يندرج هذا المؤلف الجماعي الذي تصدره سلسلة المعرفة للجميع ، بتعاون مثمر مع اتحاد كتاب المغرب و دعم كريم من وزارة الثقافة ، إهداء وتكريما لرمز من رموزنا العلمية والفكرية المعاصرة الأستاذ محمد مصطفى القباج ، ضمن ثقافة الاعتراف ورد الجميل ، لمن يعملون بتضحية وعصامية لخدمة الوطن والرفع من شانه ويساهمون بنكران ذات وطول نفس بإبداعاتهم ، في إشعاعنا الثقافي وتطورنا الحضاري .
مؤلف نضج بمبادرة جميلة من ثلة من أعلام الفكر والثقافة من مختلف المشارب ببلادنا ، تطوعوا فقدموا مشكورين ، دراسات ومقالات غنية في قضايا فكرية وعلمية وتربوية وأدبية و لغوية… ثلة من الأعلام المتخصصين و المرموقين في هذه المجالات ، فضلا عن شهادات حية كان قد ساهم بها أصحابها في حفل تكريم الأستاذ القباج ، ضمن أشغال “المناظرة المتوسطية الثانية حول الطفولة”، التي نظمناها بالتعاون مع وزارة التربية الوطنية في رحاب المدرسة العليا للأساتذة بجامعة عبد المالك السعدي بمدينة تطوان ( ابريل 2012 ).
لم نجد أحسن ما نبدأ به هذا التقديم ، مما جاء في دراسة الأستاذة الفاضلة نجاة المريني ، عن شخصية المحتفى به ، قولها : ” القباج باحث بشوش ، يقبل على طلابه وأصدقائه وذويه ومعارفه بما جبل عليه من خلق رفيع ، تواضعا ونبلا ، مروءة ووفاء ، وكلها خصال تشهد له في محيطه الاجتماعي والثقافي بالحظوة والتكريم والاعتزاز”.
لقد حرص الأستاذ محمد مصطفى القباج على أن يكون له حضور وازن في ميادين التدريس والبحث والتأليف ، على الرغم من انشغالاته الكثيرة وطنيا وعربيا ودوليا ، فحظيت ساحتنا الثقافية المغربية والعربية ، “بألوان معرفية مختلفة دبَّجها يراعه بيقظة وعلم وحسن أداء” ، مسطرا بذلك صفحات مشرقة في كل موضوع خاض غماره وسلك مدارجه بلغة رشيقة وأسلوب بديع ،متيحا للقارئ فرصا ذهبية للاستفادة والتحصيل وللباحث الجاد النهل من جنان تلك المؤلفات بشغف وحب وتقدير” . ولم يمنعه عن ذلك ، توليه وظائف ومهام كثيرة، فقد سير على سبيل المثال ، دفة مجموعة فكر وبحث على الصعيد العربي في المجلس القومي للثقافة، كما سير مديرية الكتاب بوزارة الثقافة وكذا مديرية الشؤون العلمية لأكاديمية المملكة، ثم المديرية التنفيذية لمنظمة شمال جنوب 21 لحوار الثقافات في جنيف… وهذه كلها منصات أتاحت له أن يعايش عن كثب و يتأمل بعمق، هموم الناس و انشغالات المجتمع ، دون توقف أو ضجر ودون كلل .
لقد شغلت كتابات الأستاذ القباج حقولا معرفية متنوعة ،يمكن توزيعها باختصار، كالآتي :
– مؤلفات ودراسات فلسفية ؛ منها على سبيل المثال: “تدريس الفلسفة والبحث الفلسفي في الوطن العربي” ، “الفلسفة ومسار العالم:من التنوير إلى الحداثة” ، “مدارات المواطنة المعاصرة” ، “نحو مفهوم جديد للمواطنة في عصر التكتلات الكبرى والنظام العولمي”، “الفلسفة و تحالف الحضارات:فلسفة البحر الأبيض المتوسط”، “التفاعل الإيجابي بين الحضارات” و” الفلسفة ومذاق الحضارة: التعدد وحوار الثقافات والأديان” …
– مؤلفات تربوية من مثل: كتاب”التربية والثقافة في زمن العولمة” ، “الطفل المغربي وأساليب التنشئة الاجتماعية بين الحداثة والتقليد”و كتاب ” الأمية في المغرب : هل من علاج ؟ “والذي ازدانت به “سلسلة المعرفة للجميع”في خطواتها الأولى ،السلسلة التي يعود للأستاذ القباج فضل تأسيسها ورعايتها.
– دراسات أدبية وثقافية ، منها :”حوار الثقافات وحقوق الإنسان في زمن العولمة” ،” التفاعل الإيجابي بين الحضارات”، “مقاربات فكرية وسياسية في الشأن العربي الراهن”، ”من قضايا الإبداع المسرحي”…
فضلا عن أبحاث في مؤلفات مشتركة من مثل: “أنماط تنشئة الطفل اجتماعيا” ، “التناقضات بين التنشئة المجتمعية في الأوساط التقليدية والتنشئة المجتمعية بواسطة تقنيات التواصل في المغرب” ، “الطفل ووسائل الإعلام” ، “أي تعليم ثانوي لمغرب الغد ؟” ،أعمال “الندوة السنوية لتعريب التعليم العالي في الجامعات العربية” ، “من أجل إدماج مدرسي لأبناء المغاربة المقيمين بالخارج” ، “مائة سنة من الإصلاح والإنجاز في مجالات التربية والثقافة والعلوم” ، “معجم التقويم التربوي” وغيرها.
– كما شارك بمساهمات علمية عالية الجودة في مجلات ثقافية وتربوية منها :
“المجلة العربية للثقافة” الصادرة عن الألكسو ، ومجلة “التربية الجديدة” الصادرة عن مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في البلاد العربية ، ومجلة “علوم التربية” ومجلة “الوحدة” الصادرة عن المجلس القومي للثقافة والتي أدارها بحكمة لسنوات.
وهكذا ، تؤكد القضايا والإشكالات التي عالجها الأستاذ محمد مصطفى القباج في إنتاجاته السالفة الذكر وغيرها وعموما في جميع الندوات والمنابر الفكرية والعلمية التي شارك فيها والمهام والمسؤوليات التي تحملها ، تنوع اهتماماته الإبداعية وسعة إحاطته وعمق فكره وشمولية منهاجه، لكن يبقى خيطها الرابط وقاسمها المشترك الانشغال البيداغوجي المهووس بالإنسان ، كسلاح لعلاج كل المشكلات المجتمعية وتخليق الحياة العامة للإنسان المواطن بل وللإنسان العالمي وتحصين شخصيته والرفع من مستواه الفكري والمعرفي، كشرط لأي تقدم وازدهار.
محمد الدريج
مدير سلسلة المعرفة للجميع