بقلم علي العسري
شغل الرأي العام في الاسابيع الماضية ببرنامج مسار الذي اعتمدته وزارة التربية الوطنية قصد ما قيل عن رقمنة وتحديث آليات متابعة عمليات التقويم التربوي وسير العملية التعليمة، وتولد الاهتمام الاعلامي والشعبي بهذا البرنامج عقب موجة الاحتجاجات التلاميذية التي عرفها الوطن من شماله الى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، والتي عبر فيها التلاميذ عن رفضهم للبرنامج المذكور بسبب ما نقل عنهم من تضايقهم من القيود التي يفرضها عليهم مسار، لكن كل ذلك لم يكن سببا ودافعا لفتح نقاش عمومي واسع وموسع عن الواقع التعليمي ببلادنا، وهل فعلا لم يبق من خصاص لتعليمنا غير برنامج معلوماتي متطور؟، أتوقع أنه كلف الوزارة ملايين الدراهم بالعملة الصعبة، ولا شك أنه يتطلب تعبئة المزيد من الموارد البشرية والمادية لتشغيله واستعماله، في ظل واقع مزر للعديد من المؤسسات التعليمية، وبنية تحتية تعليمية مهترئة سيما في العالم القروي، حيث حجرات مدرسية لا ترقى لمستوى الاصطبلات، مثقوبة الأسقف، متسخة الجدران، مهشمة الابواب والنوافذ، مما جعل الوضع تنطبق عليه الامثال الشعبية ” أش خصك ألتعليم مسار أمولاي”، ” وأحمر الشفاه على الخنونة”.
كنا سنصفق بحرارة وحماس لمسار لو لم نكن نر مؤسسة ثانوية تأهيلية تحمل اسم ملك البلاد “محمد السادس” بمركز شبه حضري بدون أسوار تفصلها عن العالم الخارجي، وتوفر لها حرمة، ولأطرها وتلاميذتها الأمن والأمان، في فهم عجيب ل “انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها الخارجي”، مما يجعلها مرتعا وملجآ للدواب والكلاب الشاردة، وفضاء محببا للمتسكعين والمعتوهين، فأي تحصيل تربوي وعلمي لتلاميذ يختلط عليهم صوت الأستاذ بنهيق الحمير ونباح الكلاب، وأي مردودية للاطر التربوية في جو ترهيب وعنف ولمعان سيوف على مرمى حجر من مكاتبهم، أي عملية تعليمية يمكن تصورها في جو كهذا، وعن أي مسار سنتحدث وملاعب المؤسسة هي المسار المفضل للمارة والمسافرين ومرتفقي باقي الادارات المتواجدة بالمركز.
لم تفقد المؤسسة لأسوارها قبل أيام أو أشهر لنعتقد أن أمر بنائها قيد الدرس وفي انتظار التنفيذ، لقد فقدت أسوارها في الاسابيع الاولى التي تلت تشيدها سنة 1985، دون أن ترمم أو يعاد بناؤها، أو يحاسب من كان سببا في هذا الاهدار للمال العام، مادام مسلسل الافلات من العقاب بحلقات غير محدودة وغير معدودة، وقد ظللنا منذ مدة نطالب بأهمية تسييج المؤسسة، حتى بحت أصواتنا وأصوات الاطر التربوية العاملة بها، غير أنه لا حياة لمن تنادي، وقد حذرنا منذ مدة من مخاطر افتقاد المؤسسة لحرمتها، حتى وقعت معارك الاسبوع الجاري وكشفت عن انحرافات سلوكية واخلاقية مرشحة للتفاقم، فهل عجزت كل الجهات المعنية مباشرة بالعملية التعليمية بجماعة أورتزاغ بميزانيتها وصناديقها عن توفير دراهم معدودة لتسييج المؤسسة واعادة الاعتبار لفضائها ولو بالاعمدة والاسلاك الشائكة، على الاقل احتراما للاسم الذي تحمل الثانوية ثانوية محمد السادس، إن كان أمن أبنائنا، وسمعة بناتنا، وسلامة وكرامة الاطر التربوية والادارية ليست ذات أهميية، أين هي أموال جمعية الآباء والجماعة القروية والمجلس الاقليمي ومجلس الجهة والنيابة الاقليمية والاكاديمية الجهوية للتربية والتكوين؟،
هل هناك من هو أولى من إعادة اعتبار لثانوية اسمها “ثانوية محمد السادس” متواجدة بمركز أحدثه الملك الراحل محمد الخامس منذ 1948 عقب زيارته التاريخية له.
لقد ولدت العديد من البرامج قبل مسار وصاحبها التطبيل والتزمير، والصراخ والعويل، والمكاء والتصدية، وسرعان مادفنت سرا ودفنت في مقابر مجهولة دون أن يقدم عنها أي حساب، أو يعرف سبب إعدامها أو تكلفتها، وقد نفيق يوما فنسمع بنعي المرحوم مسار، ليلتحق بما سبقه من برامج، لذا فلن يضر الوزارة في شيء إن كانت جادة في اصلاح الوضع التعليمي ببلادنا أن تطلق برنامجا جديدا تحت اسم “برنامج أسوار” فهو في نظرنا أهم بكثير في الوقت الراهن من برنامج مسار، لانه من العيب أن نعيش واقع الادغال ونمتلك تقنيات وكالة الابحاث الفضائية ” نازا”، بقي أن نذكر أن من سخرية القدر أن توجد مؤسستنا العارية من الأسوار والمتصارعة مع برنامج “مسار” بجانب تجزئة سكنية اسمها ” تجزئة المسار” تنال كل مرة نصيبها من الصدامات التي يتبادل فيها التلاميذ والغرباء الكلام النابي وأحيانا الأحجار!
المهندس علي العسري
اب تلميذ وتلميذة
وممثل المجلس الجماعي بمجلس التدبير التربوي
وفاعل جمعوي