اختيار مديري المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين هل هي رغبة في استكمال الهياكل أم تأكيد على مقولة “خرج من الخيمة (مائل)

التادلي الزاوي19 فبراير 2014
اختيار مديري المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين هل هي رغبة في استكمال الهياكل أم تأكيد على مقولة “خرج من الخيمة (مائل)

لست من الذين لهم طموحات في التربع على كراسي المسئولية الإدارية دون استحقاق ، ولا من الذين ينكرون على الآخرين حقهم في ذلك ، بل لست من أولئك المستخفين بجسامة المهمة ، وحاجتها إلى رجال أو نساء أشاوس ، متفوقين ومتميزين على مستوى القدرات المادية والمعنوية ،انسجاما مع المهام والتضحيات التي تستوجبها ، خاصة في مثل الظروف المغربية التي تقضي باختيار الأجود من القيادات للمساهمة في درء كل المفاسد عن حقل التربية والتعليم ، وزرع بذور الأمل في النهوض بمؤسساته وموارده البشرية ، طمعا في ربح رهان التنمية البشرية التي لن تستقيم إلا بوجود تعليم منتج ومثمر . لكل ذلك تستفزني كمواطن مجموعة من الملاحظات والأسئلة في سياق الإعلان عن الرشيح لشغل منصب مدير بأحد المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين والشروط المحددة لذلك والمرجعيات المعتمدة ،مما سأحاول بسط بعضه في هذا المقال ، آملا أن يجد آذانا سامعة وعقولا واعية ، تؤمن في كل الأحوال بأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
فقد يحار المرء في فهم عملية استناد وزارة التربية الوطنية إلى القانون 01.00 الذي لم يسبق في اعتماده على حد المعروف والمتداول في أية مؤسسة تابعة للتعليم العالي أن سمح لغير حاملي شهادة الدكتوراه أن ترشحوا لمهمة مدير ، وحيث إن المادة 33 من نفس القانون تشير إلى أن مسيري مؤسسات التعليم العالي ينبغي أن يكونوا من ذوي الاختصاص في ميدان المؤسسة ، فإنه يحق لنا أن نتساءل من هم ذووا الاختصاص في مثل هذه الحالة ، هل المهندسون وأصحاب الدبلومات المتعلقة بالتدبير الإداري أو المالي ،أم ذووا التصور والخبرة التربويين ؟ ولعل مشروعية مثل هذا السؤال تكمن في كون من يريد التصدي لمهمة مدير المركز ، يستوجب أن يملك علاوة على الحس البيداغوجي والتربوي معرفة علمية وثقافة تعليمية تستدعيها مقتضيات تصريف الشأن التكويني الذي يعتبر المهمة المركزية للمؤسسة .
إنه بالنظر إلى المهام التي أناطها القانون 01.00 في مادته 34 بمدير المركز كمؤسسة عليا يبرز نوع من التجاوز وخلط الأوراق في ما أقدمت عليه وزارة التربية الوطنية وهي تصرف في قرارها مقتضيات هذا القانون ، إذ كيف قبلت منطقيا وأخلاقيا أن يكون المدير رئيسا للجنة علمية من مهامها ترسيم الباحثين من أساتذة التعليم العالي وترقيتهم وهو يحمل شهادة أقل منهم ، بل خصته برئاسة مجلس المؤسسة الذي من مهامه الحسم في كثير من القضايا البيداغوجية والإدارية ، وحملته مسئولية السهر على حسن سير الدراسات وأعمال مراقبة المعلومات واتخاذ التدابير الملائمة لهذه الغاية .
لقد بدا واضحا من خلال القرار ، أن السلم 11هو المعيار الأساس الذي ارتكزت عليه الوزارة ، مما يسمح كما نعتقد أن يتنافس على المنصب ، كل من هب ودب . فمادامت الإجازة في عرفها شهادة عليا ، يملكها في الظرف الراهن غالبية نساء ورجال التعليم ، فمن حق المنتمين منهم للتعليم الابتدائي الترشح للمنصب إذا كانوا قد مارسوا مهام بأحد مراكز تكوين الأطر لأربع سنوات فقط، وهو الشرط الذي أرادت من خلاله سد المنفذ على خيرة الأطر من الأساتذة الباحثين وذوي المؤهلات العلمية ،الذين لم يسبق لأي مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي أن حرمتهم من الترشح لها .
إن الدرجات العلمية ،في ما أقدمت عليه وزارة التربية الوطنية ،أصبحت صفرا على الشمال ،لأن القرار لم يتحدث عنها ، بل تحدث عن الكفاءة العلمية في ما يضمر غموضا مقصودا ، حيث لا محدد للكفاءة العلمية أحسن من الشهادة ،مادامت الجهة التي تسلمها تحظى بكل التقدير العلمي الممنوح وطنيا . وإجراءا مثل هذا في ما نعتقد يجعل المراكز الجهوية مؤسسات جوفاء تنأى عن العلم والمعرفة مهما احتضنت من أطر ، ما دامت قيادتها في حل من ذلك .
ولعله من المفارقات الواضحة جدا أن المرسوم المنظم للمراكز يشير إلى ضرورة أن يكون أحد مساعدي المدير على الأقل أستاذا للتعليم العالي ، فكيف يستقيم أن يكون المساعد أكبر درجة علمية من المدير ؟
وإذا كانت الشروط قد جاءت لتحسم في كثير من الأمور المتعلقة بالترشيح ، مثلما هو الأمر في ضرورة التوفر على الكفاءة العلمية والمهنية اللازمة لطبيعة وخصوصية المنصب المراد شغله ، وضرورة الإلمام بمجال التربية والتكوين وبمستجداته ،والدراية بأساليب وكيفية التدبير التربوي والإداري والقانوني والمالي والموارد البشرية ، والتمكن من تكنولوجيا المعلومات والاتصال (مع ما يحمله الشرط الأخير من احتمال في التفسير المغرض ) ، فإن شرط رسائل التزكية من شخصيات مرجعية يطرح أكثر من سؤال حول معيار المرجعية ،والأساس السليم والموضوعي للرسائل ، وقيمة هذه الرسائل ، سيما وأن الكثير ممن يمكنهم تسليم الرسائل قد يعفون غذا، لضعف في الأداء ،أو انحراف أو زيغ لا قدر الله . ولعل ما يشاع لحد الآن مما ينبغي أخذ الاحتياط منه أن التزكيات أصبحت شبيهة بتزكيات الترشيح للانتخابات ، مما سبق للمغاربة أن خبروه في معرفتهم ببعض الأحزاب ،وتجاربها في الفساد ونتائج الترحال التي تعقبها .
وإذ لا نقصد بهذا التنقيص من أهلية البعض ،فإن هذا لا يمنعنا من تنبيه الوزارة إلى الزيغ عن القانون بفتح الباب على مصراعيه للمريدين والانتهازيين ومنعدمي الأهلية من الذين لم يسجل لهم التاريخ قط نجاحا في ممارساتهم التعليمية أو التدبيرية للتسلل في غفلة من الرقيب المهني والقيمي ،للتربع على مسئولية أكبر منهم ، كما أن ذلك لا يمنعنا أيضا أن نهمس في آذان المسئولين لننبههم إلى من أصبحوا مرجعا في التزكيات ، مع أن التاريخ سجل لهم يدا طولى في ما آلت إليه أحوال المراكز من ترد. ولذلك نرجوهم رفع اليد عنها ، لتسير وفق ما يريده ذوي النيات الحسنة . أما من يريد خدمة حسنة لهذه المراكز ، بما راكمه من تجربة ومعرفة في التدبير ، ومن حس تربوي وأخلاقي ، فليبلور ذلك في مشروعه لتطوير المركز ، وليدافع عنه بكل قوة ، وليسع لإقناع اللجنة به . وله منا كل الأمل في التوفيق والسداد والنجاح ، والمساعدة بعد ذلك على البلورة والتجسيد الفعلي .