أثر التدريس بالعامية على التحصيل اللغوي لدى المتعلم

أحمد طاهيري14 سبتمبر 2013
أثر التدريس بالعامية على التحصيل اللغوي لدى المتعلم

لا شك أن كثيرا من المواد التعلـّمية، يتم تلقينها في مدارسنا باللغة العربية،الشيء الذي تصبح بموجبه المعمعة جامعة لصنفين من مدرسي هذه المواد،- أحدهما يحترم هذه اللغة، وما تقتضي من إحكام لضوابط الكلام فيها، وما تستدعيه الحاجة أيضا من حذرالسقوط فيما تستهجنه تلك الضوابط،في الوقت الذي يعلم خطر الانحدار الذي يقع فيه المتعلم حين تحدث زلة أو زلات من لسان الأستاذ،وذلك بإعجامه في حق مسطرة الإعراب،وثانيهما لا يقدر أن يحترم هذه اللغة،إذ لا يُحكم القبض على زمام نحوها أو حتى إنشائها،فيموج مع اللحن والخطإ يمنة ويسرة،حتى ولو حاول تفادي ذلك،وحتى لو كان مدركا خطورة الموقف لا بالنسبة له،ولا بالنسبة للمتعلم بشكل أكبر. لكن الإشكالية لدى الصنفين معا،هي حين يلجأ أحدهما أو كلاهما إلى”تدريج الكلام” في عملية التلقين،(يعني التكلم بالدارجة)،وهو استعمال يفرزه في الواقع سببان: – أحدهما يحصل معه اللجوء إلى غير الفصحى حين يرى مدرس مادة ما أنه عاجز عن تلقينها بلسان عربي فصيح،لسبب ذاتي في الغالب،موليا الأولوية والأسبقية للمادة التي يدرسها كهدف،على التبليغ والتلقين بلسان فصيح كوسيلة،ولو لم تجد مناصرةً من لدن الجهات المسؤولة بما فيها السياسة التربوية التوجيهية. – ثانيهما،يحصل في ظله اللجوء إلى الفعل حين يزعم المدرس أنه راغب في حصول نسبة كبرى من الوعي والفهم والاستيعاب لدى المتعلمين لما يتلقونه منه ،وهي ظاهرة يمكن أن تكون مشتركة لدى الصنفين تحت ذريعة الادعاء المذكور،سواء أتم استحضار خطورة الوسيلة كسبب سوف يؤدي إلى خطورة النتيجة في الحال وفي المآل،أم لم يتمّ استحضارها. هذا هو بيت القصيد،بحيث يساهم التعريج على استعمال الدارجة في الفصول الدراسية لأجل تحقيق الفهم وما يرتبط به من شرح وتحليل واحتجاج،مع ما يصطدم به الفعل من خلط في هذه الحالة ما بين تركيب المفاهيم بغير الفصحى،ودعمها بما يقويها من الأدلة الجاهزة المنشأة بالفصحى،قلت:يساهم في تعميق القعروالهوة التي ينداح إليها المتعلم ،وكذا العملية التعليمية- التعلمية،الشيء الذي تزداد معه نسبة تردي المستويات التعلمية لدى فئة عريضة من المتعلمين،والذي يعكس ظاهرة تردي الفعلين المتوازين في العملية،وهما “التعليم” و”التعلم”،والحديث عن التعليم ليس كالحديث عن التعلم،رغم أن بينهما أسبابا وروابط مشتركة،ورغم أن الثاني منهما مرهون إلى حد كبير بالأول،إيجابا أو سلبا. إن المدرس الذي يمارس مهنته في ظل هذه الظرفية الهشة الراهنة التي وقف عليها مؤشر المستوى التعليمي ببلادنا،يجد نفسه طبيبا يعالج الداء بداء آخر،سواء أكان يدرك ما يفعل أم لا يدركه،والأمران على كل حال أحلاهما مر،والذريعة في ذلك،هي ما أثبته واقع ممارسة التدريس،من أن كثيرا من التلاميذ ذوي المستويات التعلمية المتردية، وهم نسبة عريضة على مسافة عرض الهرم التعليمي،لا يفقهون من اللغة الفصحى التي يتواصل معهم بها مدرسهم إلا قليلا(وهنا لا أريد أن أتحدث عن أسباب عزوف الكثير من المتعلمين عن مماشاة اللغة العربية وما تعج به من قواعد وبلاغة …لأن هذا في حد ذاته يحتاج إلى مقال مستقل)،فيصبح الأستاذ مضطرا أن ينزل إلى حيث تلاميذه،ويقترب إلى عقولهم وأفهامهم،فيخاطبهم بالعامية كتلك التي يتواصلون بها مع غيرهم في البيت وفي الشارع وفي غير المدرسة،ظنا من المدرس أنه سوف ينتشلهم مما هم فيه،وسيرقى بهم رويدا رويدا إلى ما يطمح بلوغه وإياهم،فتستمر الحالة ويرتاح المتعلم إلى هذه النمطية،فيكون العلاج الذي يقدمه الأستاذ للتلميذ في هذه الحالة هو العلاج بالداء،مادامت العامية المتحدث بها ليست دواء.(وبين هتين القوسين، يتم تقدير جملة من الأسباب الأخرى التي تتضافر مع مشكل التحدث بالعامية،لتشكل الأسبابَ الرئيسة الكبرى لتردي المستوى التعليمي لدى تلامذتنا،سوف لن أخوض في ذلك،ما دامت بغيتي هي إلقاء الضوء على أثر العامية على التحصيل اللغوي لدى المتعلم). خلاصة القول هي أن التلقين بالعامية بدعة أو وسيلة تربوية مرفوضة ولو كانت تحت أية ذريعة،وإذا لم يكن أي مسوّغ لنسلك مع اللغات الأجنبية في تعليمها ما نسلكه مع اللغة العربية، فليس لهذه الأخيرة بدورها أي مسوّغ.