتعلمين. وبما أن ماضي التربية و التعليم كان يقوم على التلقين و الحشو المعرفي و الضبط و الزجر عند الوقوع في الخطأ أو الغياب ، فان حضور المتعلم في الفصل الدراسي كان يشبه عدمه، إذ لا ينادى عليه إلا أثناء إخراج سجل الحضور و الغياب فقط. ضف على ذلك أن شخصية المدرس أتذاك كانت لا تختلف كثيرا عن شخصية المدير السلطوي، ماداما كانا يعملان جنبا الى جنب بمدرسة التلقين والتزام الصمت.

3- بنية الحجرة الدراسية:
تعتبر الحجرة الدراسية عنصرا قويا في تحقيق الاستقرار و الاستمرارية للعملية التعليمية ، بل جزءا لا يتجزأ من نجاح المنظومة التربوية أو فشلها. إذ من المعلوم أن عشوائية التنظيم التي كانت تعرفها الحجرات الدراسية الضيقة السائدة في الماضي، بالإضافة إلى عامل الرطوبة المسيطر عليها، كانت تكبح الى حد بعيد حركية ودافعية المتعلمين، إلى درجة تخالهم ملتصقين بكراسيهم وان أرواحهم ستزهق منهم من فرط الخوف و المبالغة في الانضباط ، ولولا لطف فترة الاستراحة لحدثت الكثير من المفاجئات و التراجيديات .

4- المادة التدريسية:
من عيوب العمل التربوي وإخفاقات العملية التدريسية في الماضي، عدم الاهتمام بشخص المتعلم سواء من جانب مؤهلاته العلمية أو من ناحية ميولاته الأدبية و الفنية، حيث تقدم له المواد الدراسية بطرق تلقينية متشابهة ، أي دون الالتفات إلى خصائصها و الاهتمام بطبيعتها حتى تستقيم معناها و تتضح أهدافها في أذهان المتعلمين . إذ لا جدوى من تعلمات و دروس بلا معنى .
5- هيكل المؤسسة:
من البديهي أن تتقاسم المؤسسة و الحجرة الدراسية بعض القواسم المشتركة سواء من حيث التنظيم و النظافة و احترام مواعيد الدخول و الخروج الخ . وبما أن المؤسسات في الماضي كانت لا تعير لهذا الجانب أي قيمة و اهتمام ، مما جعل عنصر التنظيم يغيب عن تصورها و برامجها ، ودفع بالتالي بالمؤسسات إلى ممارسة الاعتباطية في كل التدابير و الإجراءات الموكولة لإدارتها .

لذلك ، إذا كانت حياة البيداغوجيا قد اتسمت أجواؤها في الماضي بالبرود التواصلي وجمود المبادرة و التحفيز ، فإنها اليوم أضحت متوهجة كنار الحداد ، و حارقة كالجمر، ولعل الإطار المرجعي لهذه الثورة يعود بالدرجة الأولى إلى عامل العولمة الكاسح و التطور الكبير الذي حققته تكنولوجيا الاتصال في هذا الباب، حيث أصبح العالم قرية صغيرة، تتغذى شعوبها (رغم اختلاف درجة نمائها و تقدمها) بثقافات و علوم متنوعة، مادام عامل الحدود الجغرافية و الهوية و الدين و اللغة و الخصوصية لم تعد له أي معنى أو وجود.

ترى هل قطع نظامنا التربوي مع مخلفات الماضي؟ و إلى أي حد تسعى بلادنا جادة ركب عجلة البيداغوجيا الحديثة – على الأقل في ربط الفعل التعلمي بمحل التكوين و التطبيق مع تكييفه مع مجريات الحياة و ضرورات النصوص الدراسية على غرار نظريات ماكارينكو و بلونسكي – ؟

ذ: الحسين وبا
مهتم بشؤون الطفولة