الدخول المدرسي على أنغام الخطابات الروتينية

أحمد طاهيري20 سبتمبر 2013
الدخول المدرسي على أنغام الخطابات الروتينية

يحل الموسم الدراسي في كل عام دراسي،فيلوح في الأفق نفس الخطاب الذي يتحلقعلى طاولة الاستماع إليه الجدد من المعينين من رجال التعليم والقدامى منهم على حد سواء،فتشرئب أعناق الرغبة عند الكثير منهم ممن هرموا في تلك الظلال،ثم يرهفون الأسماع عل وعسى أن تحمل مقررات الوزارة الوصية جديدا يثلج صدر الحقل التعليمي قبل أن يمنح بعضا من ذلك لصدور هؤلاء،فيتلى المقرر التنظيمي على تعدد فقراته،ثم تتكرر من جديد ظاهرة محاكاة الأسطوانة المشقوقة، باستثناء ما لايحمد معرفته مما لاعلاقة له بالجديد،حتى ولو اعتبره المنظرون جديدا حسب سياستهم التدبيرية،وتبعاً لرؤاهم وقناعاتهم،وإذا عرف منصب السيادة الوزيرية تغيرا في الشخص،تتم إعادة التلاوة على الأسماع اليائسة،والبنودُ واحدة ٌ،والاجتهادات ضعيفة،وقد تحمل ادعاءات لعنصر الاجتهاد ،فتسلب حقا من الحقوق المتعارف عليها،أو تحذف مكسبا من المكاسب المستأنس بها،والتي فيها متنفس لما يشكل في نفوس المتتبعين عقدة أو هاجسا،وقد شهدت عُشَرياتُ التنويع والابتكار والإصلاح ما عبر عن قريحة وأريحية الوزراء المتعاقبين على دفة سفينة القطاع فلم تعط العملية أكلها بعدُ،ولم تلد الشجرة اليابسة التي لا يُجديها الإرواء في شيء،فتعددت الشعارات،ونادت تارة بالنهوض جميعا من أجل النجاح،ودعت تارة أخرى إلى الحكامة والجودة والارتقاء،فلبثت هذه الشعارات حبيسة العبارة بما يرصعها من رونق،وانتظر المتتبعون المقربون المكتوون بنار العملية وعبء الرسالة،الحاملون لهمّها،ما سوف تسفر عنه الأيام القادمة،فطال بهم الانتظار،ولما استبشروا خيرا بسحاب ظنوه محملا بأمطار الخير،إذا بهم تغص حلوقهم بما تبقى فيها من ريق،إن لم تغض وتجف،وهم يرون التغيير على ما لا تهوى قلوبهم وأفئدتهم،فحُرموا من مكتسبات مؤرشفة في سلة الغنائم،وقـُزمت حقوق يتهيأ لمن تجشم الصعاب وركب متون هواه أن في ذلك إصلاحا لخدمة القطاع وناشئته،ثم إذا عم في الساحة هدوء العاصفة،المنددة بعمليات التولي عن الوفاء بالعهود،صارت الآمال مجددا تتغشى قلوبا مكلومة ،ونفوسا لم تقدر على اتقاء شحها،وهي تتماشى مكرهة مجهدة أنفسها مع فحاوي الشعارات التي أثبتت الأيام والليالي التي شهدتها العملية التعليمية أنها لم تكن في يوم من الأيام بلسما للجراح التي أثخنت الجسم التعليمي،فغدا حديثا يتندر به ويتفكه كل من هب ودب،وصار رجل التعليم مثار السخرية والتنكت به وبعيشه الضنك،وبمعاناته التي لا تنتهي، والتي لم تعد لدى الذين يعلمون والذين لا يعلمون بأنه “كاد أن يكون رسولا”،وأصبحت سيرته مَعينا غنيا لتأليف المسرحيات التي يطغى عليها طابع المأساة الساخرة،فقام منتفضا يحاول أن ينفض عنه غبار المهانة،فإذا به يضيف مهانة التكريم بالعنف والإرهاب إلى رصيد لا يحسد عليه من المهانات القديمة التي تلازمه أمدا،ثم صارت قضية التعليم جسما عليلا في البناء التنموي الحكومي،تنمو مع نموه العلة التي لم تسعفها الظروف غير المتوفرة بآس إن لم يجثـتها،يحقنها بترياق شاف،أويقيم أودها ،ويقوّم سكـّـتها،حتى تتمكن القاطرة المتعثرة من سير ثابت لا عوج فيه، لكن ذلك بقدرما يُنتظر من أولي الأمر فيه أن يتفضلوا بما تيسر من تدبيرأو تنظيرأو توجيه أو ترميم،بقدرما يشح الاجتهاد ويضيق بهم الأفق بما رحب،حتى إذا صاربلدنا في سياسة التعليم والتنويرالتي سلاحها العلم،وأداتها القلم،في مؤخرة الركب،ويغني خارج السرب،مسريا عن نفسه طعم الانهزام بشيء كالإصلاح،وليس إصلاحا مادام لايسمن ولا يغني من جوع،ولم يُسمع له من أصداء التنويه والاستحسان ما يثمن تطوره،وإلا كيف يمكن أن نفسر الدرجات الدنيا من نسبة التفوق في صفوف تلامذتنا،والتردي المهول لمستوى التعلم الذي لايبعث على التقييم إلا بالفتات القليل،ممثلا في عتبات المعدلات التي يجتاز بها المتعلمون المراحل الحساسة من تمدرسهم؟

إن الإصلاح ليس هو التكثيف من البرامج،وليس هوإثقال كواهل المتعلمين منذ نعومة أظافرهم بمواد ومراجع، تصيب أجسامهم بالإنهاك، وعقولهم بالتجافي ،والملل ،والفقر في الوعي والاستيعاب،وتملأ قلوبهم باليأس والقنوط،وليس الإصلاح تقشفا في ترشيد الموارد البشرية على حساب ما كان من مكاسب المتعلمين من الحق في الغلاف الزمني المخصص لكل مادة على حدة إلى الأمس القريب،وليس الإصلاح إخضاع الوسائل الديداكتيكية وعلى رأسها الكتب لسوق فيها تضارب وتنافس أهل الصفقات ومستهدفي الأرباح المادية،وليس الإصلاح العمل بين الحين والآخر على استيراد البيداغوجيات الغربية التي لو وجد فيها أصحابها خيرا في بلدانهم ومدارسهم خاصة ما تركوا لها ريحا تهب على غير بلادهم،وليس الإصلاح هو قطع الطريق على تجارب ميدانية في الحقل البيداغوجي للمنظومة،وتركها تموت ببرودة بسكتة قلبية،قبل أن نقف جميعا على نجاعة ما في جوفها ،وقبل أن يغيض به رحمها مكرهة، وها نحن هؤلاء ما زلنا نعيش إلى حدود هذه اللحظات عسر احتضارها،وليس الإصلاح تكليف المدرسين بأثقال لا ينوؤون بها إلا عن مشقة،تنضاف إلى مهمتهم الرسمية،كما هو الشأن بوجوب انخراطه في أنشطة كثيرة لا تنتهي،بل تأخذ من همه ووقته حيزا،وتشغله مكرها عن النهوض بدوره تحت إيقاع الاطمئنان والدعة والقناعة والرضا،إذ لا يحق في حقه أن تحوله سياسة التعليم إلى مشجب تلقي عليه بثقلِ أكثر من مهمة،وليس الإصلاح أيضا جرة بقلم في سياسة تنظيم السنة الدراسية تنظيما لا ينبني على ما للتنظيم في مثل هذا الباب من إعطاء لكل ذي حق حقه،وليس العكس،حيث تتبدى سياسة الترقيع،بردم ثغرة في ثوب الجسد التعليمي برقعة منتزعة من ثغرة تحتاج إليها،كما هو الشأن بالنسبة للعشوائية التي تسم وتصم المقرر الوزاري لتنظيم السنة الدراسية برسم هذا الموسم(2013/2014)،ويتعلق الأمر بتوزيع الزمن المدرسي الذي يتباين مع جدولة العطل،هذه الأخيرة التي إذا لم يتم تعديلها لاحقا،فإن أثرها السلبي سوف يظهر على العملية قبل أن يصبح معاناة ًملاحظة ًومعيشة ًمن قـِبـَل الأطراف المتفاعلة في العملية،وهي المتعلمون- وهم أول من يضجر ويحتج- والمدرسون،وهذا أيضا مكسب تم التطاول عليه، بعدم التوفيق في إطاره بين حصص التحصيل ومحطات التقويم وفترات الاستعداد للعمل مجددا أو الراحة من عنائه،وليس الإصلاح إصلاحا إذا ضعفت علاقته بالمرجعيات التي يجب أن تقوم عليها السياسة التعليمية في المدرسة المغربية …