سالم تالحوت
ترجع ممارسة المتعلمين للعنف، اتجاه الأستاذ والإدارة والبناية والتجهيزات ـ باختصارـ، إلى ردود الفعل ضدا على المدرسة العنيفة، تشكل من روافد متعددة. وفي إطار مقاربة العنف، عادة ما يجتهد المتتبعون في توسيع دائرة أسبابه المباشرة وغير المباشرة. مما يفرق “دم” الظاهرة بين روافدها المدانة والبريئة معا، لينتهي الأمر بعدم اجتثاث ولو واحدا من عوامل عنف المدرسة.
ولإعادة تشييد جدار سلم المؤسسة التربوية عموما، ورجال ونساء التعليم خصوصا، يمكن الإشارة إلى روافد خمس، تعتبر الركائز الأساسية، التي ينبغي إعطاؤها الأولوية في عمليات إشاعة السلم التربوي داخل المؤسسات التعليمية.
ـ الأستاذ الجاد أقل تعنيفا:
يشكل الأستاذ أبرز ضحايا التعنيف، لذا يعد أول مفاتيح محاربته؛ فاحترام المهنة، والتفاني في أداء الواجب، والاستماتة والتضحية في إتيانه على أحسن وجه… يؤدي إلى حيازة الكثير من رجال التعليم التقدير و”التبجيل”، ويقلل من جرأة المتعلم على تعنيفهم، والاعتداء على باقي أغراض المؤسسة.
فحينما يحس المتعلم بالاستفادة، يضطر إلى أن يوقر من أسدى له معروفا، وفق المثل القائل: “من علمني حرفا صرت له عبدا”. أما حينما يجد المتعلم في أستاذته نموذج الاستهتار والغش والتقليل من أهمية المهنة… فإن ذلك يبعث على تحقيرهم ويسقطهم من أعين المتعلمين، وينزلهم من لائحة المبجلين، ويبرر استحقاقهم للتعنيف.
ـ الأستاذ المربي أقل تعنيفا:
الأستاذ الجاد متخلق، يجنبه علوه المهني اللجوء إلى الإهانة والتحقير، والهبوط إلى مستوى خدش كرامة المتعلم؛ فالإمعان في التقليل من قدر المتعلمين، والتمادي في التنقيص من شأنهم، والتكلف في رسم السوداوية حول جدوائية التعليم… لن يزيد المتعلم إلا نفورا وتمردا على ما ينبغي أن يتحلى به من قيم الانضباط والجدية والسلمية في التعاطي مع محيطه.
فكثيرا ما تعود جذور تعنيف بعض رجال ونساء التعليم إلى فلتات لسانية، تتسرب على شكل استهزاء أو تتسلل في قالب تقبيح أو سب، وأحيانا باللجوء إلى تعنيف… يشجع المتعلم على إنتاج رد فعل عنفي، ردا لاعتبار ذاته المهانة، وثأرا لنفسه المحطمة.
مع مرور الوقت لن يعد المتعلمون والمتعلمات قادرين على التمييز بين سلوكات مرفق المدرسة والسوق والشارع … وما دام سوء الخلق يملأ الحصة، ويفقدها حسن الضيافة، فإن المتعلم سيفقد المرجعية التي يقيس بها سلوكاته وتصرفاته، التي لن يكون الأستاذ والجدران والأبواب والمصابيح… إلا أول ضحايا جنوحه.
ـ المؤسسات الأحسن إدارة أقل تعنيفا:
من المؤسف جدا أن يتعمد بعض المحسوبين على طاقم الحراسات والإدارات والأعوان… التهاون في أداء مهمة ضبط سير المتعلمين، واعتماد التسامح والتساهل والتغاضي عن سلوكاتهم وتغيباتهم، بشكل يخل بسير العملية التربوية.
فقد أصبح يشاع ـ بسبب هذا النموذج ـ أن الإدارة والحراسة التربوية… مجرد مواقع يلجأ إليه الفاشلون من رجال التعليم قصد الاستراحة. ويستنتج المتعلمون وهن الإداريين “التربويين” من مؤشرات: عدم ضبط القوانين، والتراخي في تطبيق المساطر، وغض الطرف عن التجاوزات، والتهوين من خطورتها… بشكل يقلل قيمة المؤسسة التربوية في أعين المتعلمين.
وقصد إعادة الوهج إلى الإدارة التربوية، فقد آن الأوان لاتخاذ تدابير: تشبيب هذا المرفق، وتفعيله بفرض شروط الجودة لتحمل المسؤوليات، وتنويع آليات مراقبتها ومحاسبتها، واعتبار مساعدة الأستاذ في أداء مهامه أولى مهام الإدارة التربوية، بدل التواطؤ من المنحرفين من المتعلمين والأطر… بالتغاضي عن مختلف تجاوزاتهم داخل المؤسسة التعليمية.
ـ المؤسسات المؤمنة أقل عنفا:
ينبغي أن يتحمل الأمن مسؤولياته التربوية، فلطال ما طالب الأساتذة والإدارات والآباء والأمهات والمتعلمون… بحماية محيط المؤسسات التربوية من الغرباء. فأبواب المؤسسات دائمة الاكتظاظ، وأكثر جذبا لغرباء، يمارسون التحرش والتعنيف والترويع… بل يتجرؤون على تكرار الولوج إلى المؤسسة، ومخالطة العاملين والمتعلمين بها.
وقصد تقوية الجانب الأمني واستدامته بمحيط المؤسسات التعليمية، فقد غدا إحلال “مداومة أمنية” جوار المدارس والاعداديات والثانويات، وتكثيف الدوريات “التعليمية” مطلبا، سيساهم تسلل هيبتها إلى داخل أسوار المؤسسات التعليمية في توفير الأمن، والتقليل من العنف المتعدد الأطراف بها.
ـ محيط المؤسسات السليم أقل عنفا:
للإسهام في توفير أجواء التعلم، يفترض أن تعمل السلطات العمومية على تنقية محيط المؤسسات التربوية من بائعي المخدرات، واتخاذ تدابير حازمة في حق أرباب مقاهي الشيشا، وحظر محلات الأطعمة الفاسدة، وإغلاق أوكار استغلال المتعلمات جنسيا…
فنظرا لدوره الكبير في تنمية العنف، وتأطيره… فقد أصبح من الضروري التعجيل بتوفير محيط تربوي مكمل لما يفترض أن يتلقاه المتعلمون والمتعلمات من معارف داخل حجرات الدرس.
هذه مجرد بعض الأفكار، تتوخى المساهمة في جهود الارتقاء بالسلامة المدرسية، والتقليل من العنف المدرسي الضارب أطنابه. والأكيد أن التركيز الجيد على الروافد الخمس المذكورة من شأنه أن يفعل الأمن المدرسي، ويحاصر امتداد زمن ومجال عنف المدرسة.