ما من شك أن إصلاح المنظومة التربوية هو المدخل الأساسي لأحداث التغيرات و التحولات العميقة في المجتمع و بالتالي تحقيق التنمية الاجتماعية و الاقتصادية الشاملة. حيث يبقى نجاح الإصلاح التربوي المنشود مرتبط بمدى ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وتعميق ثقافة التقييم و التتبع والقيادة و التأطير و تفعيل آليات المحاسبة و المساءلة داخل المنظومة التربوية.
وفي هذا الصدد، يعد التفتيش التربوي بمختلف مجالاته (التعليم الابتدائي، التعليم الثانوي، التخطيط التربوي، التوجيه التربوي، المصالح المادية والمالية) الجهاز المؤهل لتحقيق هذه الأهداف. باعتباره الآلية الأساسية للرقابة و الإفتحاص الداخلي للمنظومة التربوية. كما أن المادة 135 من الميثاق الوطني للتربية و التكوين أكدت على محورية هيأة التفتيش التربوي وعلى ضرورة إعادة النظر في أساليب اشتغالها وتمكينها من الاستقلالية الضرورية ، ومن الوسائل والإمكانات اللازمة للقيام بمهامها على الوجه الأكمل .
لكن واقع ممارسة مهام التفتيش التربوي تشوبه مجموعة من الإكراهات والصعوبات سواء على مستوى الوظائف و الإختصاصات أو على مستوى التنظيم و الهيكلة ، مما أدى إلى بروز مجموعة من الإشكالات البنيوية الملحة من بينها :
– كيف يمكن ترجمة مفهوم “المساءلة” في المنظومة التربوية ( مساءلة مهنية أم تعاقدية أم بيروقراطية…) ؟
– كيف يمكن تفعيل مبدأ “الاستقلالية الوظيفية” لجهاز التفتيش؟ هل عبر ارتباطه بالمجال الإداري و التدبيري ؟ أم عبر الفصل التام بين الجهاز التنفيذي (الإدارة) والجهاز الرقابي (هيئة التفتيش) على مستوى الوظائف و المهام وعلى مستوى الانتساب الإداري ؟
– ما هي حدود العلاقة التي تربط هيئة التفتيش بباقي مكونات المنظومة التربوية (علاقة الهيئة مع :المفتشية العامة ،المصالح المركزية، الإدارة الجهوية والإقليمية و المحلية) ؟
إننا في هذه الورقة لا ندعي تقديم الإجابة الوافية على مجمل الأسئلة المطروحة، بقدر ما سنحاول مقاربة إشكالية التفتيش في قطاع التربية و التعليم، من خلال عرض مسار منظومة التفتيش التربوي ، ثم تقديم تشخيص للوضعية الراهنة لمنظومة التفتيش ، لنخلص في الأخير إلى اقتراح بعض المداخل الأساسية لإصلاح منظومة التفتيش التربوي ببلادنا.
1 ـ مسار منظومة التفتيش التربوي بالمغرب: لمحة تاريخية
قبل اٌلاستقلال:
قديما كانت مهمة التفتيش التربوي تندرج ضمن الوظائف التي يزاولها القيمون على المساجد حيث ارتبطت أساسا بوظيفة الحسبة، و التي كان من أهم أدوارها إجازة الطلبة للتدريس في المساجد ، فالمحتسب ( المفتش التربوي قديما) كان يراقب كفاءة الشيخ المكلف بمهمة التدريس و لا يسمح له بالجلوس على الكرسي لتلقين العلم إلا بعدما يتأكد من عدد و أسماء الشيوخ الذين أجازوه و مكانتهم العلمية و الدينية.
أما في عهد الحماية فكانت مهمة التفتيش التربوي يقوم بها الأساتذة الفرنسيون ذووا الأقدمية والخبرة في مجال التدريس، يساعدهم في هذه المهمة مفتشين مساعدين مغاربة يتولون التفتيش في بعض المواد كالعربية والتربية الإسلامية .
بعد الاستقلال:
ابتدأ العمل بمهمة التفتيش بالمغرب الحديث بمفتشين اثنين فرنسيين: الأول يغطي شمال المغرب و الثاني يغطي جنوبه. ونتيجة لسياسة مغربة الأطر ولتزايد الطلب على خدمات التفتيش التربوي، قامت وزارة التعليم سنة 1969 بإحداث شعبة لتكوين المفتشين والمفتشين المساعدين، ثم بعد ذلك إنشاء مؤسسة تربوية مستقلة تسعى إلى تكوين أطر التفتيش للتعليم الابتدائي والثانوي، لكن سرعان ما تم إغلاقها حيث سيتوقف التكوين الأساسي للمفتشين زهاء عشر سنوات (من سنة 1999 إلى 2009) نتيجة لسياسة الارتجال التربوي وغياب تخطيط محكم و تصور واضح لوظائف ومهام جهاز التفتيش.
وتأسيسا على ذلك، فإن المتتبع لمسار هيئة التفتيش منذ الاستقلال إلى الآن، يلاحظ أن الغموض و الضبابية هي السمة الغالبة على عمل الهيئة وطريقة اشتغالها ، سواء تعلق الأمر بالمهام و الاختصاصات أو فيما يخص الهيكلة و التنظيم.
ففي مرحلة أولى وإلى غاية صدور مرسوم 85، كانت هيئة التفتيش مرتبطة إداريا بالوزارة (الانتساب المركزي إداريا ) مما جعل عمل المفتشين يتسم بالمركزية و الشمولية في معالجة مختلف إشكاليات و قضايا المنظومة التربوية. بعد هذه المرحلة انتقل عمل الهيئة إلى المستوى الجهوي ثم المستوى الإقليمي من خلال مقاربة تخلصت من الارتباط المركزي إداريا. مما عطل شمولية عمل جهاز التفتيش على مستوى المنظومة التربوية، و تم الاحتفاظ فقط بمهام التفتيش داخل المؤسسة التعليمية و داخل الفصل الدراسي. الشيء الذي أدى إلى تجاهل الوظائف الأساسية لجهاز التفتيش و المتمثلة في تقديم الاستشارة والخبرة والمراقبة و التقويم و الإفتحاص والتدقيق الداخلي للمنظومة التربوية.
وهكذا انتقلت اختصاصات هيئة التفتيش من مزاولة مهام التفتيش الشامل عبر مراقبة وتقييم اشتغال الإدارات المركزية والجهوية والإقليمية، ومراقبة تتبع وتقويم برامج ومخططات الوزارية مركزيا جهويا وإقليميا، إلى الاقتصار فقط على مراقبة المؤسسات التعليمية وتأطير وتتبع عمل الموظفين. مما أدى إلى استبعاد وظائف التقييم و التتبع والقيادة و التأطير و تعطيل آليات المحاسبة و المساءلة داخل المنظومة التربوية.
2 ـ تشخيص الوضعية الراهنة لمنظومة التفتيش التربوي
على الرغم من وجود التأطير القانوني والتشريعي لعمل هيئة التفتيش التربوي المتمثل في مقتضيات النظام الأساسي (2003 ) و في الوثيقة الإطار والمذكرات المنبثقة عنها (113/ 118) التي وضعت هيكلة تنظيمية جديدة تحدد الوظائف و المهام وتضبط علاقة هيئة التفتيش بالإدارة التربوية الجهوية والإقليمية ، إلا أن هذه التشريعات تجاهلت توصية الميثاق الوطني للتربية والتكوين المتعلقة بالاستقلالية الوظيفية لجهاز التفتيش(المادة 135). كما أن النظام الأساسي ل 2003 أفرز وضعية شاذة، من خلال حصر عمل المفتشين في المؤسسة التعليمية و الفصول الدراسية. إضافة إلى أن أجرأة وتطبيق هذه الوثائق والمذكرات التنظيمية اصطدم بصعوبات و إكراهات التطبيق في الواقع الميداني.
وعليه، فإن اختلالات منظومة التفتيش جاءت نتيجة استفراد السلطات التربوية بمعالجة إشكاليات التفتيش التربوي ، من خلال ترددها في الحسم بدقة في وظائف ومهام هيئة التفتيش، وعدم تبوأها مكانتها الطبيعة داخل المنظومة. فلا هيئة التفتيش تقوم بالمهام الإدارية والتدبيرية الصرفة ، ولا هي تزاول مهامها الأساسية المتمثلة في التتبع و المراقبة و التقييم و الافتحاص و الاستشارة وتقديم الخبرة. و بالتالي تم تقزيم أدوار ومهام هيئة التفتيش بمختلف فئاتها (التعليم الابتدائي ،التعليم الثانوي ،التخطيط التربوي، التوجيه التربوي ،المصالح المادية والمالية) و تم القفز على اختصاصاتها الجوهرية من خلال إعطاءها أدوارا ثانوية داخل المنظومة التربوية.
وتأسيسا على ذلك، فإن منظومة التفتيش التربوي تعيش في الوقت الراهن أحلك أيامها من خلال مواجهتها لمجموعة من الإختلالات أهمها : ضعف وقع وأثر خدمات التفتيش ، عدم تحديد وتدقيق الأدوار و المهام ، اختلال في التنظيم و الهيكلة، غياب الاستقلالية الوظيفية، الخصاص الحاد في أطر التفتيش، ضعف الموارد ووسائل العمل وضعف التحفيز المعنوي و المادي لأطرها.
ضعف وقع وأثر خدمات التفتيش:
الكل متفق على ضعف وقع وأثر خدمات التفتيش على جودة و مردودية المنظومة التربوية ، فباستثناء تأطير وتقويم الموظفين و القيام بالزيارات الميدانية للمؤسسات التعليمية و المساهمة في تتبع ومواكبة بعض العمليات التربوية الروتينية (الدخول المدرسي، الامتحانات الإشهادية…). فهيئة التفتيش مقصية من ممارسة مهامها ووظائفها الأساسية (الاستشارة، تقديم الخبرة، البحث التربوي، تتبع وتقويم البرامج والمخططات التربوية ، الافتحاص والتدقيق الداخلي) نتيجة تجريدها من اختصاصاتها وأدوارها المحورية و كثرة الأعطاب التي عطلت أجهزتها الداخلية على جميع مستويات صنع القرار التربوي (مركزيا، جهويا، إقليميا).
عدم تحديد وتدقيق الأدوار و المهام:
ويتجلى ذلك بالخصوص في الغموض الذي يعتري ممارسة الوظائف و المهام المنوطة بهيئة التفتيش ، نتيجة ضبابية وعدم وضوح بعض الوثائق و المذكرات التنظيمية المؤطرة لعمل الهيئة. مما يفتح باب التأويل على مصراعيه. كما أن الممارسة الميدانية أتبث قصور ومحدودية الوثائق المنظمة لمهام التفتيش . الشيء الذي أغرق الهيئة في التدبير اليومي و المناسباتي، عوض القيام بمهامها الأساسية المتمثلة في التأطير وتقديم الاستشارات والخبرات والبحث التربوي و تتبع وتقويم البرامج و المخططات التربوية و الافتحاص الداخلي للمنظومة التربوية.
اختلال في التنظيم و الهيكلة:
نتيجة عدم تفعيل البنيات المؤسساتية الجهوية والإقليمية لهيئة التفتيش ( مفتشيات جهوية ومفتشيات إقليمية) زيادة على وجود اختلال في العلاقات ( التراتبية، الانتساب الإداري…) التي تربط المفتش التربوي بباقي مكونات المنظومة التربوية على جميع المستويات صناعة القرار التربوي (علاقة الهيئة مع :المفتشية العامة ،المصالح المركزية، الإدارة الجهوية والإقليمية و المحلية)، مما يتطلب إعادة النظر في نوعية هذه العلاقات من خلال مأسسة منصفة تقوم على أسس ومعايير واضحة وشفافة.
غياب الاستقلالية الوظيفية:
فرغم أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين أكد في مادته 135 على ضرورة تفعيل الاستقلالية الوظيفية لجهاز التفتيش باعتبارها المدخل الأساسي لتفعيل وظيفة التفتيش الشمولي بكل أبعاده التأطيرية و التقويمية و الخبراتية. إلا أن واقع الحال يؤكد على أن الاستقلالية الوظيفية للهيئة مازالت بعيدة المنال. فهيئة التفتيش حاليا مرتبطة إداريا بالأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين (جهويا) و بالنيابات الإقليمية (محليا) سواء على مستوى ممارسة المهام أو على مستوى الانتساب الإداري. مما يحول دون قيامها بوظائفها الأساسية، ويضرب في العمق مبدأ فصل السلط في المجال التربوي، الذي يرتكز بالأساس على الفصل بين الجهاز التدبيري ( الإدارة) و الجهاز الرقابي( التفتيش).
الخصاص الحاد في أطر التفتيش:
فمعظلة الخصاص تهم هيئة التفتيش بكافة مجالاتها (تربوي ، تخطيط ، توجيه ، مالي ومادي) من خلال وجود اختلال في توزيع و تغطية مناطق التفتيش الشاغرة في النيابات التعليمية، نتيجة لإغلاق المركز الوطني لتكوين المفتشين لأزيد من عقدين، و تحكم السلطات التربوية في ولوج مركز التوجيه والتخطيط. و نظرا كذلك لما خلفته عملية المغادرة الطوعية من خصاص مهول، حيث تقلصت أعداد المفتشات و المفتشين إلى النصف (من 6700 مفتش سنة 2005 إلى 3350 سنة 2013). بالإضافة إلى اختلالات الحركة الانتقالية لأطر التفتيش التي كرست عدم التوازن في توزيع أطر التفتيش على المناطق التربوية.
ضعف وسائل وظروف العمل ونقص التحفيز المعنوي و المادي لهيئة التفتيش:
ويظهر ذلك جليا من خلال غياب الفضاءات و المقرات الملائمة لهيئة التفتيش في معظم الأكاديميات و النيابات ( المفتشيات الجهوية و الإقليمية) وضعف تجهيزات مرافقها إن وجدت. وعدم اعتراف السلطات التربوية بقيمة وجودة التكوين الأساسي للمفتشين، عبر تبخيس قيمة الدبلوم المسلم من طرف مؤسسات تكوين المفتشين ورفضها معادلته مع الدبلومات الجامعية المماثلة.
زيادة على نقص في التكوين المستمر لهيئة التفتيش وندرة الدورات التكوينية المبرمجة . بالإضافة إلى غياب حركة انتقالية موضوعية وشفافة تؤسس على معايير متوافق عليها ، و اختلال في عملية الترقية نتيجة افتقادها للشروط الموضوعية وعدم استحضارها الكفاءة و المردودية والمسار المهني للمفتشين.
3 ـ المداخل الأساسية لإصلاح منظومة التفتيش التربوي
يأتي إصلاح منظومة التفتيش في ظروف دقيقة وحاسمة تتسم بمجموعة من التحولات و المستجدات السياسية التي عرفها المجتمع المغربي مؤخرا. أهمها الدستور الجديد للمملكة الذي أكد على ضرورة إرساء ثقافة المراقبة و التقييم وترسيخ الحكامة الجيدة. بالإضافة إلى حكومة جديدة التزمت في برنامجها بتقوية مؤسسات الرقابة والمحاسبة وتكريس استقلالها و تفعيل دور المفتشيات العامة للوزارات. الشيء الذي يتطلب منا تقديم أجوبة أنية و مستعجلة على سؤال إصلاح منظومة التفتيش التربوي، وتهم بالأساس تجديد المهنة و تدقيق الوظائف والمهام وإعادة النظر في التنظيم وطرق ومقاربات الاشتغال.
المرجعيات الرسمية للإصلاح المنشود:
دستور الجديد للمملكة (فاتح يوليوز 2011 ): الذي يؤكد على ضرورة إخضاع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، و لإرساء ثقافة المراقبة و التقييم وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة.
البرنامج الحكومي ليناير 2011: الذي شدد بدوره على نهج الحكامة الرشيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة والحقوق بالواجبات من خلال تقوية مؤسسات الرقابة والمحاسبة وتكريس استقلالها وتفعيل توصيات تقاريرها عبر ” تفعيل دور المفتشيات العامة للوزارات بغرض جعلها أجهزة فعالة للتفتيش والتدقيق الداخلي وانتظامية التفتيشات و الافتحاصات المستقلة للمؤسسات العمومية والبرامج القطاعية والصفقات الكبرى مع العمل على الرفع من مهنيتها وعلى إحكام التنسيق بين مختلف الأجهزة المختصة”.
الميثاق الوطني للتربية والتكوين : الذي نص في مادته 135 على إعادة هيكلة وتنظيم هيئة التفتيش عبر تدقيق معایير الالتحاق بمراكز التكوین ومعایير التخرج منها ؛ وكذا تعزیز التكوین الأساسي وتنظيم دورات التكوین المستمر لجعلهم أقدر على المستلزمات المعرفية والكفایات البيداغوجية والتواصلية التي تتطلبها مهامهم ؛ بالإضافة على تنظيم عملهم بشكل مرن یضمن الاستقلالية الضروریة لممارسة التقویم الفعال والسریع، وإقرار أسلوب توزیع الأعمال والاختصاصات على أسس شفافة ومعایير واضحة ومعلنة.
توصيات المجلس الأعلى للتعليم: و التي نصت على ضرورة تدقيق مهام التفتيش التربوي وتطويرها ضمن المرجعيات التشريعية و التنظيمية، بحيث تشمل مهام المراقبة التربوية و التأطير والتكوين و البحث و الاستشارة، وكذلك مهام الإفتحاص الذي تقوم به فرق متعددة التخصصات تتمتع بالاستقلالية الوظيفية.
أهم مداخل الإصلاح
إن إصلاح منظومة التفتيش رهين بمدى تحديد وتدقيق أدوار و مهام هيئة التفتيش، وإعادة النظر في هيكلتها و تراتبيتها الإدارية. بالإضافة على إقرار الاستقلالية الوظيفية، ورد الاعتبار للهيئة عبر توفير العمل وتحسين ظروف الاشتغال، و كذا تحفيز أطرها معنويا و ماديا.
تحديد وتدقيق الوظائف و المهام
من خلال الانتقال من وظيفة تأطير وتقويم المؤسسات التعليمية والموظفين و القيام بالزيارات الميدانية للمؤسسات التعليمية و المساهمة في تتبع ومواكبة بعض العمليات التربوية الروتينية ( الدخول المدرسي، الامتحانات الإشهادية…) إلى ممارسة التفتيش بمفهومه الشامل، انطلاقا من المقاربات الحديثة المعتمدة في مجال التأطير و المراقبة التربوية، و التي ترتكز بالأساس على وظائف التقويم والافتحاص الداخلي للمنظومة التربوية وتقديم الاستشارة و الخبرة، و كذا تتبع وتقويم البرامج و المخططات التربوية.
بالإضافة إلى ضرورة التحديد الدقيق لمهام كل فئة من فئات هيئة التفتيش (التعليم الابتدائي ،التعليم الثانوي ،التخطيط التربوي، التوجيه التربوي ،المصالح المادية والمالية) و الفصل بين المهام التخصصية و المهام الإضافية، وكذا المزاوجة بين العمل التخصصي و العمل المشترك لمختلف فئات الهيئة انطلاقا من خطة عمل تعاقدية يتم التوافق عليها مسبقا.
علاوة على ضرورة مهننة وظيفة التفتيش من خلال إصدار الإطار المرجعي للوظائف و المهن المتعلق بمهمة التفتيش، و إعادة النظر في الإطار القانوني و التشريعي المنظم لعمل الهيئة ( النظام الأساسي 2003 و الوثيقة الإطار والمذكرات المنبثقة عنها).
إعادة النظر في الهيكلة و التنظيم:
من خلال ربط هيئة التفتيش بالمفتشية العامة مما سيمنحها هامش أوسع للاشتغال، وكذا تفعيل أجهزة التفتيش على المستويات المحلية والإقليمية والجهوية والمركزية وتوفير الآليات والشروط المناسبة للعمل. إلى جانب إعادة النظر في الوثيقة الإطار و المذكرات المنظمة لمجال التفتيش، و وضع نظام أساسي منصف يسعى إلى تحديد وتدقيق الوظائف و المهام ، ويتوخى الفصل التام بين المجال التدبيري والمجال الرقابي. بالإضافة إلى ضرورة مأسسة وتثمين خدمات التفتيش التربوي من أجل استرجاع الهيئة لموقعها الطلائعي ضمن المنظومة التربوية .
إقرار الاستقلالية الوظيفية:
لا يمكننا أن نتكلم عن الحكامة الجيدة وتعميق ثقافة التقييم و التتبع والقيادة و التأطير و تفعيل آليات المحاسبة و المساءلة داخل المنظومة التربوية في غياب تام لمبدأ فصل السلط في المجال التربوي، الذي يقتضى الفصل التام بين الجهاز التدبيري ( الإدارة) و الجهاز الرقابي( التفتيش).
فالمدخل المحوري لإصلاح منظومة التفتيش مرتبط أساسا بالاستقلالية الوظيفية التي نصت عليها المادة 135 من الميثاق الوطني للتربية و التكوين. مما سيمكن هيئة التفتيش من تطوير وظائفها و مهامها ، ويمنحها هامش أوسع للمبادرة ويسمح لها بممارسة اختصاصاتها بشكل سليم.
توفير شروط العمل والتحفيز المعنوي و المادي لهيئة التفتيش:
عبر رد الاعتبار لأطر التفتيش من خلال تحسين ظروف العمل وتوفير الفضاءات الملائمة وتجهيز مرافقها. وكذا توفير الموارد البشرية الكافية في جمع التخصصات (التعليم الابتدائي ،التعليم الثانوي ،التخطيط التربوي، التوجيه التربوي ،المصالح المادية والمالية) وإعادة الاعتبار لقيمة التكوين الأساسي بمؤسسات تكوين المفتشين من خلال تثمين قيمة الدبلوم ومعادلته مع الدبلومات الجامعية المماثلة.
زيادة على تكثيف دورات التكوين المستمر وتنويع محاوره ليشمل المقاربات الحديثة في مجال التأطير والتقويم و الافتحاص ، بالإضافة إلى تمكين هيئة التفتيش من حركة انتقالية منصفة تستند على معايير موضوعية وشفافة، والرفع من المستفيدين من الترقية عبر إعادة النظر في شروط الترقي واستحضر الكفاءة والمسار المهني للمفتشين .
وجملة القول، فإن إصلاح منظومة التفتيش التربوي أصبح ضرورة ملحة على اعتبار أن التفتيش التربوي يهدف إلى تحسين الجودة و الرفع من المردودية و النجاعة و الفعالية من خلال التقييم الشامل للمنظومة التربوية والسهر على تطويرها و الارتقاء بأدائها. فالمفتش هو حارس المنظومة التربوية بامتياز منذ إحداثها ، وبالتالي لا يمكن الاستغناء عن خدماته لا على مستوى التأطير و الدعم التربوي عبر التتبع والمواكبة وتقديم الاستشارة والخبرة، أو على مستوى عمليات المراقبة والتقويم و الإفتحاص من خلال التعبئة والانخراط الفعال في إصلاح المنظومة التربوية والسهر على حسن سيرها وتدبيرها، لجعلها تلعب الدور الأساسي المنوط بها في تأهيل الرأسمال البشري باعتباره المدخل الأساسي لتحقيق التنمية الشاملة لبلادنا.
مفتش التخطيط التربوي