المدرسة المغربية العمومية : الحال والمآل..

العربي شحمي14 مارس 2019
المدرسة المغربية العمومية : الحال والمآل..

ذ. العربي شحمي/ وزان

تزامنا مع الحراك الذي تعرفه الساحة التعليمية، منإضرابات، واحتجاجات واعتصامات، وما رافقها مناستفزازات لنساء ورجال التعليم، و من اعتداءات عليهم على مرأى و مسمع من الجميع، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة السابقة، مجموعة من الفيديوهات ذات الصلة بما يجري داخل المؤسسات  التعليمية ببلادنا من أمور قطعت الشك باليقين بكون التعليم في بلادنا وصل سيله الزبى، ولم يبق للقيمين عليه متسع من الوقت للتراخي في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومن بين هاته الفيديوهات التي ذكرت الفيديوهات التالية :        

ـ فيديو يظهر تلميذا داخل الفصل، وقد أثار اهتمام زملائه، يقص نبتة القنب الهندي دون أدنى حرج، بل و يشهر عرشا منه أمام عدسة الهاتف المحمول التي تصوره.

ـ آخر ليس أقل من سابقه عبثية يظهر فيه تلميذ يصب الشاي من إبريق في كأس زجاجي في حجرة الدرس،مستعينا في محاولة إخفاء ما يقوم به بمحفظته، ثم ما لبث أن كشف عن المستور، و قام من مكانه واتجه إلى مكان آخر و الإبريق في يد والكأس الأخرى.

ـ فيديو يكشف عن فوضى عارمة داخل حجرة الدرس، ويتناهى منه إلى الأسماع صوت تلميذة تسأل زميلاتها عمن منهن معها محمر الشفاه، ويبدو أنها حين حصلت علىالمحمر انتقلت إلى طلب مرآة  بجرأة كاملة

ـ فيديو يوثق واقعة اعتداء تلميذ على استاذه في ساحة المؤسسة ، وقد تمكن التلميذ من إسقاط الأستاذ أرضا على مرأى و مسمع المتعلمين والإداريين وغيرهم

ـ فيديو يفضح أحد رؤساء الجماعات المحلية وهو يعتدي على مؤسسة تعليمية، ويتوعد أحد الأساتذة العاملين بها بألا يرجع إليها في الموسم الدراسي المقبل.

        هذا فضلا عن فيديوهات أخرى اشتعلت بها منصات التواصل الاجتماعي، والتي توثق جميعها المواجهات القوية، والمهينة، التي قوبلت بها جحافل الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، في فضاءات احتجاجاتهم ببعض المدن المغربية. بحيث كانوا يُضربون و يُجرون، ويطاردون، على مرأى و مسمع من المارة، و من عدسات كاميرات التصوير المختلفة.

ومما لا شك فيه، أن هاته الفيديوهات بالذات، ستكون لها انعكاسات سلبية على المتعلمين، كما على باقي زبناء المؤسسات التعليمية بوجه عام، لكونها تضرب في العمق تمثلات المتعلمين لأستاذاتهم وأساتذتهم، وتمثلات المجتمع لنساء ورجال التعليم عامة. كما تضرب التي تسبقها المنظومة التربوية بكل تفاصيلها في مفصل، فلا المعلم لا زال كاد أن يكون رسولا، ولا مدرستي جنتي ، كما حفظنا ذلك عن ظهر قلب و نحن صغارا.

أما، وإذا تأملنا الفيديوهات، بمجملها، فإننا نستطيع أن نتبين أنها تشير إلى ثلاثة أمور أساسية في غاية الخطورة :

أولها أن تطويق نساء ورجال التعليم بالمراسيم والمذكراتوالقوانين، وسحب كافة الوسائل والأدوات التي يمكن أنتستعمل عند اللزوم للضبط والتهذيب والتحصيل، بدعاوي لايسندها منطق، غير الشعارات الواهية، تلك التي جاءتناغُفلة من وراء البحار، والتيضحكا على الدقونيسمونها كونية. جعل نساء ورجال التعليم وجها لوجه معالمتعلمين وأمهاتهم وآبائهم وأوليائهم، وربما مع المجتمع كله،دون أي عازل يجعلهم في مأمن من الإهانات والاعتداءاتالتي أصبحت تطالهم باستمرار. خصوصا وأن ثقافة حقوقيةغريبة، لا يُميز فيها بين الحق والواجب، سرت في مجتمعناكما تسري النار في الهشيم، مما جعل فعلشرع اليدأقرب للبعض من حبل الوريد.

وثانيها، أن جعْل نساء ورجال التعليم، داخل المؤسسةالواحدة  فئات تتنوع وتختلف باختلاف وتنوع ترتيبهاالإداري، زيادة على التقليل من أهميتهم، ومن أهميةأدوارهم التعليمية منها والتربوية ، وعلى غض الطرف عناستشراءالساعات الخصوصيةبما تمثله مننهبمكشوفلجيوب آباء وأمهات المتعلمين، ومنإتاواتورشاوىتدفع شهريا لمن يقومون بهاته الساعات مقابلتمكين أبناء الدافعين من نقط جيدة في المراقبات المستمرةوغيرها،. وقد ساعد هذا علىتتفيه ” ( من التفاهة ) نساءورجال التعليم، وتقزيمهم، والتقليل من شأنهم، ومن شأنأدوارهم التكوينية والتربوية، ليس أمام متعلميهم وآبائهموأوليائهم فحسب، بل وحتى أمام المجتمع برمته. وهذا وذاكمما تقدم، شكل مقدمة ناجحة، لما سيلي..

وثالثها، أن المؤسسة التعليمية، أي مَجمع نساء ورجالالتعليم ومكان اشتغالهم، والفضاء المفترض فيه أن يكونفضاء بناء وتأسيس الإنسان ذي القيم العالية، والأخلاقالراقية، والكفاءات المتميزة، والتفكير النقدي السليم، وفقمرتكزات وغايات وأهداف حددتها الجهات التي تعنىبالشأن التربوي والتكويني في البلاد ( انظر الصفحة 8 ومابعدها من الميثاق الوطني للتربية والتكوين ) ، قلت ( هذهالمؤسسة ) دمرت تدميرا كاملا، أو أصبحت قاب قوسين أوأدنى من ذلك. وهو ما شجع، أو يشجع فعلا ، العامة قبلالخاصة، أو قل زبناء المؤسسة من المتعلمين وأمهاتهموآبائهم وأوليائهم قبل غيرهم، على التطاول على هِبةالمؤسسات التعليمية، دون الاكتراث بكونها مؤسسات الدولة،وعلى استباحة حرمتها من غير الاكتراث بكونها مؤسساتللتربية والتكوين تستلزم الاحترام والتقدير . 

وإلا فبماذا نفسر سلوك تلميذيقصص الكيف ” ( القنبالهندي ) في الفصل دون أدنى حرج، وسلوك تلميذ آخريصب الشاي في كأس زجاجي من إبريق جاء به إلى حجرةالدرس، دون أن يأخذ في الحسبان أنه في حجرة الدرس ؟كما بماذا نفسر سلوك صاحبة محمر الشفاه والمرآة. وسلوكالتلميذ الذي طرح أستاذه أرضا على مرأى ومسمع المتعلمينوالإداريين؟ ….

فهل من تفسير آخر غير أن نساء ورجل التعليم قد تمتدميرهم وتمريغ كرامتهم في التراب ؟ وأن المدرسة المغربيةلم تعد قادرة على التحمل أكثر

وإذا أضفنا إلى اعتداء التلميذ على أستاذه اعتداءرئيس جماعة محلية على المؤسسة التعليمية، بحسب الفيديوالمشار إليه أعلاه ، وتوعده للأستاذ العامل بها. بأن لن يعودإليها في الموسم القادم، وتعنيف نساء ورجال التعليموالاعتداء عليهم، بحسب الفيديوهات والصور المنشورة علىمنصات التواصل الاجتماعي وغيرها. ستتضاعف أحجامالصورة، ونزداد اطمئنانا إلى ما أشرنا إليه أعلاه.  

وهذا، يبرر التسليم بمشروعية التنبيه إلى أن التقليل منشأن نساء ورجال التعليم يُحدث، وربما أحدث تشويشارهيبا على تمثلات المتعلمين الإيجابية عن أستاذاتهموأساتذتهم، بل، ودمر أو يُدمرالنموذجالذي به يكونالاهتداء، أوالمثال ”  الذي به يكون الاقتداء، في المجتمعكله.( ألم يكن الفقيه، ذا حظوة في المجتمعات العربيةوالإسلامية، ونموذجا يحتذى به ؟ )..

 ومن نافلة القول، أن هذا الذي كان ويكون،  لم يأتي منفراغ. إذ هو نتائج خائبة لمقدمات أخيب منها إن صح القول. أو محصول جهد متواصل لسنوات متواصلة من الهدموإعادة الهدم، للمؤسسات التعليمية العمومية، ومن التسطيحومن التبسيط لمناهجها وبرامجها، ومن التحجيم والتقزيملنساء ورجال التعليم، ومن التبخيس لأدوارهم التربويةوالتعليمية، ومن التعويم المقصود للعلاقات الرابطة بين نساءورجال التعليم وبين متعلميهم وآبائهم وأمهاتهم وأوليائهم،إلى حد أن تداخلت الألوان وأصبحت المؤسسات التعليميةبأطرها الإدارية والتربوية وبمنتوجها التربوي والتعليمي لاتساوي فتيلا.

وأعتقد أنه لوكان نساء ورجال التعليم يحظون بالتقديروالاحترام اللازمين من طرف المتعلمين وآبائهم، وأوليائهم،ومن طرف المجتمع بمختلف مكوناته لما تم تعنيفهم فيفضاءات احتجاجاتهم ( بالعلالي ) أمام الجميع، بل ولماأصبحت المدرسة العمومية بالبلاد على ما هي عليه فيالوقت الراهن.

ومن هنا، تأتي ضرورة تأجيل كافة الحسابات الضيقة،وكافة المزايدات السياسوية  ذات المنافع اللحظية العابرة،والتفكير بشكل جدي، في إيجاد صيغ عملية، وحلول قادرةعلى انتشال المدرسة المغربية، والأطر الإدارية والتربويةالعاملة بها من هذا الوضع البئيس الذي قد يتسبب للتعليمفي السكتة القلبية لا قدر الله. وذلك بوضع حد لكافةاحتجاجات نساء ورجال التعليم، بالاستجابة الفوريةلمطالبهم المشروعة، مع محاسبتهم في حال أخلوا بالمهامالمنوطة بهم، وبتوفير الموارد المالية والبشرية وكافة الأدواتالقمينة باستعادة حرمة وهِبة المؤسسة التعليمية، وبتحريكالمساطر القانونية والتشريعية الموجودة ، وإيجاد أخرى لكبحالاعتداءات التي تطال هاته المؤسسات وتطال الأطر الإداريةوالتربوية العاملة بها. وذلك أضعف الإيمان.  

ولا يخفى على أحد أنه إن أريد بأمة أن يُنهى أمرُها،ويُشطب عليها من قائمة الأمم المتحضرة، تُجفف منابعُتنويرها وتربيتها وتعليمها. أي تدمر المؤسسة التعليميةوالأطر الإدارية والتربوية العاملة بها. أما إن أريد بها غيرذلك، فلا بد من إغناء هذا المنبع وتطويره وتكريم نسائهورجاله والاهتمام بهم أيما اهتمام. وقد قال رئيس سنغفورةحين سئل عن سر تقدم بلاده ، أنه خصص موارد الدولةللتعليم، وغير مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقةفي سنغافورة. وأكد على أن المعلم هو من صنع المعجزة،وهومن أنتج جيلا متواضعا يحب العلم والأخلاق، بعد أنكان شعب سنغفورة شعبا يبصق ويشتم بعضه فيالشوارع.

  وجملة القول، إنه في حال الانحراف عن الطريقالصحيح، المفضية إلى النهوض بمدرستنا العموميةوالاعتناء بالأطر المشتغلة بها سنكون كمن اختار لبلده عنطواعية الدخول إلى عصور الانحطاط الجديد من أبوابهالواسعة لا قدر الله.