إبراهيم تيروز
ان المتتبع لردود الفعل الحكومية تجاه محاولة الذبح المفجعة التي تعرض لها مدرس الرياضيات بسلا، لايسعه الا ان يثني عليها من حيث الشكل على الاقل و هذا خاصة بعد الزيارة الثنائية التي قام بها رئيس الحكومة مرفوقا بالوزير المكلف بالقطاع الى عين المكان لكن و من حيث المضمون يبدو أن الامر لن يتعدى مستوى تطييب الخواطر اذ باستثناء جملة نتمنى ان لا تكون عابرة تلفظ بها السيد رئيس الحكومة و مفادها ان حديثه مع الوزير المكلف بالقطاع تناول الحاجة الى مراجعة الجانب التشريعي المتصل بالموضوع، فإن ماجاء مثلا على لسان احد المسؤولين في الوزارة عن قطاع الحياة المدرسية في تصريح للقناة الثانية يشي بميل نحو تعويم المعضلة و اعتبارها قضية تقتضي معالجة شمولية في حين ان من اكتووا ولازالوا يكتوون بتحملهم لمسؤولية التربية و التدريس الملقاة على عاتقهم يعرفون جيدا ان المسؤولية عن مثل هذه الحادثة ترجع بالدرجة الاولى الى عدد من الاختلالات التي تعرفها بنية المؤسسة التربوية و اطارها القانوني والتشريعي:
-أليس المدرس الذي يقبل بالتدريس في اقسام تعاني الاكتظاظ معرض لمثل هده الحوادث.
-أليس المدرس، الذي يوكل اليه تدريس متعلمين دون المستوى المطلوب بسبب الخريطة المدرسية، مضطر الى الاصطدام بحوادث من هذا القبيل خاصة في اوقات التقويم.
-أليس المدرس، الموكل اليه تدريس مقررات فوق طاقة التلميذ كماً على الاقل، مصطدم لامحالة بمثل هذه الحوادث.
-أليس المدرس، الذي مهما فعل فإن بامكان التلميذ النجاح بفعل هذا الافق المفتوح للغش في الامتحانات الاشهادية و المدعوم تكنولوجيا و عضليا احيانا كثيرة، منساق الى ان يتموقع في موقع عدو التلميذ الأوحد الذي يحول بينه وبين نيل الشهادة والنجاح.
-أليس المدرس، المجرد من كل دعم قانوني او تشريعي و المحاط بسخط اجتماعي عارم تجاه مؤسسات الدولة، مجرور حتما الى التوضع في قفص الاتهام، خاصة و ان عمله هو غالبا مع الاطفال و القاصرين، و خاصة ايضا مع هذا التجاهل المتزايد الى كون انصاف المدرس سيكون انصافا لأجيال من المتعلمين وهو ما يتم تحت مسمى العناية الميكروسكوبية بحقوق الطفل في حين يتم التفريط فيها ماكروسكوبيا بهذا الشكل.
-أليس المدرس المجرد في علاقته بالتلميذ من الثقة و من الصلاحيات المماثلة لتلك الموكولة لرجل الأمن في علاقته بالمواطن, على الرغم من انه اولى بها، سيستضعف لا محالة من طرف المراهقين الذين تشجعهم على ذلك سيكولوجية الحشد التي يمليها واقع الاكتظاظ الى جانب استفحال تعاطي المخدرات.
هكذا اعتقد ان التبجح بتعقيد المشكل وتطلبه لتدخلات متعددة، لا يعفي الوزارة بأي حال من الاحوال من ضرورة تدخلها العاجل على الاقل ضمن هذه المحاور الاستراتيجية المسطرة أعلاه والتي لها دور مباشر في هذه المعضلة و معضلة التربية والتعليم ككل والتي لطالما نبهنا لها و لطالما نبه لها الكثيرون و الذي لن يكلفها الا اليسير من التكاليف خاصة اذا تلافينا الانسياق وراء الحلول التكميلية كالقول بضرورة المساعدين النفسيين والاجتماعيين في المؤسسات و اعطينا الأولوية للتدخلات الاستراتيجية الآتية:
– فك الاكتظاظ بتقليص العدد الاجمالي للحصص الاسبوعية المخصصة للتلميذ، في سبيل تمكينه من من الدراسة في فصول لا يتعدى عدد المتعلمين بها 32 متعلما, فبدلا مثلا من أن يدرس 90 متعلما في قسمين فقط 30 ساعة اسبوعيا يمكنهم ان يتوزعوا على ثلاثة اقسام وان يكتفوا ب 20 ساعة اسبوعيا مع فارق الجودة الكيفي الذي سيسمح به التخلص من مشكل الاكتظاظ، خاصة ان هذا الأخير مهما كان عدد الساعات الاسبوعية فيستحيل معه تحقيق الاهذاف التربوية ان لم نقل ان الفصل يتحول حينها الى مايشبه السيرك وبطله المغبون هو المدرس.
– التخلي عن هذا التقليد الذي الذي ادمنت عليه الخريطة المدرسية. فبدل انجاح المتعلمين الى مستويات اعلى بدعوى افراغ المقاعد للقادمين من مستويات دنيا يمكن دون شك السماح بتكرار هؤلاء و ترك الخريطة المدرسية تتوسع بالقدر اللازم افقيا بدل تركها تنساب رأسيا الى غاية مقصلة الامتحانات الاشهادية. فمادام المتعلم في جميع الأحوال سيشغل مقعدا سواء في هذا المستوى او ذاك، وسيكلف الدولة ماسيكلفها، فلماذا نتعجل انجاحه و نحرمه من حقه في التكرار و في تقوية مكتسباته الاساسية بالقدر الكافي، و التي بدونها سيعجز عن اكتساب كل ما يفترض اكتسابه كونَها مُحصّلة لديه، و سيصعب عليه في نفس الوقت تداركها هي نفسها في الفصول الاعلى التي لاتتناسب من حيث محتواها مع مستواه، و هو أيضا ما يجعل المدرس في واد و المتعلم في واد آخر.
– يتوجب كذلك اعتماد بيداغوجيا الادماج ومراعاة الكيف بدل الكم قصد التخفيف من حجم المقررات وقصد الاتصاف بالواقعية في تقدير قدرات المتعلمين على الاكتساب.
– يتوجب كذلك الحسم النهائي مع معضلة الغش في الامتحانات و ذلك بدعم المؤسسات التعليمية بوسائل قطع شبكة الاتصال عنها، وهذه ربما تكفي الرسوم المقتطعة في بداية السنة لتمويلها، و يجب كذلك اجبار المتعلمين على اجتياز الامتحانات في مؤسسات غير مؤسساتهم ودعم اطر المؤسسة بقوات الامن الوطني الكافية لردع الانفلاتات التي يمكن ان تحصل في هذه الامتحانات ويلزم كذلك الرجوع الى نظام الامتحانات السابق خاصة بالثانوي التأهيلي و تجنب النزوع التعجيزي الذي تعرفه امتحانات بعض المواد.
– يجب منح أطر الادارة و الحراسة العامة و المدرسين في المؤسسات التعليمية صلاحيات أمنية و قانونية من شأنها أن ترجح كفة سلطة المؤسسة التربوية في وجه هذا الزحف الجارف للظواهر الانحرافية التي باتت تهدد دورها في جوهره.