التقويم والتقييم، إشكالية ترجمة/ محمد عزيزون. متدرب بمسلك الإدارة التربوية.

التقويم والتقييم، إشكالية ترجمة/ محمد عزيزون. متدرب بمسلك الإدارة التربوية.

لا ينكر أحد أهمية “التقييم” في سيرورة الفعل التعليمي التعلمي وأدواره في اكتشاف النقائص والوقوف على الثغرات ومواطن القوة والضعف كما لا يستطيع أحد انكار ذلك الجدل القائم بين مفهومين استأنسنا بهما في ممارساتنا التربوية، نصادفهما ونستعملهما بنفس المعنى اما شعوريا أو لاشعوريا كخطوة منهجية- كما سلف الذكر- لتحديد أداء متعلمينا وقياس مدى تحقق الأهداف التي سطرناها من قبل، وهما التقييم والتقويم. وتحاول هذه الورقة المقتضبة بيان الفرق بين المفهومين والبحث عن أيهما أقرب الى المعنى الذي نضفيه على تلك المحطة التي يتم خلالها قياس النجاعة والمردودية لدى المتعلم. كثيرة هي المراجع والمواضيع والمقالات التي تناولت الاختلاف بين الكلمتين مرجحة صحة كلمة “تقويم” بحجة كثرة شيوعها واستعمالها في الأوساط العلمية التربوية وهو طرح يبقى ناقصا غيرمقنع ما لم يدعم بأدلة علمية ومبررات منطقية. فمثلا صادفنا في طريق بحثنا التعريفين الآتين: “التقويم هو تثمين وتقييم المنجز أو الشخص المرصود، بعد اخضاعه لطرائق ومعايير دوسيمولوجية وقياسية…أما التقييم، فيحيل على القيمة أو التقدير، سواء العددي منه أو المعنوي.” [1] “التقويم/التقييم: حكم وصفي أو كمي حول قيمة شخص أو موضوع أو عمليات أو وضعية أو تنظيم عن طريق مقارنة الخصائص الملحوظة مع معايير معدة وانطلاقا من معايير واضحة…وذلك قصد تقديم معطيات مفيدة في اتخاذ قرارات حول متابعة الأهداف…والتقويم كذلك عملية جمع ومعالجة لمعلومات كيفية أو كمية ترمي الى تقدير مستوى التعلم الذي يبلغه شخص بالنسبة لأهداف معينة، وذلك قصد الحكم على المراحل التي أنجزت سابقا واتخاذ أفضل القرارات بالنسبة للخطوات اللاحقة”.[2] قد يجد القارئ من خلال التعريفين صعوبة في التمييز بين المفهومين ويقف على تكرار للكلمات والمعاني، وهو ما يعيق فهما واستيعابا جيدين. ويجعل من المفهومين وجهين لعملة واحدة وهي التثمين والتقدير. هنا تبدو العودة للتعاريف اللغوية غاية في الأهمية علها تسعفنا في الفهم ورفع اللبس، ولعل المعاجم الأجنبية تبدو أكثر وضوحا ودقة في التعبير عن هذه المحطة، مما يحيلنا الى عنصر الترجمة الذي يبقى من العوائق التي تؤثر في التحديد الدقيق للمفاهيم والمصطلحات المولودة خارج بيئتنا، والذي يؤكد درجة التباين الكبيرة الموجودة بين المتخصصين والباحثين نتيجة اختلاف مرجعيات البحث والتكوين. وهنا تبدو الحاجة ملحة الى ضرورة خلق فهم مشترك وصحيح للظواهر التربوية، والتحلي بالأمانة العلمية في تعريب المفاهيم، وتحري الدقة في اختيار الكلمات حتى نجنب أنفسنا الخلط والتيه. وكما أسلفنا الذكر، فمشكل التمييز والتفرقة بين المفهومين المصادف في معاجم اللغة العربية-والذي سنقف عليه فيما بعد- غير مطروح بتاتا في المعاجم الأجنبية التي تتفق على احالة المفهوم évaluation) أو assenssment بالانجليزية أو évaluación بالإسبانية) الى التثمين والتقدير وإعطاء الأحكام.[3] فقاموس Le Petit Robert يحيل المفهوم على اصدار الأحكام وتحديد قيمة أو أهمية الشيء appréciation، والى التقدير كما العد والحساب estimation، calcul.[5]  وتعرف موسوعة Antidote مصطلح évaluation كذلك بالتثمين والتقدير واضفاء حكم القيمة.[5]  وتفيد اللفظة في المعاجم العربية في الغالب معنيين، باعتبار تعدد المشتقات وما لحق اللفظة حسب النحاة من ابدال، حيث أن أصل القيمة “قومة” أبدلت واوها ياء لتسهيل لفظها.[6]  وفي لسان العرب نجد جذر”ق.و.م”: أقمت الشيء وقومته فقام بمعنى الاستقامة واعتدال الشيء واستوائه، وقوم درأه أي أزال عوجه، وأقام السلعة وقومها أي قدرها.[7]  أما معجم اللغة العربية المعاصرة، قوم يقوم، تقويما، قوم المعوج : سواه وعدله، وأزال عوجه، قوم الأخطاء: صححها.[8]  وفي معجم المعاني الجامع نجد فعل قوم بالمعنى الآتي:  قوَّمَ المعوجّ: عدَّله وأزال عِوَجه. قوَّمَ السِّلعة: سعَّرها وَثَمَّنَها. قَوَّمَ الأَخْلاَقَ: هَذَّبَهَا، أَصْلَحَهَا. قَوَّمَ الخَطَأَ: صَحَّحَهُ.[9]  أما جذر “ق.ي.م” فيمنحه معجم المعاني الجامع الدلالة التالية:  قيَّمَ يقيِّم، تقييمًا. قيَّمَ الشيء تقْييمًا: قَدّر قيمَتَهُ. قيَّم السِّلعةَ: حدَّد ثمنها. قيَّم وضعًا: استعرض نتائجَه وما حقّقه من تقدُّم، وقرّر.[10]  ومعنى قَيَّمَ -في المعجم الوسيط – الشيءَ تَقْييماً: قدَّر قيمته.[11]  وجدير بالذكر أننا وقفنا على وفرة في المعطيات لما عمدنا الى البحث عن فعل ” قوم”، عكس فعل “قيم” والذي يزعم الكثير من النحاة[12] على أنها كلمة خاطئة ويوجبون استعمال مصدر “تقويم” بدلا عن “تقييم”، مؤكدين على شمولية المفهوم-تقويم- وقدرته على احتواء جميع المصطلحات بدءا من تشخيص للمكتسبات، ومرورا بقياس درجة بلوغ الأهداف، وصولا الى التقدير والتثمين وإصدار الأحكام، ثم اتخاذ القرارات الكفيلة بإصلاح الخلل وتصحيح المسار. وفي محاولة للإغناء وتدقيق الأمور، عمدنا الى بعض معاجم الترجمة لنجد أن لفظة “تقويم” تستوعب مجموعة من المعاني كالتقدير والتصحيح والتصويب…appreciation-evaluation-estimation-rectification-redressement-dressage-correction.[13]، وهذا ما لا يمكن التسليم به وقبوله في ظل تواجد مصطلحين يحيلان الى معنيين مختلفين.  ومن خلال التعاريف والدلالات الواردة في المعاجم، يتأكد أن المفهومين مختلفان في المعنى، فالأول “تقويم” يحيل على التعديل والتصحيح بينما الثاني “تقييم” يرمي الى بيان قيمة الشيء وتعيين أوجه القصور والخلل فيه. وهي الدلالة التي نضفيها في حقل التعليم على تلك العملية التي تهدف قياس وبيان مدى تحقق الأهداف المسطرة من قبل.  أما في المعاجم المتخصصة، فقد وقفنا على مجموعة من التعاريف نورد بعضا منها:  “التقويم عملية علاجية وقائية تستهدف الكشف عن مواطن الضعف للعمل على إصلاحها أو تحاشيها ومواطن القوة للعمل على اثرائها بقصد تحسين العملية التعليمية التربوية وتطويرها بما يحقق الأهداف المنشودة”.[14]  “التقييم مجموعة من الإجراءات والعمليات المستعملة لأدوات من طرف شخص تكلف بتعليم فئات معينة أو بشخص آخر أو المتعلم ذاته، والتي تكون مبنية بكيفية تمكن المستهدف من أداء مهام، أو الجواب عن أسئلة أو تنفيذ إنجازات يمكن فحصها من قياس درجة تنفيذها وإصدار الحكم عليها وعلى منفذها واتخاذ قرار يخص عملية تعليمية ذاتها”.[15]  وباستقراء المعاني الاصطلاحية للمفهومين، نجدهما يفيدان نفس المعنى. مما يدفعنا الى مساءلة المفهومين لتجاوز هذا الاشكال المفاهيمي. ولعل استعمال مصطلح “التقييم” كما في تعريف عبد الكريم غريب هو الصائب بحكم أن التقويم مرتبط بالتصحيح والتجبير، عكس التقييم الذي يسعى الى التأكد من درجة تطابق المكتسبات مع ما تم تحديده من أهداف عبر آليات تتيح لنا اصدار أحكام.  وما يؤكد هذا الطرح هو تلك التقنيات والأساليب التي نعمد اليها كالروائز والاختبارات خلال محطات التشخيص والتقدير والتي تحيل الى الوقوف على مدى تحكم المتعلم في قدرات أو مهارات ما، كما الى تحديد مواطن القصور والخلل أكثر من تعبيرها عن التصحيح والتعديل والضبط والتي لا يمكنها ان تكون الا عمليات لاحقة.  فالتقييم بهذا المعنى سابق على التقويم ومقدمة له، اذ يحيل على إعطاء قيمة للشيء وبيانها وجمع المعلومات والبيانات لقياس درجة تحقق الأهداف. أما التقويم فيلحقه باتخاذ وتفعيل الإجراءات المناسبة للتصحيح والتصويب.  وإذ نقصد هنا محطة معينة من محطات الفعل التعليمي التعلمي، فالأجدر أن نضبط تسميتها بما يجنبنا العمومية والخلط. وإذ نقصد من تلك العمليات رصد مكامن النقص والقصور ودرجة تمكن المتعلم، فالأولى ان نصحح المسميات بما يناسب ويلائم الحالة باعتبار أن ضبط المفاهيم وتحديدها بدقة أولى خطوات ضبط العملية ككل واتقانها.  لكن واقع الحال يكشف غير ذلك. وسنسوق مجموعة من الأمثلة المستقاة من المصوغات والمذكرات الرسمية والتي تعكس هذا الخلط المفاهيمي.  نبدأ من مصوغات التكوين الأساس المبرمجة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من خلال مجزوءة موسومة ب: تقويم الوضعيات التعليمية التعلمية، والتي اعتمدت مفهوم “التقويم” باعتباره لحظة تساؤل حول إمكانية المتعلم ودرجة اكتسابه، ومدى تملكه للقدرات المستهدفة، ومستوى تملكه للكفاية.[16] وهو ما يستوجب معه توظيف لفظة تقييم لأنها الأقرب للدلالة التي منحت في التعريف المدرج في المصوغة. ويبدو ان أولى الدعاوى لضبط المفهوم واعتماد اللفظة الأدق تعبيرا ووصفا لهذه المحطة، يجب أن توجه لمراكز التكوين بغية تملك المتدرب للمعارف المرتبطة بهذا المكون بشكل صحيح ودقيق يطور مهاراته وتقنيات ممارسته.  وقد خص الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي هذا المكون بفصل كامل وظف خلاله لفظة “تقويم” للإشارة الى القياس والتقدير وإصدار الأحكام. وهو ما نقف عليه كذلك بالمذكرة رقم 175 الصادرة بتاريخ 19 نونبر 2010 في شأن تأطير وتتبع المراقبة المستمرة بالتعليم المدرسي، ودليل التقويم الخاص ببيداغوجيا الادماج[17]، ومصوغات برنامج تقويم المستلزمات الدراسية الذي لا يعتبر-كما هو معلوم- تدخلا تصحيحيا لأجل سد الثغرات ومواطن النقص والقصور، بل يسعى الى تشخيص تحصيل المتعلمات والمتعلمين في بداية السنة الدراسية، بهدف تمكين المدرسات والمدرسين من التحديد الدقيق لمواطن القوة والضعف في تحصيل المتعلمات والمتعلمين، اعتمادا على عدة مكونة من مجموعة من الروائز، وهو ما يتناقض مع ما ورد في التعاريف اللغوية والاصطلاحية السابقة، ويدعونا الى مراجعة استعمالاتنا الخاصة بهذا المفهوم واعتماد لفظة “التقييم” على الأقل حينما نريد الإشارة الى محطة الوقوف على مدارك المتعلم والمتعلمة ورصد مواطن القصور في أدائه(ها) وتتبع مدى تنمية الكفايات لديه(ها)، وتحويل لفظة “التقويم” للإشارة الى مختلف الإجراءات البعدية التي تأتي لمعالجة الخلل وتصويب وتصحيح المسار.  والمتتبع اليوم للشأن التربوي بالمغرب يلحظ نزوعا نحو استخدام مفهوم “التقييم” بدءا من إرساء هيئة مؤسساتية تعنى بتقييم المنظومة ككل –وان كان الحديث هنا يجرنا الى التقييم العام وليس الخاص كما في الورقة- مرورا ببعض الإنتاجات المصر أصحابها على توظيف لفظة “تقييم” باقتناع تام[18]، وصولا الى مضامين الندوة الدولية التي احتضنها المجلس الأعلى للتربية والتكوين أيام 22-23 أكتوبر 2015 تحت شعار:  التقييم في التربية والتكوين، المقاربات، الرهانات والتحديات.  والملاحظة المرصودة ونحن نشير الى هذه الندوة الدولية، ان لفظة “تقويم” لم تذكر في تدخلات المشاركين سوى مرة واحدة للإشارة الى احدى مديريات الوزارة وهي مديرية التقويم وتنظيم الحياة المدرسية والتكوينات المشتركة بين الأكاديميات، والتي قدم مديرها مشاركة بعنوان: منظومة التقويم التربوي بالمغرب: الارساء وآفاق التطوير.  ما عدا ذلك وظف المشاركون مفهوم التقييم في تدخلاتهم والتي نورد بعض عناوينها كما يلي:  · تقييم المنظومات المدرسية: أداة لبناء السياسات المدرسية على المدى الطويل.  · الوضع المعرفي للتقييم في التربية.  · دور التقييمات الدولية (PISA) في الدول النامية.  · دراسة تحليلية للبرامج التقييمية الجهوية والدولية.  · بيانات ومؤشرات التعلم والتعليم الخاصة بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن نظام متابعة وتقييم منظومة التعليم الوطني.  · تقييم التعلمات.  · نموذج التقييم. PNEA  وإذ خضنا تجربة الغوص في أغوار مكون أساسي من مكونات الفعل التعليمي التعلمي، نعترف بأننا كنا ومنذ البداية واعين بصعوبة المهمة، خصوصا عندما عمدنا الى المعاجم العربية للوقوف على المفردة وتلمس تاريخ ولادتها وأصلها، وما لحقها من تغييرات مع ما يتطلب ذلك من إمكانات معرفية وبحثية متقدمة لا نمتلكها بحكم التخصص. لكن تواصلنا مع أشخاص مصادر –نوجه لهم كل الشكر والتقدير على المساندة والدعم- سهل مأموريتنا وأغنى معطيات بحثنا بمزيد من المعلومات والاشارات والاحالات على مجموعة من المراجع والمصادر.  وأملنا أن تسد هذه الورقة فراغا دام مدة طويلة، وتحشد همم الباحثين والمتخصصين لإغنائها وتصويبها، خصوصا وان مكون التقييم أصبح يحتل مكانة بارزة في حقل التربية والتعليم -كما باقي المجالات- باعتباره آلية أساسية تسعف في رصد أداء الفاعلين التربويين للارتقاء بالمنظومة التربوية وتحسين مردوديتها.  [1] -جميل حمداوي.التقويم التربوي والديداكتيكي. مجلة اهتمامات تربوية.عددمزدوج 9-10/2014.ص10.  [2] -أحمد أوزي.المعجم الموسوعي لعلوم التربية.مطبعة النجاح الجديدة.الدار البيضاء.الطبعة الأولى.2006 ص208. عن مقال القيادة والتقويم التطويري للمؤسسة التعليمية، الرهانات التكوينية المستعصية في مجال الإدارة التربوية. ادريس جحيدي.مجلة علوم التربية. عدد35. اكتوبر2007.  [3] -http://www.wordreference.com  [4] -Le petit Robert.  [5] -encyclopédie Antidote.  [6] -عبد الكريم غريب. بيداغوجيا الكفايات. منشورات عالم التربية.ص 381.  [7] -التقويم التشخيصي الفعال دعامة موسم دراسي ناجح. عبد الغني اسراوي- معجم العين(قوم) وغريب الحديث لأبي عبيد5/247، والبارع لأبي علي وتهذيب اللغة للأزهري.  [8] -معاجم اللغة العربية. http://www.maajim.com  [9] – معجم المعاني الجامع. http://www.almaany.com  6- معجم المعاني الجامع. http://www.almaany.com [11] -http://www.maajim.com  [12] – عبد الكريم غريب. بيداغوجيا الكفايات.منشورات عالم التربية. طبعة2004.ص381.  [13] -جبور عبد النور. معجم عبد النور المفصل. دار العلم للملايين. 2000.ص569.  [14] – معجم مصطلحات التربية. فاروق عبده فليه وأحمد عبد الفتاح الزكي، عن دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر. الإسكندرية. مصر.  [15] – عبد الكريم غريب. معجم علوم التربية.  [16] – مصوغة مجزوءة تقويم الوضعيات التعليمية التعلمية.مادة علوم التربية. الوحدة المركزية لتكوين الأطر. يوليوز 2012.  [17] -دليل التقويم. بيداغوجيا الادماج. مكتبة المدارس 2011.  [18] -عبد الكريم غريب(مرجع سابق)+المفيد في التربية لمحمد الصدوقي+العربي اسليماني والحسن بوبكراوي. إشكالية تقييم الكفايات من بناء المعرفة الى تصحيح الورقة.مجلة علوم التربية عدد35. 2007+محمد فاتحي.مناهج القياس وأساليب التقييم، بناء الاختبارات والامتحانات ومعالجة النتائج.مطبعة النجاح.1995.