لا أحد بوسعه أن ينكر أن المؤسسات التعليمية الابتدائية، سواء القديمة منها أم الحديثة، تغيب فيها الشروط الخاصة، ولو في حدودها الدنيا، لتنفيذ حصص التربية البدنية والرياضة، تنفيذا يليق بالأطر التربوية، وبتلامذتهم سواء بسواء، ويحول دون حصول حوادث أليمة، قد يتقاسم المعاناة من تداعياتها السلبية، الأساتذة، والإدارة، والمتعلمون سواء بسواء. فلا ساحات أو ملاعب ( مناسبة ) ، ولا قاعات للملابس vistiaire ، وأحيانا، ولا مراحيض كذلك. مما لا يكون معه حين يدفع الأساتذة وتلامذتهم إلى ما يسمى ” تعسفا ” حصص التربية البدنية والرياضة، غير تأدية أدوار مسرحية رديئة لكاتب ومخرج رديئين هما أيضا.
و السؤال الذي يؤرق كل من يجد نفسه متورطا في تأدية أدوار معينة في هاته المسرحية الرديئة ، والذي ينبغي طرحه في هذا السياق لهو على الشكل التالي: فما الجدوى من أن يرى الواحد ” أستاذة ” بوزرتها أو جلبابها، على كبرها، أو ” أستاذا ” بوزرته أو جلبابه، على كبره، يهرولان، بشكل مثير للشفقة، جنبا إلى جنب مع متعلمات ومتعلمين في عمر الزهو، بزيهم المدرسي الموحد، في ساحة اختلطت فيها الحجارة بالأتربة ببقايا أشياء أخرى، ثم يدخل الجميع الفصل، لإتمام ما بقي من حصص دراسية أخرى، وكل يحمل ما قدر له أن يحمل من غبار، وما جاد به جسمه من روائح العرق التي تعكر صفو فضاء حجرة الدرس؟
فما هكذا تورد الإبل يا سعدُ، كما يقول المثل العربي. إنه الاستخفاف في أنكى صوره إن لم تخنني العبارة…
صحيح، أن تدريس مادة التربية البدنية والرياضة في المؤسسات التعليمية أمر ” إجباري ” بقوة القانون. وهو ما أكد عليه المشرع من خلال الجريدة الرسمية في عددها 5885 – 16 بتاريخ 25 اكتوبر 2010 ، بقانون رقم 90.03، يقول في المادة 2، من باب تحت عنوان ” في الأنشطة البدنية والرياضية المدرسية والجامعية ” ما يلي : ” تلقن إجباريا مواد التربية البدنية والرياضة في جميع مؤسسات التربية والتعليم المدرسي العمومي والخصوصي ومؤسسات التكوين المهني العمومي أو الخصوصي والإصلاحيات السجنية وكذا جميع المؤسسات الجامعية ومعاهد التعليم العالي العمومي والخصوصي”.
والجميل في هذا القانون هو أنه لم يترك الباب مشرعا للتأويل، أو تأويل التأويل، ولا للاجتهاد، أو للاجتهاد فوق الاجتهاد. إذ أكد في المادة 63 منه على ما يلي: ” لا يجوز لأي شخص أن يقوم مقابل أجر كيفما كان نوعه بتعليم التربية البدنية أو تعليم ممارسة رياضة أو مزاولة التدريب أو التكوين أو التحكيم داخل المؤسسة أو أن يحمل صفة مدرس للتربية البدنية والرياضة أو صفة مدرب أو حكم إن لم يكن :
– حائزا على شهادة أو دبلوم الدولة يسلم وفق الشروط المحددة بنص تنظيمي أو دبلوم معترف بمعادلته
– أو حائزا على شهادة تأهيل مهنية مسلمة من جامعة رياضية وطنية مؤهلة ، أو عند الاقتضاء من العصبة الاحترافية الرياضية ”
ومن نافلة القول أن لا أحد من نساء ورجال التعليم بالمؤسسات الابتدائية، تتوفر فيها أو تتوفر فيه شرط من الشرطين السالفي الذكر.
وحتى لا يبقى خرم إبرة، إن صح القول، يُشرْعنُ تفسير ما تقدم ذكره تفسيرا تحت الطلب، جاء المرسوم رقم 2.10.628، المؤرخ ب 4 نونبر 2011 ، الموافق للسابع من ذي الحجة 1432، فقطع الطريق على كل من كل من سولت له نفسه ذلك، وأشار بالبنان إلى ” من تسند لهم مهمة تدريس / تلقين مادة التربية البدنية والرياضة ” إذ قال في مادته 17 ما يلي :” لتطبيق المادة 63 من القانون 90.03 السالف ذكره، لا يجوز لأي شخص أن يزاول مقابل أجر مهام : مدرس للتربية البدنية والرياضة إذا لم يكن حاصلا على دبلوم السلك الثاني من المدارس العليا للأساتذة أو شهادة التخرج من المراكز التربوية الجهوية تخصص التربية البدنية والرياضة ، أو دبلوم معترف بمعادلته لهما “.
انتهى الكلام. ونسخ كل ما كان قبله من كلام ذي صلة بمَن يخول لهم القانون تدريس مادة التربية البدنية والرياضة في المؤسسات التعليمية.
ومن هنا، فالذين يخالفون ما تقدم، معتمدين فيما خالفوا فيه على مرجعيات أخرى ك “الكتاب الأبيض” ( يونيو 2002 ) ،أو ” الميثاق الوطني للتربية والتكوين” ( أكتوبر 1999) ، أو غيرهما كالمقررات، والمذكرات والمراسلات الوزارية ، فوجب تذكيرهم بـأن الظهير، وبأن المرسوم أكبر من ذلك بكثير. كما ينبغي تذكيرهم بخطاب جلالة الملك الذي ألقاه بمناسبة الذكرى 60 لثورة الملك والشعب، مساء يوم الثلاثاء20 غشت 2013. والذي عرى فيه على الواقع التعليمي بالبلاد، حيث قال ” …. أن ما يحز في النفس أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة. وهو ما دفع عددا كبيرا من الأسر رغم دخلها المحدود، لتحمل التكاليف الباهظة، لتدريس أبنائها في المؤسسات التعليمية التابعة للبعثات الأجنبية أو في التعليم الخاص، لتفادي مشاكل التعليم العمومي، وتمكينهم من نظام تربوي ناجع “.
و جلالته حينما فاجأ الجميع بهاته الحقيقة ، عشية الثلاثاء 20 غشت 2013 ، كان كأنما ينبه إلى ضرورة القطع مع ما كل تقدم من مرجعيات، والتفكير في طرح مرجعيات بديلة لإخراج التعليم من الوضع الذي أصبح عليه الآن …
كما أن الذين يعتمدون على خلفية كون الأساتذة تلقوا تكوينا في مادة التربية البدنية في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، التي تخرجوا منها لا يعرفون القاعدة الفقهية التي تقول ” لا اجتهاد مع وجود النص”. والنص في حالتنا هاته يقول ” التوفر على شهادة التخرج من المراكز التربوية الجهوية، تخصص مادة التربية البدنية والرياضة “.
وهذا معناه، أن الجهات التي يعنيها الشأن التعليمي والتربوي بالبلاد، عليها ان تفهم أن أي اجتهاد ذي صلة بتدريس مادة التربية البدنية والرياضة بالمدارس الابتدائية، تكون مخرجاته تحميل الأساتذة ( الحيط القصير في الموارد البشرية ) ما هم ليسوا مؤهلين لتحمله، هو اجتهاد، مهما كانت مبرراته، يضرب المشرع في مفصل. وبالتالي يطرح نقاشا كبيرا لا أحد يتكهن بما سيفضي إليه.
و من هنا، فوزارة التربية الوطنية ، فيما يبدو، مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بأن لا تتأخر أكثر عن فتح أبواب مراكزها الجهوية لمهن التربية والتكوين لتخريج أساتذة التعليم الابتدائي، تخصص تربية بدنية ورياضة، كما كان عليه الأمر سنوات قليلة خلت. وتخصيص أظرفة مالية لإحداث الساحات / الملاعب، والمرافق الضرورية لتنفيذ حصص التربية البدنية والرياضة تنفيذا يضع حدا لهاته المهزلة، ( تنفيذ حصص التربية البدنية والرياضة بالمدرسة الابتدائية ” باش ما عطا الله ، وكيف ما عطا الله ) ، وفي ذات الآن يوقف ما يطرح مع هاته المادة من ارتباك يعاني منه كل ذي صلة بالمدرسة الابتدائية، بدءا من أُطر المراقبة التربوية، مرورا بالأطر الإدارية ، وانتهاء بالأطر التربوية، ومعهم متعلميهم بطبيعة الحال.
و إلى حين ذلك ، من المناسب القول أن ” لا مجال للاجتهاد مع وجود النص ” ( القانون )، كما ليس مُجْد في شيء، أن تُقفل العيون وتُسد الآذان، وتُسند الأمور لغير أهلها، ويُطالَب هذا الغير بتنفيذ ما أسند إليه، وفق ما تمليه منهجية تنفيذه، وفي أفضية وشروط غير الأفضية وغير الشروط القابلة لذلك ! إنها حقا معضلة …