التواصل في الإشراف التربوي
في أبعاده النفسية والاجتماعية والتشريعية
مقابلات مع خبراء ومهتمين
Iـ المقاربة النفسية للتواصل في الإشرافي التربوي
مقابلة مع الدكتور محمد لمباشري
أستاذ باحث في علوم التربية و علم النفس الاجتماعي
1ـ باعتباركم مهتما بقضايا علم النفس، ما الأمور التي ينبغي على المفتش والأستاذ مراعاتهما في تواصلهما على المستوى النفسي ؟
تعلمون أن المعرفة السيكولوجية التي يمكن استثمارها في تدبير الموارد البشرية بمنظومة التربية والتكوين باتت بؤرة مركزية في التكوين الذاتي والمستمر للمفتش التربوي للاعتبارات التالية:
1ـ عندما تراكمت التجارب المخبرية والأمبريقية في علم النفس اهتدى علماء النفس إلى تغيير الموضوع الاعتيادي لهذا العلم والمحصور في دراسة السلوك والتصرف، إلى موضوع جديد قائم على دراسة الإنسان في وضعية، كيفما كان سياقها سواء المهني والعلائقي ـ أو النقابي والحزبي أو الثقافي والتربوي… ودراسة الإنسان في وضعية يقتضي من الدارس أو المفتش الأخذ بعين الاعتبار كل المتغيرات المحيطة بها والظروف الآنية والبعدية التي يمر بها، قبل إصدار الحكم النهائي على عمله المهني.
2ـ كما أن المعرفة السيكولوجية الموجودة افتراضا لدى المفتش تتيح له إمكانية فهم الوضعية التي يوجد عليها الفاعل التعليمي من الناحية النفسية الاجتماعية، مع اتخاذ مبدإ الاحتراس في الحكم المتسرع عليه بناء على ما يمكن معاينته داخل فضاء القسم اعتمادا فقط على متغير الكفاية المهنية التي يمتلكها؛
و بذلك وجب على المفتش انطلاقا من هذه المعرفة السيكولوجية الوظيفية تكوين فكرة أولية وقبلية على الأستاذ من خلال مسح سيكوسوسيولوجي لشخصيته، بتفحص بداية ملفه الإداري والإطلاع على وضعيته العائلية وظروفه المادية وعمره الزمني وأقدميته في التدريس إلى غير من ذلك من المتغيرات التي يمكنها أن تفضي به و بشكل نسبي إلى تكوين تصور عام حوله قبل القيام بعملية التفتيش داخل المؤسسة التربوية التكوينية التي ينتمي إليها، بعدها يمكن الحكم الإشهادي على كفاياته المهنية داخل جماعة الفصل.
2ـ ما موقع الاهتمام بالقضايا التي تدور حول علم النفس والخاصة بالتواصل بالمقارنة بما هو اجتماعي أو قانوني، هل تعطى لها الصدارة، أم تعد تكميلية فحسب أم مجرد ترف معرفي؟ ما مسوغات ذلك؟
ليس هناك معرفة صالحة و معرفة كترف حسب أخلاقيات العلم والبحث العلمي، و لكن الأساسي في تقديراتي العلمية هو التوظيف الملائم لها أثناء إنجاز مهمة محددة، وهذه المهمة تستدعي استشارة اختصاصات متعددة تنتمي لحقول علمية مختلفة بما في ذلك حقل علم النفس والسوسيولوجيا والتشريع…
3ـ كيف يمكن أن نخلق توازنا بين صورتنا عن ذواتنا وصورتنا عن الآخر المختلف عنا أثناء إجراء تواصل أو حوار؟
في وضعية التفتيش يجب على المفتش ممارسة نوع من نكران الذات و تجنب الحكم الجاهز على الآخرين أثناء بناء عملية التواصل و بلورة حوار هادف مع المعني بالأمر، فكلما انطلق الإنسان في عملية التواصل من أحكام مسبقة وجاهزة كلما أثر بشكل سلبي على عملية اتخاذ القرار الإشهادي…
4ـ كيف يمكن التخلص من رغباتنا المكبوتة وانفعالاتنا الداخلية التي توجه سلوكنا (التواصل) في المسار السلبي؟
في كتاب حول مساهمة التحليل النفسي في المؤسسة المدرسية تمت الإشارة بأن المدرس عندما يتواصل مع المتعلم يستحضر ما هو مكبوت فيه كمتعلم سابق في لحظة زمنية سالفة، وبالتالي يمارس الإسقاط على الذي هو أمامه اعتمادا على حياته اللاواعية وعلى الطفل المكبوت بداخله، من هنا وجب على المدرس كما هو وارد في الكتاب المشار إليه أن يتخلص من عقده النفسية ومن حالاته الاستهامية التي يمكن أن تهيمن على انفعالاته و مواقفه و اتجاهاته حيال الذات المدركة…. ونفس الأمر بالنسبة للمفتش عندما يكون في وضعية معاينة درس، فلابد له من الموضوعية المعيارية في ملاحظته البيداغوجية و الديداكتيكية للنشاط المبرمج، اعتمادا على بطاقات مقننة تخلصه نسبيا من ممارسة الذاتية في الحكم على المنتوج المقدم.
5ـ هل يمكن تعديل الشخصية الإنسانية التي تشكلت عبر أزمنة وتبعا لأحداث ماضية حتى تحقق مبدأ الاعتدال بين تقديرها لذاتها وتقديرها للآخرين أثناء إجراء تواصل في العملية التفتيشية؟
عندما أنشأ مكارينكو مدرسة ماكسيم غوركي من منظور بولشيفي نهج في إستراتيجيته البيدغوجية عملية معاودة التربية لجميع الفئات المستهدفة بداخلها من أجل تصحيح و تعديل السلوكات السلبية و ارتقاء بهم إلى اكتساب بروفيلات تعكس ما هو منتظر منهم كمناضلين بولشيفيين؛ و بذلك فمعاودة التربية و التكوين إجراء صائب يتم من خلال التأطير الشخصي لهؤلاء من طرف المفتش، ونقل التجارب الذاتية الإيجابية لهم وتصحيح ما يفترض أنه قابل للتصحيح و التعديل… تحقيقا للرهانات المعقودة عليهم من طرف المجتمع المدني …
6ـ ما الجانب الأكثر تحكما في تواصلنا الجانب الشعوري أم اللاشعوري؟ وكيف السبيل للتصرف في حال كون اللاشعور هو المتحكم، هل نعذر الآخر على كل سلبياته التواصلية؟
موضوع الشعور و اللاشعور ليس من اختصاص المفتش لقياسه وضبط مقتضياته في التأثير على السلوك اليومي للشخص، وإنما هو في تقديراتي العلمية موكول أساسا لذوي الاختصاص، وغالبا إذا ما سقطنا في هذا الجانب تنزاح تفسيراتنا كمفتشين لهذه الجوانب إلى أحكام قيمة وانطباعات غير قائمة على معايير علمية… فالمفتش يمكنه أن يستفيد من هذه المعرفة التحليلية النفسية و لكن يصعب أن يحول نفسه إلى محلل نفساني …
7ـ هل ثمة حدود انفعالية فينا لا يمكن معها استخدام العقل والحواس والإدراك؟ وما تفسير ذلك؟
الإنسان كما تعلم كائن مركب و لا يمكن فهمه بتجزيئه إلى انفعالي وعقلي فالكل متداخل، وتشير بعد الدراسات البيواجتماعية أنه بإمكاننا أن نعقلن انفعالاتنا و إدراكاتنا بشكل واع و رزين.
8ـ ما المكونات الانفعالية المتحكمة في علاقة الشخص بالآخر؟ وبما تنصحون المفتش للتفاعل معها؟
ضرورة احترام كرامة الإنسان و الابتعاد عن أسلوب الاستفزاز و التسلط و فرض الذات، مع احترام الآخر و تقدير ذاته و المجهودات التي يبذلها مهما كانت فيها ثقوب واختلالات مهنية جلية، ليس فقط على مستوى كتابة التقرير وإنما أيضا أثناء وضعية المناقشة للدرس، و هو ما يمكن أن يفضي حسب وجهة نظر عالم النفس السوسيومعرفي “برونير” إلى تحقيق التعزيز الداخلي للمعني بالأمر…
9ـ هل يلعب الخوف الاجتماعي نصيبا وافرا في فشل تواصلنا؟
الخوف الاجتماعي ليس ظاهرة عامة وإنما هو مكتسب من البيئة السوسوثقافية التي نشأ فيها، و كلما كانت شخصية الفرد قوية كلما تجاوز وضعية الخوف بأمان تام، لكن هناك بعض المتغيرات التي تساهم في إثارة هذا الخوف من طرف المفتش لا بد من استخضارها:
أولا، يمكن للفرد أن يتعرض للخوف الاجتماعي عندما يكون غير واثق من نفسه، ومن المعرفة التي يمتلكها في الوضعية المهنية؛
ثانيا، يمكن لسلطة المفتش كضابط للاستمرارية أن يلبس لباس المراقب وليس الموجه والمرشد والمساعد، أن يكون لدى المدرس تمثلا سلبيا حوله وهو ما يفضي به إلى التعرض للخوف والرعب أحيانا و لنا حالات كثيرة تعرضت لهذه المواقف الحرجة لدرجة الإصابة بفوبيا حادة تجسدت في مجموعة من الأعراض مثل: التلعثم ـ احمرار الوجه ـ الارتباك ـ القفز على بعض المراحل المنهجية…
10ـ كيف يمكن تذويب هذا المحدد الانفعالي وتجاوزه؟ العلاج أم اللامبالاة ؟
في مقال سينشر في العدد المقبل لمجلة علوم التربية، طرحت موضوع الهيبوتالاميس كمتحكم في انفعالاتنا، و كيف يمكننا أن نربيه وننشئه و ندربه مثل كلب الحراسة من أجل دفع الفرد الاجتماعي إلى ضبط ردود فعله تجاه أي مثير خارجي كيفما كانت حدته و درجته، أكان شخصا أو حيوانا أو حدثا معينا. في تقديراتي كإجابة على هذا السؤال وجب على المفتش اعتماد التقويم بواسطة عقد الثقة مع المدرسين الذين يشرف عليهم وذلك من خلال عقد اجتماعات أولية معهم يوضح من خلالها بنود هذا العقد مع استيضاح المعايير والمؤشرات التي يعتمدها في عملية التقويم من أجل التفاوض والتصديق المؤسسي عليها.
11ـ هل يعد النفور من الآخر لمجرد اللقاء الأولي متحكما انفعاليا في تواصل المفتش مع الأستاذ، أو في أية علاقة مهنية، أم لا مبرر من ادعائه؟
يلعب الإدراك الاجتماعي و الصورة المكونة نحو الشخص الذي يمكن أن نتواصل معه أهمية قصوى في عملية التفاعل و نسج العلاقة التربوية والتكوينية؛ و كلما كانت إدراكاتنا للآخر مشوبة بأحكام و بتمثلات سلبية كلما ساهم في تعقيد هذه العلاقة وإدخالها إلى النفق المسدود…
12ـ ما نصيب الغضب السريع في توجيه تواصلنا؟ وكيف نفسر حدوثه أثناء حواراتنا؟
سبق الإجابة عن هذا السؤال في وحدات سابقة، فقط أشير بأن السلطة التقديرية للمفتش والوظائف التي يقوم بها تتطلب منه التحكم بشكل كبير في انفعالاته بدون أحكام مسبقة، و عدم الانزلاق في متاهات من شأنها أن تمس بشخصيته كفاعل تربوي وتنموي، و ذلك من خلال تفعيل التقويم بواسطة عقد الثقة.
13ـ هل يلعب اختلاف الجنس ( ذكر – أنثى ) دورا أكبر في نجاح تواصلنا مع من نشابهه؟
تنهج مقاربة النوع في الجانب العلائقي التواصلي عدم التميز بين الذكر والأنثى في عملية التواصل.
14ـ هل الغريزة في حال اختلاف الجنس تصبح عاملا حاسما في توجيه التواصل بين الأطراف؟
حساسية المرأة من خلال تركيبتها الهرمونية والفيسيوولوجية دفعت بالعلماء إلى التنبيه لها في عملية التواصل وبناء العلاقة، ولكن في نظري لا تشكل هذه القضية أية مشكلة في أجرأة عملية التواصل، ضمانا بطبيعة الحال لمبدإ التكافؤ في الفرص بين الذكور والإناث واحتراما لمقاربة النوع…
15ـ ما دور التقدير والاحترام في تعزيز آليات التواصل في العلاقات الشغلية؟ وهل تأويلهما بالسلب يعطي الأحقية باستبدالهما بما يقابلهما بالسلب في تواصلنا؟
في الدراسات السيكوسوسيولوجية تم الإشادة بالتحفيز والتقدير والاحترام الذي يجب أن يؤسس بين الأفراد المتواصلين سواء في وضعية التفاوض و الوساطة بمختلف أشكالها أو في وضعية مفتش ومدرس، أو أي وضعية علائقية نراهن على نجاعتها تحقيقا للأهداف المنتظرة …
حتى نختم هناك مجموعة من المواصفات التي وجب على المفتش التربوي أن يتحلى بها للقيام بأدواره التنموية نجملها كالتالي:
ـ أن يكون ذا مصداقية علمية و البيداغوجية؛
ـ أن يكون محط ثــقــة لدى الفاعلين التربويين والتكوينين؛
ـ أن يبادر بالعمل العمل التطوعي في مجال التكوين الذاتي والمستمر؛
ـ أن يكون خلوقا ومتسامحا وضابطا في بعض الأحيان؛
ـ أن يمتلك القدرة على الإنصات و الإصغاء للآخرين؛
ـ أن يتجنب نشر غسيل الآخرين أثناء القيام بمهمات التفتيش؛
=======================================================
د. علي بولحسن
IIـ المقاربة الاجتماعية للتواصل في الإشراف التربوي
مقابلة مع الدكتور علي بولحسن
أستاذ باحث في السوسيولوجيا والسياسات العمومية
1ـ باعتباركم مهتما بالشأن السوسيولوجي ما موقع المؤثرات الاجتماعية في توجيه التواصل بين المفتش والأستاذ بالمقارنة مع الأبعاد النفسية والقانونية؟
ج ـ المفتش والأستاذ ليسا بالفاعلين المنفردين بالتواصل في العملية التربوية، بل هناك آخر مهم قيمي ومعرفي هو المحتوى التعليمي (البرامج والمناهج) وهو الذي يحدد ويؤطر ويوجه التواصل بين المفتش والأستاذ، وكل هذا يعكس صورة المجتمع المحيط بالمدرسة.
2ـ هل تكفي دراسة علم النفس الاجتماعي ولا سيما الفرع المهتم بسوسيولوجيا العمل لضبط تواصلنا وإنجاحه أثناء الإشراف على الأساتذة ؟
ج ـ طبعا لا تكفي لأن علم النفس الاجتماعي يرتكز على التمثلات الاجتماعية، وهذه لا تكفي لضبط آليات التواصل.
3ـ هل توتر العلاقات الإشرافية ( بين القائد والتابع ) تتأسس على مبادئ الصراع بين الأطر الاجتماعية المختلفة لكل طرف أم بناء على قواعد الشغل وطبيعة التكوين النفسي ؟
ج ـ لا هذا ولا ذاك، ففي العملية التعليمية التعلمية لا يجب أن يكون لا قائد ولا تابع، بل هناك شركاء في المسألة التعليمية حيث عقدة التشارك تنبني على حكم الاختصاص واحترام المواقف.
4ـ كيف يمكن لأستاذ ومفتش في ظل اختلاف عناصر الثقافة بينهما ( الدين – اللغة – الجنس – العادات- الطقوس ….) تحقيق تواصل ناجح طالما أنه لا يمكن لهما التحرك خارج الإطار الذي ينتميان إليه ؟
ج ـ تدريس مجزوءة السياسات العمومية كفيل بإلغاء تلك الفوارق، لا يمكن تنزيل السياسة العمومية مجدية مادامت العملية التربوية غير منفتحة، فغنى العملية وجدواها لا يمكن أن يكون إلا في اختلاف المعطيات والخبرات والأطر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.
5ـ إذا تفضلتم نود أن نعرف الوضعية الاجتماعية التي يمكن أن تسهم في تشكيل الشخصيات التالية ( التعاوني – التنافسي – السلطوي – المعاند – العدواني – اللامبالي ) ؟ وهل هذه الأنماط حتمية لا سبيل إلى تجاوز وضعها ذاك ؟ بمعنى آخر هل الشخصية الاجتماعية حتمية على غرار النمو النفسي؟
ج ـ المؤسسة الضامنة لتحرير الوضعية الاجتماعية هي المدرسة، لأن وظائفها الرئيسة هي التعليم، التربية، التكوين، إصلاح/تقويم الاختلالات الاجتماعية بغية تحقيق التوازنات الاجتماعية.
6ـ هل الاعتراف بالآخر وتقبل وجهات نظره واختلافه عنا يدخل في باب المهادنة الاجتماعية فحسب ، طالما أننا لا نتبنى نموذجه في نهاية المطاف ونظل متشبتين بقناعاتنا المختلفة عن قناعاته ؟
ج ـ يجب طلب وجهة نظر الآخر وإخضاعها للتجريب ووضعها على المحك لأخذ ما يمكن أن يستفاد منه، أو لتصحيح وتقويم ما هو غير مفيد، أو ما قديؤثر على سير العملية التربوية.
7ـ في رأيك ما الطرق الكفيلة بإدارة قيادة تربوية ناجحة بين المفتش والأستاذ ؟
ج ـ المقاربة التشاركية.
8ـ هل من الذكاء الاجتماعي المصارحة والمكاشفة والشفافية في تعرية الذات أمام الآخرين بكل قناعاتها ومعتقداتها لرسم خطة التواصل مع الآخرين ؟ أم أن الأمر ضرب من الجنون ؟
ج ـ يجب حذف كلمة التعرية وتعويضها بفضيلة تقبل الآخر والتسامح، وإصلاح الرأي (رأي الذات والآخر) وغرس مبدإ التحفيز من أجل السير إلى الأمام.
9ـ هل الأجدى للفعل التربوي أن يتعامل المفتش مع الأستاذ بنوع من التماثل والندية أم يتخذ مسافة بعيدة منه عند التعامل ؟ أم يزاوج بين الأمرين باختلاف الحالات والنماذج البشرية ؟
ج ـ لا هذا ولا ذاك، العلاقة الأندراغوجية بين المشرف والأستاذ يجب أن تتسم بالتساوي أمام الفعل التربوي.
10ـ هل يعني تغير أسلوب التواصل بين المشرف والمشرف عليه تغير الصلة الاجتماعية بينهما؟
ج ـ لا، أبدا، لا نتحدث عن تغيير لأسلوب التواصل، ولكن نتحدث عن إرساء نموذج تواصلي ملائم، بما يعني ملاءمة النموذج التواصلي للمؤسسة للوسط والوضعية الاجتماعية.
11ـ ما مكانة المحدد اللغوي في توجيه التواصل على صورة من الصور؟ ومتى يصبح هذا المكون خطرا على التواصل ؟ وكيف نستطيع التغلب على التوظيف الشخصي له دون تأويله سلبا؟
ج ـ ببناء برامج ومناهج محكمة ومتكاملة، متواصلة، وبمحتويات تصاعدية، تطورية، وموزعة توزيعا ديدكتيكيا محكما يسهل لغة التواصل.
12ـ ألا ترى أن التواصل بين المفتش والأستاذ في حال اختلافهما جنسيا ( ذكر – أنثى ) أقرب للنجاح منه في حال اتحادهما ؟ وما الدور الاجتماعي الذي يلعبه هذا العامل الاجتماعي في توجيه التواصل ؟ وكيف يمكن لنا التصرف في ظل الاختلاف والاتحاد ؟
ج ـ لا يجب على متغير الجنس أن يؤثر على التواصل بين المشرف والأستاذ لأن هذا التواصل يخضع لقواعد (بروتوكول) تربوية محكمة بقيم تربوية قبل أن تكون تعليمية.
13ـ ألا ترى أن استحضار التعصب للعادات والتقاليد والانتماءات الإيديولوجية أمر يفرض نفسه عند قيادتنا للأساتذة أم أن الأمر يجب تجاوزه في الوضع التربوي ؟
ج ـ يجب استثمار هذه الاختلافات والانتماءات في عملية الإشراف بما لا يترك أثرا على العملية التربوية، بل يجب حمل الطرف الآخر المتعصب على إعادة النظر في مواقفه تجاه زملائه وتلامذته وحتى مؤطريه الإداريين والتربويين، فالتعصب قد يكون أحيانا إن لم نقل دائما نقطة قوة لانطلاق نقاش تربوي، عملية تعليمية، وحتى معاملات سوسيو ثقافية.
14ـ ما الأمور التي ينبغي أن يستحضرها المفتش في حال إشرافه على من هو أصغر منه سنا أو أكبر منه سيما إذا كان الفرق يستغرق جيلا بأكمله ؟
ج ـ ما ينبغي أن يستحضره المشرف هي الكفاءة بغض النظر عن متغير السن.
15ـ هل يمكن أن نبرر التصرف المتعالي للمفتش أو الأستاذ اتجاه بعضهما البعض بالانتماء الطبقي، طالما أنه أهم داع للصراع ؟
ج ـ في العملية التعليمية التعلمية ليس هناك مكان للتعالي الاجتماعي، لا شخصي ولا طبقي، بما أن طبيعة العلاقة تسمو إلى المستوى المعرفي الذي يمثل أحسن مقياس تمييزي لتصنيف الشخص، أو الفاعل التربوي، وحتى إذا ظهرت علامة تحاول إبراز الطبقية فهي تعد بمثابة مناورة لإخفاء ضعف معرفي أو كفاءاتي، أو مهارتي….
16ـ كيف يسهم الحالة الاجتماعية ( الزواج – الطلاق – العزوبة – التكفل – الترمل – التبني ) في تحديد ملامح التواصل ؟
ج ـ هذه المتغيرات لا يكون لها تأثير إلا في حالة واحدة، وهي ترك فراغ في العملية التربوية، وذلك بتوزيع النشاط التربوي والتكويني على المدة الزمنية المحددة للدرس أو اللقاء التربوي (يجب شغل occuper الفئة المستهدفة).
17ـ كيف تنظر لعلاقة المفتش بالأستاذ في النظام التعليمي المغربي؟ وما سبل النهوض بهذه العلاقة بما يخدم الشأن التعليمي والتربوي؟
ج ـ العلاقة إدارية بشكل كبير، بحكم قوة النقطة التي تحدد نوعية الترقي للأستاذ، وهي كذلك تربوية بحكم اختلالات البرامج والمناهج واجتماعية بحكم التفاعل التربوي الذي يخلقه الدرس / التكوين / التأطير … ويجب أن تكون العلاقة مبنية على النزاهة، والكفاءة، والمواطنة.
==============================================
د. سعيد العلام
IIIـ المقاربة التشريعية للتواصل في الإشراف التربوي
مقابلة مع الدكتور سعيد العلام
أستاذ باحث في القانون والحكامة والعلوم السياسية
رئيس مركز الدراسات والأبحاث في منظومة التربية والتكوين
1- باعتباركم أستاذا مكونا للطلبة المفتشين بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط، هل ترون أن التكوين النظري المعمق الذي يتلقاه هؤلاء بالمركز كفيل بتأهيلهم لأداء الأدوار المبتغاة منهم ؟
ج- أود قبل الإجابة أن أعيد طرح السؤال : هل هناك رؤية واضحة لماهية المشرف التربوي؟ وهل هناك وعي مسبق للكفايات التي يسعى التكوين إلى تحقيقها من خلال رؤية واضحة لهوية المشرف التربوي الذي يصبو المركز إلى تحقيقه كغاية للتكوين؟ يبدو لي من الصعب أمام الارتجال الحاصل على مستوى هندسة التكوين أن هناك رؤية واضحة لهوية الكائن الذي يسعى المركز إلى تخريجه للقيام بوظيفة الإشراف التربوي. وفي المقابل ليست هناك رؤية واضحة من لدن القطاع لتصور ملامح مشرف تربوي بمواصفات تتلاءم وتطلعات الإصلاح. إن كل ما لدينا هو عبثية في تصور الإشراف التربوي (التفتيش؟)، كما أن وظيفة هذا الكائن لا تنفك أن تكون وظيفة رقابية وليست تأطيرية كما يفهم من التسمية التي تقترحونها (المشرف التربوي). لذا أعتبر أن التكوين بالمركز بعيد كل البعد عن إنتاج كفايات لائقة بحجم الانتظارات المرجوة من المشرف التربوي إن قبلنا على مضض بالتسمية.
2- هل السياسة التربوية على مستوى التنظيم تمنح المشرف التربوي المكانة اللائقة به ضمن المنظومة التربوية، وما العراقيل التي ترونها تقف حجرة عثرة في النهوض بهذا الإطار؟
ج- سأضطر مرة أخرى لإعادة طرح السؤال: يبدو لي الحديث عن التدبير التربوي/التعليمي سيكون أنسب، إذ لا يمكن، بأي حال من الأحوال، اعتبار ما يعتمل أمامنا ـ حسب الدكتور العلام ـ من فعل تربوي هو سياسة تربوية، بكل بساطة لأن غياب الرؤية والمنهجية القادرة على استيعاب الفعل التربوي في صيرورته كافيان للجزم بأننا لن نكون إزاء أي سلوك عقلاني يمكن أن ينهض بأي دور لإصلاح المنظومة. وبالتالي فعطفا على ما سبق بخصوص وظيفة الإشراف نؤكد أننا أبعد ما نكون عن وظيفة للإشراف حتى وإن غيرنا التسمية. لأن وظيفة الإشراف التربوي تقتضي التخلص من الرؤية التنميطية لدور المشرف التربوي فهو في الغالب يستعمل كأداة للرقابة إن على المستوى البيداغوجي أو الإداري وهذا يتعارض كليا مع وظيفة الإشراف التربوي التي تستدعي وظيفة التأطير كأولوية للفعل. أما عن العراقيل فهي ذات بعد ثقافي مرتبطة بباريدغمات ولوبيات تتصارع حول مواقع القرار التربوي. ولعل الرؤية البديلة لتصور وظيفة التفتيش تعني التخلي عن سلطة رمزية، وبالتالي فقدان موقع القرار. لذلك فهناك من هذا الجسم التربوي من لا يرغب في التخلي عن وظيفة التفتيش والتطلع إلى وظيفة أرقى معنويا لكنها مكلفة ماديا، وهي وظيفة الإشراف التربوي. فالأزمة هيكلية مرتبطة بعقلية للتدبير تكرس فعل التنافس حول مصدر القرار أكثر منها رؤية تربوية تنهل من القيمة القصوى للتربية هي المصلحة العامة.
3- هل مفهوم القيادة التربوية يستوجب ضرورة منح المشرف التربوي نوعا من السلطة على المشرَف عليهم، أم ينبغي تجريده منها تماما، وإخلاص مهامه لما هو تربوي فحسب؟
ج- ينبغي تحديد المقصود بالسلطة أولا قبل الإجابة، يجب إعادة النظر في مفهوم السلطة، ومن ثمة قيمة المشرف التربوي إذ لا يخلو سلوك إنساني من نزوع سلطوية حتى ولو كان بسيطا؛ فالسلطة المقصودة هنا هي سلطة مادية مرتبطة بوظيفة الرقابة. وهذا النوع من السلطة مرفوض أخلاقيا لأنه مبني على مبدإ الإكراه، وهو ما يكرس النظرة التشييئية لوظيفة المفتش، كما يعكس النظرة التبسيطية التي تحول المفتش إلى مجرد أداة تستخدم عند الاقتضاء. فما يمنح للمشرف التربوي قيمته ليس سلطته القانونية في الرقابة بل قدرته على إنتاج قيم معرفية عن طريق التعاقد والتواصل الجيد مع زملائه الأساتذة. لأن هذا النوع من السلطة يولد الرضا والقابلية للامتثال لقرارات المشرف التربوي حتى ولو كانت ذات طبيعة تأديبية. إن وظيفة التأطير الجيد وخلق قيم التنافسية والاحترام المتبادل والنزاهة في التعامل والسلوك النموذجي القائم على التعامل بالمثل، هو ما يولد قيم الإنتاج والجدية في العمل والنجاعة. كما أن حضور التحفيز على البحث والاجتهاد كفيل بإعطاء الوظيفة الإشرافية قيمتها الأخلاقية والمعرفية. وكل ذلك رهين بإستراتيجية للتواصل مبنية على كفايات قيادية ينبغي أن تكون حاضرة في اختيار شخص المشرف التربوي وإن لم يكن ذلك بشكل قبلي فينبغي أن تحضر بشكل بعدي عبر التكوين بالمركز.
4- تنظيم علاقات الإشراف التربوي، هل يقتضي تغيير النصوص المنظمة للمهام أم تطعيمها بأخرى لتفادي قصورها، أم تأهيل العنصر البشري قانونيا ليكون في مستوى تنزيل النص الموجود؟
ج- لا هذا ولا ذال باعتبار أن ما تقترحه مجرد مخرجات لمبدإ أهم وهو حضور الرؤية الجيدة ضمن سياق عام لإصلاح المنظومة؛ فوظيفة الإشراف مرتبطة بإستراتيجيات الإصلاح، لأن الإشراف التربوي حلقة ضمن سيرورة مترابطة من آليات الاشتغال لتنفيذ القرار السياسي في التربية. وإني أرى بشكل مبدئي وكأولوية أن يتم التفكير في تصور لوظيفة الإشراف التربوي تنسجم وفلسفة الإصلاح ثم بعد ذلك يأتي الشق القانوني كتفعيل لتلك القيم المرتبطة بالرؤية، يتبعها تكوين الموارد البشرية القادرة على تحقيق الرهان الاستراتيجي.
5- ألا ترون أن قصور النص في توضيح الكيفية التي يجب أن تنفذ بها المهمة جعلها ترتهن للاجتهاد الشخصي الذي أصاب الفعل الإشرافي ولا سيما التواصل منه بالتشوه والانهيار؟
ج- يبدو أن الأمر لا يتعلق بقصور في النص، بل هو ضعف في الثقافة القانونية للمفتشين التربويين، كما أن غياب الوضوح على مستوى الوظيفة ارتباطا بالتدبير التربوي قطاعيا جعل مهمة المفتش معقدة فتعدد المهام راجع لهيمنة هذه الفئة على مفاصل القرار السياسي في التربية مما جعلها تتحكم في كل مداخل الفعل الحساسة لإحكام سيطرتها على المنظومة. فكل تلك المهام ذات نزوع رقابية يمارس من خلالها المفتش فعلا مزدوجا ينم عن تناقضات قد تعيق وظيفته الأصلية، فهو من جهة يراقب البيداغوجي كي يكرس السلطة الرقابية للدولة باعتبار المدرسة قناة للتنشئة، ومن جهة أخرى يقوم بوظيفة الرقابة الإدارية والمالية، مما يجعله متحكما في القرار الإداري ليكرس سلطة قانونية وسياسية لصناعة القرار التربوي إن مركزيا (المفتشية العامة/هيمنة جسم المفتشين على كل المديريات المركزية…) أم جهويا (هيمنة المفتشين على الأكاديميات والنيابات الإقليمية…).
6- ماهي حدود التدخل الإشرافي التي تحفظ للتواصل استمراره مع الالتزام بأداء الواجب وحفظ الحقوق .
ج- حدود التدخل الإشرافي لا تتعدى في اعتقادي وظيفتين: التأطير البيداغوجي والديداكتيكي وفي حدود التوجيه الخالي من أية سلطة قانونية (النقطة تبقى عاملا للتقييم وليس للترقية). والوظيفة الثانية هي البحث التربوي الذي يخدم غايتين: الأولى هي التكوين والتحفيز على تجديد المعارف ومنهجية الاشتغال لدى الأستاذ، والثانية هي الانكباب على فهم الواقع التربوي والقيام ببحوث ميدانية وعملية من أجل استيعاب التغيرات وخلق قيم بيداغوجية وديداكتية جديدة تتلاءم وحجم التحولات.
7- هل يعتبر تأرجح التواصل الإشرافي بين ما هو إداري و ما هو تربوي أمر صحي أم معضلة تنظيمية؟
ج- كما سبق أن قلت ينبغي الفصل بين الوظيفتين لبلوغ الفصل بين نمطي السلطة اللتين أشرت إليهما سابقا. ذلك أن الاستمرار في هذا الخلط قد يفقد وظيفة الإشراف التربوي غايتها. لأن وظيفة الرقابة الإدارية تبدو مسؤولية جهات أخرى ذات طبيعة إدارية، في حين أن الوظيفة الأصلية للمشرف التربوي تبقى تربوية خالصة.
8- لو طلب منكم وضع تصور تنظيمي لمهنة التفتيش يركز على فعل التواصل، ماهي الخطوط العريضة لهذا التصور؟
ج- هذا سؤال لا ينبغي الإجابة عنه في سطور ويحتاج لرؤية شمولية وإلا سنتعسف في وضع رؤية حقيقية للمهمة. ولكن يبدو لي أن مهمة المشرف التربوي تواصلية بامتياز، ويبدو لي أن الكفاية الأساس والمركزية التي ينبغي أن يتملكها المشرف التربوي هي القدرة على خلق قيم للتواصل ولعل مفتاح ذلك هو الاشتغال بالتعاقد.
9- منِ الأوْلى مراعاة أداء الواجب والسهر على تنفيذه أم مراعاة القوة القاهرة للمشرَف عليه والتي تعيق التنفيذ؟ وما مصير التواصل في هذا التحديد؟
ج- يبدو لي أن هذا النقاش يدخل في سياق النقاش حول العدالة والعدل، أو كيف يمكن لسلوكنا أن يكون صائبا تجاه من نحكم على فعله؟ ويبدو الجواب جليا في العدالة الشكلية وعدالة الموضوع؛ فقيم التواصل مبنية على مبدإ التفهم وليس الفهم. كما أن قيم العدالة مبنية على الإنصاف وليس المساواة. وما ينبغي التأكيد عليه هو أن القيادي الناجح هو المتفهم وليس الفاهم، لأن الإنسان نهر جار متدفق قد يعطيك أكثر مما تطمح إليه إن أحسنا التعامل معه. لذا فالتواصل الجيد هو القائم على استيعاب السلوك الإنساني وإعادة استثماره حتى ولو كان سلوكا سيئا.
10- ما رأيك في شبكات التقويم التي جاءت كأجرأة لدليل تنقيط الموظفين، وهل التعاقد حولها سيؤثر حتما بالسلب على التواصل الإشرافي؟
ج- يبدو لي أن التقويم الجيد هو الذي تنتجه المجموعة بمحض إرادتها لان فيه قيمة قصوى هو قابليته لاستيعاب قدرات المتعاقدين، كما أن ميزته هو الرضا الضمني الذي قد ينتجه التعاقد التشاركي. عكس شبكات التقويم الفوقية والتي تُنتج ضمن سياقات مختلفة قد لا تعني الفئة المتعاقدة وقد تحرج حتى المشرف التربوي بالنظر لخصوصية الفئة المستهدفة. أفضل التعاقد الذي تنتجه المجموعة التي يؤطرها المشرف التربوي لأنها تستدمج مبدأ التفهم الذي هو قيمة القيم في العملية التواصلية.
11- كيف ستسهم الاستقلالية من الرفع في أداء المشرفين التربويين التواصلي؟
ج- الاستقلالية ينبغي أن ترتبط بمبدأين حيويين حتى تكون ناجعة؛ أولهما مبدأ المسؤولية، والثاني هو مبدأ النجاعة الذي يختزل الفاعلية والإنتاجية.
12- ما رأيكم في إشراك السادة المفتشين في لجان تقصي الحقائق وفض النزاعات التي يكون الأستاذ موضوعها ، وما عواقبه على تواصله؟
ج- إن أهم صفات المشرف التربوي هي الحياد، وهذا الأخير يقتضي أن ينأى المشرف التربوي عن كل ما من شأنه أن يفقده مصداقيته، لأنه في أي نزاع لا يمكن أن نخلق التراضي، مما يجعل عملية التواصل الإيجابي فيما بعد تبدو مشوشة وفيها ما يشين.
13- ختاما ألا ترون أن الجوانب التي ينبغي استحضارها في تشييد تواصل مثالي في الإشراف التربوي تتعلق بالوضع النفسي والاجتماعي للمتواصلين أكثر منها بتلك التي تتعلق بالوضع القانوني؟
ج- بالتأكيد لأن البعد القانوني لا يدخل في عملية التواصل بل هو وسيلة لتدبير النزاع، والتواصل لا يمكن أن يصل إلى لحظة النزاع لأن هذه اللحظة تعني بكل بساطة فشل عملية التواصل.