العربي شحمي – سيدي قاسم
لا يختلف اثنان، حول كون جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ ، تعتبر فاعلا أساسيا في المنظومة التربوية، لنهوضها بدور واضح في تيسير سبل التواصل بين المؤسسة التعليمية وأسر المتعلمين، ونسج العلاقات والروابط الاجتماعية بينها ( أسر المتعلمين )، وبين الأطر التربوية والأطر الإدارية العاملة بالمؤسسات التعليمية، وبرفع منسوب مستوى الوعي لديها ( أسر المتعلمين )، بخصوص دور الأسرة في النهوض بأوضاع المؤسسة التعليمية تربويا وإداريا بما يساعد على تطوير خدماتها، وتنشيط إشعاعها على مستويات عدة .
ولعل ذاك ما جعل الميثاق الوطني للتربية والتكوين يخصُّ جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ باهتمام متميز، حيث اعتبرها، في مادته 16 محاورا وشريكا أساسيا في تدبير شؤون المؤسسة التعليمية، وجعلها فضاء جذابا للعملية التربوية، ومقاما لتكريس روح المواطنة، ومبادئ التضامن، والتآزر، والأخلاق، والقيم النبيلة.
وتفعيلا لما تقدم، جاءت النصوص التشريعية والتنظيمية، فأكدت على اعترافها بالدور الأساسي لجمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، وذلك من خلال طرحها للموالي:
– إقرار تمثيلية جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالمجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، مما يتيح لها إمكانية المساهمة في تدبير الشأن التربوي بالمشاركة في تحديد الأولويات الجهوية، وفي تقــديم اقتراحات حول البرامج التوقعـــية للأكاديمية فــي مختلف المجالات، … ( انظر المذكرة الوزارية رقم : 03 لسنة 2006 )
– المشاركة في التسيير المباشر لمؤسسات التربية والتعليم العمومي، وذلك من خلال عضويتها بمجالس التدبير، والمجالس التربوية، ومجالس الأقسام، مما يمكنها من المساهمة في المجهودات الرامية إلى الرفع من مستوى أداء المؤسسات… (انظر المذكرة الوزارية رقم : 03 لسنة 2006 )
ومع ذلك ، يبقى نهوض جمعيات الآباء بالمهام الموكولة لها على أحسن وجه، لن يتأتى إلا بتضافر جهود جميع المتدخلين في العملية التربوية، بدءًا بالمؤسسة التعليمية بكافة أطرها، ومرورا بالمديرية الإقليمية، وانتهاء بالأكاديمية ، فالوزارة الوصية. وهذا ما يندُر وجوده لاعتبارات مختلفة.
بمعنى، حين يخرج مكتب جمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ من مطبخ إدارة المؤسسة التعليمية، وتفتح فيه المسالك، عنوة لأحد الضعفاء ليكون رئيسا له، كإجراء استباقي يضمن جعل مفاتيح تلك الجمعية تحت عباءة الإدارة. أو حين تقوم جهة معينة ( حزبية، نقابية ، دعوية ) بإنزال بشري كثيف، فيتم انتزاع / سرقة مكتب الجمعية من الأمهات، والآباء، تحت غطاء ديموقراطية وشفافية معطوبتين، فإنه يصبح عدم وجود جمعية الآباء بالمؤسسة التعليمية خير من وجودها. وهذا يعني أن جمعية هذا منشأها لا يمكن لها إلا أن تغرد، بوعي منها أو بغير وعي، خارج القوانين التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بتأسيس وتنظيم ومهام الجمعية.
وهنا أشير بشكل خاص إلى الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 الموافق ل 15 نوفمبر 1958 ، الذي يضبط بموجبه الحق في تأسيس الجمعيات …، وإلى المذكرة رقم 03 بتاريخ 4 يناير 2006 بشأن تفعيل دور جمعيات آباء وأولياء التلاميذ ، والمذكرة رقم 80 المتعلقة بتأسيس جمعيات الآباء والأولياء بمؤسسات التعليم الخصوص الصادرة بتاريخ 24 يونيو 2003 )
وبمعنى آخر فإن جمعية ولدت ولادة اصطناعية، قد تجد نفسها إما قانعة بالاكتفاء بممارسة دورها التقليدي العديم القيمة والفائدة، والذي لا يتعدى الدعم المادي والمعنوي للمؤسسة / الإدارة. أو غاطسة من أخمص قدميها إلى ما فوق رأسها، في متاهات يتعذر الانفكاك من تبعاتها، والتي تؤثر سلبا على السير العادي للمؤسسة على كافة المستويات.
وفِي كافة الأحوال، لا هاته ولا تلك ، من المؤكد ألا ينصب اهتمامها على تعزيز العمل التربوي باشتغالها على المحاور الأساسية التي طرحتها المذكرة رقم 3 بتاريخ 04 – 01 – 2006 والتي هي كالتالي :
– المساهمة في انفتاح المؤسسة على محيطها الخارجي.
– تعزيز وترسيخ التواصل بين المؤسسة وأسر التلاميذ المتمدرسين بها عن طريق توعية الآباء بدور الأسرة في التنشئة التربوية للأبناء.
– الاعتناء بمشاكـل المتعلمين، والمساهمة في البحث عن الحلول الناجعة لها.
– المشاركة في تطوير وإنجاح مشاريع المؤسسة وفق التوجهات الوطنية.
– المساهمة في إنجاح مختلف الأنشطة التربوية والثقافية والرياضية التي تنظمها المؤسسة في كل ما من شأنه أن يثري العملية التربوية
لكن بالمقابل، لا نعدم أن نجدها تهتم بأمور بعيدة كل البعد عما ينبغي أن تقوم به جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ التي تحترم نفسها باحترامها للقوانين التشريعية والتنظيمية ذات الصِّلة بتأسيس وتنظيم ومهام الجمعية. وفِي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى رزمة من الأمور المجانبة للصواب التي وقفنا عليها في العديد من التقارير التي اطلعنا عليها ، قبل كتابة هاته السطور، وأكتفي بذكر منها ما يلي :
– اكتفاء بعض الجمعيات بجمع الانخراطات، والتعامل معها كأمر إلزامي لا يستثنى منه أحد في حين أن الانخراط في أية جمعية كانت هو مسألة اختيارية ، ليس إلا،
– تصرف بعض رؤساء المكاتب في مداخيل الجمعيات لحسابهم الخاص ، دون الاكتراث ببقية الأعضاء.
– جعل الجمعيات وسيلة للانتقام، سواء من الإدارة، أو من الأساتذة، أو منهما معا، لأسباب لا تخلو من الذاتية العمياء.
– قبول بعض الجمعيات بأن تكون أداة طيعة في يد الإدارة للاستقواء بها على العاملين بالمؤسسة .
– لجوء بعض الجمعيات إلى تعطيل كافة العمليات المرتبطة بأدوار الجمعية، بهدف خلق أجواء يطبعها التوتر والاستياء.
– لجوء بعض الجمعيات إلى محاولة حشر أنوفها في عمل وأنشطة الأطر التربوية، سعيا منها إلى محاولة مراقبتها وضبط سكناتها وحركاتها. مما يثير السخرية والاستياء لدى الأطر التربوية .
ولعل السبب الرئيس في مثل هاته الانحرافات التي أتينا على ذكرها يكمن في التملص من اعتماد القوانين التشريعية والتنظيمية ذات الصِّلة بجمعيات الآباء، سواء عن عمد وسبق اصرار، أو عن جهلها وعدم العلم بها، لاستشراء الأمية البينة، والأمية المركبة بين كثير من رؤساء الجمعيات. وهذا بطبيعة الحال يتيح الابتعاد عن نھج الشفافية، والديمقراطية، والجدية في انتخاب المكاتب المسيرة، وفي اعتماد هاته الأخيرة الجدية والمعقولية في توسیع قاعدتھا التمثيلية لتكون بحق محاورا حقيقيا، وشريكا فعالا، وذا مصداقية ومردودية في تدبير المؤسسات التربوية وتقویمھا والعناية بھا . وهي المحددات التي وضعها الميثاق الوطني للجمعيات الحقيقية.
وفي الختام، من المفيد القول بأن كل قصور، تتحمل فيه المسؤولية الإدارة أولا، والآباء ثانيا، لأن الإدارة النزيهة التي لا تقبل بجمعية غاب عند تأسيسها نهج الشفافية والديموقراطية والجدية. قليلا ما تجد نفسها أمام جمعية لا تعي حجم مسؤوليتها، ولأن الآباء الذين يقدرون المسؤولية ولا يقبلون بجمعيات مفروضة، أو مفبركة، يخرج من جمعهم العام مكتب جمعية وازن ، لن يتأخر في القيام بالمهام المنوطة به على أحسن وجه .