بقلم الاستاذ حجوبي بوشتى
يعرف العمل النقابي بالمغرب وضعا حرجا ،وتشرذما كبيرا يزيد الوضع الاجتماعي في البلاد ،ويعمق معاناة الطبقة العاملة ،ويعطي لأرباب العمل وأصحاب القرار مزيدا من التسلط واستغلال الأجير بأبشع الطرق التي تحط من كرامة الإنسان وحريته.وهذا واضح للجميع من خلال المواقف المخجلة للنقابات فيما يخص مجموعة من الملفات الحساسة التي تضرب في صلب العمل العمل النقابي ، كان آخرها الاقتطاع للمضربين والتراجع عن مجموعة من المطالب الخاصة باتفاق 26ابريل 2011.
إن هذا الواقع المتفاقم للعمل النقابي يطرح أكثر من سؤال ،ويجرنا للحديث عن مظاهر أزمة العمل النقابي بالمغرب ،وطرح بعض السيناريوهات الممكنة والحلول المعقولة لاسترجاع قوتها.
يرجع الوضع الهش للعمل النقابي بالمغرب إلى مجموعة من الأسباب الذاتية والموضوعية ،وفي هذا الإطار سأقوم بمقاربة الأزمة انطلاقا من مجموعة بعض المظاهر التي يتفق عليها جل المهتمين بالمجال النقابي،ويمكن اجمالها في النقط التالية:
• الاستبداد وغياب الديموقراطية الداخلية: إن غياب الديموقراطية داخل النقابات أثر على الدور الحقيقي للنقابات وحولها إلى دكاكين للارتزاق ،وتحقيق المطالب الشخصية على حساب العمال مما أدى إلى حصول انقسامات داخل النقابات وتأسيس نقابات أخرى زادت من تفتيت العمل النقابي ،كما أن شيخوخة القيادات بعض المنظمات النقابية يبين بجلاء مدى احتكار الزعامة وتهميش الطاقات الشابة .
• تبعية النقابة للحزب: يعتبر هذا العامل من أهم الأسباب التي أدت إلى تناسل النقابات عبر التاريخ حتى أصبحت على ما يزيد عشرين نقابة ،إذ أصبح لكل حزب نقابته الخاصة يستعملها عند الدعاية السياسية عوض الدفاع عن حقوق العمال،مما افرغ النقابة من محتواها الحقيقي.
• تمييع العمل النقابي: لقد كانت النقابات فيما سبق تربك أركان المخزن وأدى المناضلون ثمنا باهظا ،لكن المخزن استطاع أن يميع الجو النقابي قانونيا عن طريق إصدار قوانين تشجع على التعددية النقابية ،وأمنيا عمل على اختراق النقابات وإذكاء الصراعات الداخلية والتصدي لأي عمل وحدوي.
• ضعف التنقيب: آخر الإحصائيات تبين أن نسبة التنقيب 10٪ في أحسن الأحوال،وهذا واضح من خلال حجم المشاركات في مسيرات فاتح ماي،مما يبين أن الهوة تتسع يوما بعد يوم ما بين مطالب العمال والنقابات.
إن ها الوضع يفرض على النقابات أن تفكر بجدية لمعالجة هذا الوضع المتردي للفعل النقابي قبل أن تفاجئ من قبل منخرطيها الشباب الصاعد الذي أصبح يبحث عن ذاته ويمارس العمل النقابي بامتياز وبسقف نضالي أعلى من المركزيات نفسها،هذا الجيل الشاب يضع القيادات التاريخية أمام خيارات ،إما فتح المجال لبناء نقابة جادة ،وإما ستنقلب القيادات الشابة على القيادات الهرمة.
وعموما فإن النقابات اليوم ملزمة بالتفكير في الحلول الضرورية للخروج من هذا التفكك عن طريق اتخاذ قرارات تاريخية شجاعة ،والقطع مع ممارسات الماضي وبناء مرحلة جديدة تقوم على ثلاثة أسس مهمة:
• الاستقلالية وحرية اتخاذ القرار انسجاما مع متطلبات الطبقة العاملة.
• العمل الوحدوي هو الكفيل بإرجاع الثقة للعمل النقابي وبناء حركة اجتماعية قوية.
• الحرية وتتجلى بالأساس في تحرير الأجير من كل أشكال الاستغلال وتحقيق العدل الاجتماعي.