شددت فدرالية اليسار الديمقراطي بمدينة المحمدية مساء أمس السبت 10 دجنبر 2016 بدار الثقافة بلعربي العلوي على ضرورة التصدي لمخطط تصفية المدرسة العمومية، في ندوة بعنوان ” الحق في التعليم: دفاعا عن المدرسة العمومية وجودتها”.
يأتي هذا التشديد ضدا على ما ورد في الرأي الاستشاري للمجلس الأعلى للتعليم القاضي بفرض نظام تعليمي عمومي مؤدى عنه من قِبَل الأسر المغربية، والذي هو في الأصل قرار حكومي.
وعبّرت الفعاليات المشاركة في هذه الندوة عن قناعتها بضرورة الدخول في أشكال نضالية ذات طبيعة جماهيرية وفِي إطار جبهة عريضة يشارك فيها عموم المواطنين والقوى الحية والتقدمية والديمقراطية واليسارية من أجل الحفاظ على مكسب “مجانية” التعليم والرفع من جودته.
في البداية ذكّر مسير الندوة عبد الغني عارف بالنضالات التي خاضها الشعب المغربي وقواه الديموقراطية منذ ستينات القرن الماضي، والتضحيات التي قدمها في سبيل تعليم عمومي مجاني لفائدة عموم بنات وأبناء المغاربة، وبمقترحات الفدرالية إبّان الانتخابات بشأن إصلاح التعليم في ظل الظروف الصعبة التي تتميز بالتراجع عن الكثير من المكتسبات، مشددا على أهمية التوجه نحو المستقبل على أنقاض سلبية تراكمات السنوات الماضية التي تقر بها العديد من التقارير الوطنية والدولية على كافة المستويات، موضحا أن قضية التعليم تعد جزءً من إشكال بنيوي في المغرب منذ الاستقلال.
وفي كلمته استعرض علال بلعربي عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين وعضو الهيئة التنفيذية لفدرالية اليسار والكاتب الوطني لنقابة الوطنية للتعليم ( كدش ) ما وقع في المجلس بهذا الشأن، داعيا إلى إرساء تفكير جماعي – خاصة من قِبَل اليسار- في مشكلة التعليم باعتبارها مهمة تندرج في قلب القضايا السياسية، وفي ظل أخطر تراجع فكري يجتازه المغرب ويهدده بالعودة إلى القرون الوسطى، كما هو الحال في الشرق العربي ضحية تنامي الاستبداد.
وأوضح بلعربي أن أزمة التعليم في المغرب هي نتيجة لاختيارات سياسية انتهجتها الدولة منذ الاستقلال، منبّها إلى المخاطر القادمة ستكون أصعب بكثير نظرا لارتباطها بالخارج، مبرزا أن الدولة تحولت إلى مجرد وكالة لتصريف سياسة خارجية مناقضة لمصالح الشعب المغربي.
واعتبر المتحدث ذاته أن ما وقع في المجلس هو استمرار الدولة القوي والتدريجي لتفكيك المدرسة والجامعة العموميتين على اعتبار أن الملامح الكبرى للعهد القديم لازالت كما هي، وأن التغيرات المتحدث عنها لم تمس الجوهر، مما جعل المغرب في منعرج تاريخي حاد، يضيف بلعربي، موضحا أن العناصر المقلقة في قرار المجلس الأعلى للتعليم تتمثل أساسا في تفكيك التعليم العمومي الذي وصل إلى مرحلة متقدمة جدا يفتح باب المدرسة العمومية على مصراعيه أمام استثمارات الشركات والمقاولات الخواص بإيعاز من الوزارة مستهدفة جيوب المواطنين للتمويل.
وفي مداخلته ذاتها أبرز بلعربي أن تدخل الشركات والخواص في التعليم ليست مسألة تقنية لأن ذلك سيؤدي إلى إعادة النظر جذريا في أدوار المدرس تربويا ومهنيا مع حذف التربية من هذه الأدوار، ويؤدي إلى أخطر نقطة انعدام تكافؤ الفرص وانعدام المساواة والتميز الواسع بين المواطنين، وإلى شرخ داخل المجتمع وضرب المدرسة الموحَدة والموحِّدة إذ تقوم على مبدأ الانتقاء (الاختبار) (test) وتقييم الأسرة وتوجهاتها وكذلك اللجوء إلى الطرد، مما ” يعني بصريح العبارة تكريس المجتمع الطبقي، عِوَض أن تكون المدرسة تساهم في تماسك المجتمع” يقول المتحدث ذاته، منتقدا تفويت المدرسة العمومية لشركات تتميز بالتهرب الضريبي وعدم التصريح لمستخدميها في الصندوق الوطني للتضامن الاجتماعي، مما يعني أنها مقاولات غير مواطنة، بالإضافة إلى إعفاء هذه الشركات المستفيدة من امتياز “الشراكة” في التعليم العمومي من الإعفاء الضريبي.
وأكد بلعربي عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين أن التمويل ليس هو المشكل ذلك أن تسعة ملايير سنتيم تضيع سنويا بسبب الهدر المدرسي، فضلا على أن الأسر المغربية تؤدي الرسوم في عدد من واجبات التسجيل المعروفة منذ سنين طويلة، واستعرض كذلك عددا من العناصر التي تستهدف القضاء على الحق في التعليم العمومي منها التوظيف بالعقدة، وضرب دور التربية وتحويل الأستاذ المربي إلى مجرد عامل في التعليم، وربط المدرسة ب “الشريك” وإقصاء التكوين الجيد للتعليم، وعدم إيجاد حل ناجع لمشكل الخصاص في القطاع، و”هذه كلها مؤشرات لإقبار المدرسة العمومية” يختم بلعربي.
ومن جهته اعتبر جمال شفيق الكاتب العام الجمعية الوطنية لمفتشي التعليم الثانوي وخبير في التربية، إصرار الدولة على تمرير المخطط بدون تمويل وفي غياب مواصفات وتصنيف الأسر لا يؤدي سوى إلى تقوية القطاع الخاص، مما يطرح الحق في التعليم طبقا لمنظومة حقوق الإنسان العالمية.
ودعا شفيق الدولة إلى احترام المعايير الدولية التي نص عليها دستور2011، مستشهدا بالخطابات الملكية التي طالما أكدت على أن التعليم قضية وطنية بعد قضية الوحدة الترابية وتأكيدها على جودة التعليم؛ منبّها إلى المفارقة بين الخطاب السياسي الذي يتماشى مع الخطاب الدولي، والواقع الذي يعرف ارتفاع في نسبة مؤسسات التعليم الخصوصي، والذي من المرتقب أن يصل إلى 90 في المائة في أفق 2038 مع إعفاء من الضرائب للخواص، كما تصل نسبة المسجلين بالتعليم الخصوصي حاليا في المدن الكبرى إلى 38 في المائة، ” بالإضافة إلى تفويت مدارس ابتدائية في وسط المدينة، وهذا يؤدي إلى وهم جودة الخصوصي حيث إن نظام رفع النقطة التي هي عرضة للبيع من أجل ولوج المدارس العليا ” يقول شفيق، مضيفا أن العرض المدرسي الخصوصي يطرح مشكل الجودة ويتأكد هذا في الاختبارات الدولية للغة حيث إن التلاميذ المغاربة في المؤخرة، إضافة إلى التكلفة الإضافية للأسر وإشكال تمويل.
واعتبر المتحدث ذاته أن تسجيل ما بين 70 و 80 في المائة من التلاميذ الابتدائي والإعدادي في المدرسة الخاصة في المدن الكبرى مثلا 75 في المائة بالمحمدية بالخصوصي، تكريس تفاوت الفرص، وأولى الضحايا الفئات الضعيفة حتى في التعليم الجامعي وتكريس التمايز الطبقي، مع اندحار الطبقة الوسطى والفئة المستفيدة هي صاحبة الدخل المرتفع مما يؤدي إلى تمايزات في الوظائف ومناصب القرار.
ونفى شفيق وجود ما يسمى بمجانية التعليم ذلك أن الأسر تؤدي عن طريق الضرائب وتمويل المدرسة من المال العام والدولة ملزمة بتمويل التعليم، ناهيك عن الضريبة على القيمة المُضافة، داعيا إلى ضرورة توفير كل حاجيات المدرسة، مبرزا أن المدارس الخصوصية يمّولها الآباء مقابل عرض مفروض بدون مناقشة تكرّسه صعوبة المراقبة وصعوبة تصنيف السلم الاجتماعي في ظل وضع اقتصادي صعب.
وخلص الكاتب العام الجمعية الوطنية لمفتشي التعليم الثانوي إلى أن المشكل التعليمي بالمغرب مشكل تدبير وإرادة سياسية وليس مشكلة مالية، مستشهدا بدولة تركيا التي تصرف على تعليمها أقل مقارنة بالمغرب، ومع ذلك تعليمها أفضل من تعليمنا، مرجعا السبب في ذلك إلى سوء التدبير وغياب الحكامة في قطاع التربية والتعليم، خاصة بالنسبة للأولويات في الموارد البشرية والبنيات التحتية ومعاناة مديري الأكاديميات في نقص الميزانيات الجهوية.