التنشيط البيداغوجي ( سؤال الوعي وإشكالية المعنى ؟ )

التنشيط البيداغوجي ( سؤال الوعي وإشكالية المعنى ؟ )

على سبيل التقديـــم :
تسعى هذه الدراسة الميدانية إلى الوقوف عند مكامن الإيجاب والسلب في ما أصبح يسمى في المقاربات الجديدة لتدريسية المواد بــحصة التنشيط البيداغوجي ،وتتغيا هذه الدراسة الإجابة عن سؤال : كيف يمكن لهذا المنظور الديداكتيكي أن يؤثر على الأداء التربوي التربوي لتلامذة السلك الثانوي التأهيلي بالخصوص من خلال سلوكاتهم الصرفة أو مستواهم الدراسي وذلك قد يتأتى إما في صورة إيجابية أو العكس ؟ في ضوء هذا السؤال وفي نقاش حاد أسهب فيه تلامذة السلك الثانوي التأهيلي بين مؤيد ومعارض بين منفتح وملتزم ، لكل منظوره الخاص في قراءة الوضعية المنشودة لصفات القسم ، نحاول الإجابة عما هو أعمق من ذلك ، يتعلق الأمر هنا (بالوعي الفردي) واختلاف زوايا النظر حول مشروعية ومقبولية حصص التنشيط البيداغوجي بداخل حجرة الدرس من عدمه ؟ بل نحاول الخوض في إشكالية أكبر تربطها علاقة علية وسببية لما أشرنا إليه آنفاََ ، وهي ما اختزلناه في عبارة ( إشكالية المعنى )، بمعنى هل تتأتى الفائدة وهل نحصل على نتائج جيدة مساعدة في سهولة تدبير العلاقات البيداغوجية والتحكم في جماعة الفصل ، أم أن حصة التنشيط البيداغوجي لا يؤطرها أي ميكانيزم يراعي ويسطر أهداف معينة ، ويرنوا إلى تحقيق كفايات خاصة ؟ هذه الأسئلة وغيرها ، ستحاول هذه الدراسة الإحاطة ببعض من جوانبها وإضاءة بعض الخصوصيات التي يتوجب مراعاتها حتى تعم الفائدة وترقى بذلك الطرائق الديداكتيكية إلى مستويات الأجرأة المعقلنة والاستثمار الأنجع.
1- المفاهيم ومرتكزاتها التربوية :
التنشيط البيداغوجي: ممارسة يعتمدها المدرس ، باعتباره منشطاََ وموجهاََ وباحثاََ في ظل المقاربة بالكفايات ، تهدف إلى خلق دينامية مستمرة تهدف إلى تأهيل قدرات المتعلمين وتحفيزهم على الإبداع والتعبير بحرية وبدون خوف ، وتسعى إلى تهذيب القيم والمبادئ والانفتاح على شتى الوسائط الديداكتيكية المعينة في بناء الحصة ، وقد يتأتى هذا التنشيط البيداغوجي من خلال وسائل مختلفة تتغيا تنمية كفاية تواصلية وتحقيق اندماج وتكيف اجتماعي، ومن أبرز تقنيات التنشيط الفعالة في المدرسة المغربية نذكر على سبيل المثال : تقنية الحوار ، تقنية الاستجواب ، تقمص ولعب الأدوار ،تقنية الجدال ، عرض لصور وأشرطة …الخ.
سؤال الوعي: فعل تربوي ، يهدف إلى استبطان القرائن المنطقية المفسرة والمبررة لأشياء يصعب تحديد غايتها في الممارسة التربوية وتختلف زوايا النظر في شأنها من فرد إلى آخر ،ما يعني أن جوهر التساؤل يتمحور حول الفردانية المميزة لكل عنصر في العملية التعليمية التعلمية ، وتماشياََ مع المقتضيات المنهجية لموضوع الدراسة ، فلكل أستاذ تساؤلات حول مدى فاعلية طرائقه في تدريسية المواد ، وقوفاََ عند موضوع التنشيط البيداغوجي ، فمن الأطر التربوية من يستسيغ هذا الفكرة مبدئياََ بشكل جوهراني ، ومنهم من يضع معايير وشروط محددة للإقبال على هذه الخطوة ، ومنهم من لا يعتمدها بتاتا بناءََ على قناعات شخصية …الخ ، ليس لشيء إنما فقط لاختلاف في المساءلات الواعية التي تربط كل منهما بالمؤسسة التعليمية وتفرض عليهما التفكير بشكل مغاير، والاشتغال بمنطق مخالف…
إشكالية المعنى : إشكالية تربوية منوطة بعمق فلسفة التدريس ، نقصد بها الغايات والأهداف وما تعترضها من صعوبات إزاء توضيح المسلمات التي تنبني عليها ومعاينة النتائج التي تسفر عنها باعتبار الغرض الرئيس كفرضية هو تقعيد منظومة القيم والأخلاق في المدرسة المغربية.، فالتنشيط البيداغوجي كموضوع للدراسة تتعدد الآراء المتباينة في مقاربتها وتوظيفها إلى أن اختلت المعاني المتوخاة منها بلوغها سواء من منظور المدرس وكذا المتعلم عل حد السواء ، وسنرى كيف يساهم سؤال الوعي وإشكالية المعنى في تحديد وضبابية المعالم البيداغوجية التي يتم الحرص عليها في التنشيط البيداغوجي من خلال معاينة بعض التصورات والتمثلات المحورية عند مدرسي اللغة العربية وعند التلاميذ في حصص المادة نفسها.
2- التنشيط البيداغوجي من زاوية نظر بعض أساتذة اللغة العربية.
الأستاذ ( أ ) : لا أظن أن التنشيط البيداغوجي بكافة وسائله المتعددة أمر محمود ، لأن تخصيص حصص معينة لذلك سيؤثر حثماََ على السير العادي للأداء التربوي ، وأحياناََ تكون سبباََ في انفلات التلاميذ ، ومنه يصعب تدبير جماعة الفصل من جديد والعودة إلى الشكل النمطي المعمول به آنفاََ .
الأستاذة ( ب ) : أحياناََ ، فتقنية الاستجواب مثلاََ ، تكسبني ثقة التلاميذ ، وتقربني منهم أكثر لأتعرف عن قرب على أسباب اللا مبالاة ، وحدة مشاعر الإحباط النفسي و الاجتماعي لدى العديد من التلاميذ بسبب ظروف الأزمة الاجتماعية و الأخلاقية و التأثير السلبي لمجتمع الانفتاح والعولمة والإعلام…على الوضع التربوي الراهن بشكل عام .
الأستاذة ( ج ) : بالنسبة للثانية بكالوريا ، المقرر وأمور الدراسة ، لا تسعف في الدخول معهم في طرائق ديداكتيكية متنوعة ، وأحياناََ حتى في الساعات الإضافية يطالبون بالدرس ، الجذوع المشتركة ، أوظف معم تقنية الجدال ، وهي مجدية ولها وظيفة أساسية في تنمية قدراتهم اللغوية وأدائهم الشفهي .
3- التنشيط البيداغوجي من زاوية نظر بعض التلاميذ والتلميذات.
التلميذة صفاء ( ثانية بكالوريا آداب ) : أستاذ اللغة العربية ينجز حصة درس المؤلفات بشكل تنشيطي يعمد فيه إلى متابعة أحداث الرواية وتحليلها من خلال مشاهدتنا لشريط فيلمي عن الرواية / ونحن لا نقرأ الرواية إنما نفهمها فقط من الشريط ، وأحياناََ توجد فيه لقطات مخلة بالآداب تقلل من الاحترام وتؤثر على سلوكات التلاميذ والتلميذات من داخل أو من خارج القسم .
التلميذ يوسف ( ثانية بكالوريا علوم إنسانية ) : أستاذ مادة اللغة العربية لا يمنحنا فرصة حتى للتعبير عن أفكارنا من خلال الدرس ، فكيف له أن يقوم بتنشيط بيداغوجي لإنجاز الدرس ، لا أظن ذلك، صرامته والتزامه بإنهاء المقرر لا يوفرله فرصة ليطول الحديث كثيراََ .
التلميذة السعدية : ( أولى باكالوريا آداب ) : في حصص المؤلفات ، أستاذنا يلجأ إلى تقنية الحوار والتنشيط ولا يبالي بالقسم كثيراََ ، لكن بهذا الأسلوب يستغل التلاميذ الوضع للقيام بسلوك مشين ، وقلما يتسمون بالجدية في حصص أخرى غير المؤلفات لأنهم ألفوا من الأستاذ تحويل كل الوضعيات التعليمية إلى وضعيات تنشيطية وهو أمر يؤثر على السير للمجدين والراغبين في التحصيل المعرفي .

3– على سبيل الختام :
بساطة الموضوع المتناول في الدراسة ، هيمنت على جوهر القضايا التي يحتويها ، الحقيقة إن وعي الأساتذة ووعي التلاميذ يختلف في شأن أهمية التنشيط البيداغوجي من عدمه ، وما اتضح جلياََ أن المسلمات التي نسوغها حول التنشيط البيداغوجي متغيرة وليست ثابتة ، والنتائج التي تسفر عنها تختلف في الفائدة التي نحققها منها ، وفي المعاني السامية التي كان بالإمكان أن ترقى إليها ولم يتأتى ذلك ، ونأسف على هذا الحال حيث التنشيط البيداغوجي بالشاكلة التي ذكرتها التلميذة صفاء لا تنمي الكفاية القرائية للمتعلمبن وهي الكفاية الرئيسية والتي يجب تحقيقها في جدوى تدريسية الأدب ، إنها إذن إشكالية المعنى وسؤال الذات أو الوعي والذي ينبني على خلفيات ايديولوجية ونفسية مختلفة عند كل مدرس ، إن هذا الاختلاف حسب ما توصلنا به من هذه الدراسة الميدانية ، راجع، بالأساس، إلى صعوبة تحديد المعايير الإجرائية والمنهجية المتبعة في تفعيل التنشيط البيداغوجي وبالطريقة التي يتلقاها بها التلميذ والتي قد تحيل على منتظرات وعلى عادات مخيبة للأمل ، وهي السلوك والأداء التربوي السلبي.
إعــــداد : ايت احمد محمد ( طالب بالمدرسة العليا للأساتذة – مكناس )